24-04-2018
مقالات مختارة
ميسم رزق
ميسم رزق
أنتجت مرحلة الغياب القسري للرئيس سعد الحريري عن البلاد بين العامين 2011 و2016 سلسلة من الوقائع. تراجُع تيار المستقبل لمصلحة أحزاب وتيارات أساسية. صُعود قوى متفرّقة منافِسة له إلى مرتبة الظاهرة الانتخابية. تحوّله إلى كيانات مُتصارعة بفعل ظروف سياسية وتنظيمية ومالية. عوامل دفعت التيار الأزرق إلى إعادة رسم هيكليّته.
بعد تأجيل لسنتين، عقدَ تيار المستقبل مؤتمره العام (تشرين الأول 2016). كانت النتيجة: انتخابات داخلية أطاحت أغلبية الطاقم القديم، لمصلحة الإتيان بهيئات قيادية جديدة وإحكام قبضة الأمين العام أحمد الحريري على البنيان التنظيمي، تحت شعار ضرورة وضع حد لمراكز القوى المتنافرة.
عامَان على انطلاق الورشة التنظيمية الجديدة، تبيّن عشية الاستحقاق التشريعي أنهما لم يكونا كافيين للإمساك بمفاصِل اللُّعبة الانتخابية. فقد اتضح لـ«المُستقبل» أن الثُّغَر كثيرة. تراجُع الإمكانات المالية حدّ من القدرة على على استقطاب المفاتيح والرموز الانتخابية. ثمّة شيفرات بيروتية لا يملك كلمات سرها إلا مجايلو رفيق الحريري. الافتقار إلى لغة تخاطب (حتى لو كانت تبريرية) مع الشارع والعائلات البيروتية.
الأهم من هذا كله، افتقاد التيار الأزرق للجاذبية السياسية. لا الشعارات تغري الجمهور، ولا الدم أو «الحقيقة». زاد الطين بلةً ما جرى مع سعد الحريري في الرياض. هو جرح حفر عميقاً في ذاكرة الجمهور العريض للتيار المستقبل، ولو أن سعد الحريري لم يبقّ بحصة الرياض حتى الآن، برغم كل ما تطرق إليه الإعلام الغربي، وخصوصاً الأميركي.
واقعٌ صعب جداً فرض على الرئيس سعد الحريري خيار استعادة بعض «الحرس القديم»، تحت مُسمّى استشاريين (تحديداً أولئك الذين لهم باعٌ طويل في الانتخابات، ويدٌ طولى في الشوارع والأحياء البيروتية، ولا سيما الفقيرة). لم يمُرّ وقتٌ طويل حتى ظهرَت بصمات هؤلاء على الأرض. افتعال مشاكل. اعتداءات. ترهيب وترغيب دفعا عدداً من المرشحين المُنافسين للعودة إلى حضن وادي أبو جميل. أما في الماكينة الانتخابية، فتضارُب مصالح. أفضلية لبعض مراكز النفوذ. أجندات مُختلفة وصراعات… على الصوت التفضيلي.
بداية التحوّل
العودة واجبة إلى بعض المحطّات عند الحريريين منذ عام 2005. معرفة ما آلت إليه أحوال تيار المستقبل تستلزِم عودة إلى أرشيف الذاكرة. للتيار حاضنات ثلاث أساسية: جمعية التنمية، شباب المُستقبل وقطاع المهن الحرّة. كان الأخير أقواها. مصدر قوته ناجم من أسبقية النشوء وصلته المباشرة بالقواعد التي يستهدفها (أطباء ومهندسون ومحامون وصيادلة). المنتسبون إلى هذه المؤسسات هم الذين أداروا الانتخابات البلدية في 1998 و2004 والانتخابات النيابية الشهيرة في عام 2000. ترأس هذا «المثلث» سليم دياب إلى حين سقوط الـ «security plus» في عام 2008 (كان مُشرفاً على الشركات الأمنية والتسليح إلى لحظة 7 أيار 2008). أُقصي الرجل تدريجاً. ومن أجل الحفاظ على ماء الوجه، قيلَ إن سليم دياب قد استقال.
لكل مرشح على لائحة الحريري جناح في التيار الأزرق يدعمه
بعد ذلك ذهب تيار المستقبل إلى لجنة خماسية تحضيراً للمؤتمر العام التأسيسي الأول. عُيّن أحمد الحريري أميناً عاماً للمرّة الأولى (2010). في تلك الفترة – ورُغم إقصاء دياب – قاومت بعض مراكز القوى محاولات هزّ حضورها وتقليمه في البنية التنظيمية. من بين هؤلاء صالح فروخ وحسن منيمنة وسمير ضومط. لكن تجديد «الأمانة» لأحمد منذ عامين بدّل كل الموازين.
2016 كانت سنة مفصلية. القول بأنها مفصلية ينطلِق من فكرة أن الخطّة التي سار بها الأمين العام كانت تقوم على تسليم مفاتيح التيار (المنسقيات) للشباب، وتحديداً للفريق المحسوب على أحمد الحريري بالكامل. الحجّة هي محاولة الاستفادة من تجربة «بيروت مدينتي» الشبابية في الانتخابات البلدية الأخيرة. استطاع الحريري إحكام سيطرته ووضع يده على المكتب التنظيمي والأمانة العامة معاً. بدلاً من صالح فرّوخ، أتى بجلال كبريت أميناً عاماً مُساعداً لشؤون الفعاليات، وأحمد رباح مُساعداً عاماً وأميناً لشؤون التنظيم، وأبقى على بسام عبد الملك الذي حافظ على موقعه بحكم علاقاته داخل التيار. حتّى المكتب السياسي لم يسلَم من الورشة. تقدم حضور قطاع الشباب (التابع للحريري)، وفي المقابل سقطت منسّقة قطاع المهن الحرّة بشرى عيتاني في المؤتمر. صراع القطاعات جاء لمصلحة «الشباب» في التيار. حُلم أحمد الحريري بتثبيت نفوذه أصبح واقعاً ملموساً.
عودة الحرس القديم
لم تكُن الظروف التي مرّ بها «المستقبل» خلال العامين الماضيين سهلة. بدءاً من تبنّي سعد الحريري ترشيح العماد ميشال عون للرئاسة، وصولاً إلى اختطافه من قبل الرياض وإجباره على الاستقالة. بينهما خضّات داخلية قلبت التيار رأساً على عقب. فترة جعلت المستقبليين أمام تحدٍّ كبير على أبواب الانتخابات النيابية.
على وقع انتخاب عون وعودة سعد الحريري إلى السرايا الكبيرة، انعقد المؤتمر الثاني لتيار المستقبل وانتخب مكتباً سياسياً جديداً. رفع التيار شعارات التجديد والمحاسبة وتفعيل دور الشباب والمرأة وإعادة إنتاج رؤية اقتصادية وسياسية جديدة. قراءة نقدية للمرحلة الممتدة من 2010 حتى 2016، وصولاً إلى تعديل النظام الداخلي للتيار.
ورشة أفرزت في عام 2017 تعيين عضو المكتب السياسي وسام الحريري مسؤولية الإشراف على الماكينة الانتخابية المركزية للتيار. ساهمت الماكينة بإشراف كل من سعد وأحمد الحريري، وبشراكة كاملة مع نادر الحريري في حسم أسماء المرشحين والمرشحات في كل الدوائر. صياغة التحالفات. تحضير «الداتا». إطلاق الماكينات. تدريب المندوبين. غير أن سعد الحريري وجدَ أن معركة بمثل هذا الحجم تتطّلب خبرات أكثر قدرة على قراءة الأرقام وحجم التصويت والإمساك بالأرض.
وقع الاختيار على «الخبير» خالد شهاب، الذي كان له دور في تقديم عدد من الاقتراحات حول قانون الانتخابات الجديد. عودة شهاب الذي كانت له صولات وجولات في الاستحقاقات الانتخابية، وهو الآتي من قطاع المهن الحرة، ترافقت مع عودة كل من صالح فروخ وسليم دياب. الثلاثة
عادوا بصفة استشارية!
0ليس سليم دياب اسماً عادياً. ارتبط اسمه بمحطات انتخابية سابقة، خصوصاً بين العامين ٢٠٠٥ و٢٠٠٩. استقطاب ناخبين. دفع أموال. هدر وفساد في إدارة للماكينة الانتخابية آنذاك. كثُر في تيار المُستقبل يتحدّثون عن الذين أحاط دياب نفسه بهم، واغتنوا في تلك المرحلة. الأمر لم يعُد مهماً الآن. الزمن ليس زمن محاسبة. إنه وقت العمل. وقت الذين يعرفون من أين تؤكل الكتف. دياب واحد من هؤلاء. «لديه قدرة استقطاب غير عادية». أعطى صورة لنفسه بأنه صلة الوصل مع مفاتيح انتخابية تثق به في الأحياء والمناطق البيروتية. قدرة على طرق الأبواب. هناك ناس تعرفوا إليه في الدورات الانتخابية السابقة، ويزعم أن له قدرة على فتح أبواب جديدة. في المحصلة، تشي الوقائع بمشهد مُرتبك. التيار الذي اعتمد سابقاً على ماكينة انتخابية تتجاوز حدود البنية التنظيمية، أصبح أمام ماكينة من نوع جديد: قليلة العدد، ضعيفة الأداء، مُتعدّدة الولاءات. يجمعها عنوان واحد «احتفاظ تيار المستقبل بزعامة السنّة» أولاً، وثانياً، محاولة خرق البيئات الطائفية الأخرى للقول بعد الانتخابات بأن تيار المستقبل عابر للطوائف والمناطق.
إدارة الماكينة الانتخابية
تنطلِق الماكينة الانتخابية في عملها من نقطتين أساسيتين: التّسليم بخسارة بعض المقاعد النيابية، والاعتماد على اسم سعد الحريري رافعةً أساسية للوائح التيار في كل الدوائر التي يخوض فيها الانتخابات. وفق المتداول، قسّم سليم دياب ماكينة العاصمة (دائرة بيروت الثانية إلى ١١ماكينة). لكل مرشح في دائرة بيروت الثانية ماكينته. منهم من أنشأ لنفسه فريق عمل خاصاً، كوزير الداخلية نهاد المشنوق. ومنهم مَن تولى دياب تركيب فريقه، كالرئيس تمام سلام وآخرين على اللائحة. وقد عمل دياب على فصل الداتا بين المُرشحين، بهدف توزيع الأصوات التفضيلية. غيرَ أن المشكلة الكبيرة التي تواجهها الماكينات بحسب مصادر في التيار تكمُن في «تفاوت الإمكانات والكادر البشري». مثلاً، يعاني تمام سلام من ضعف التسويق الانتخابي، فعلى الرغم من حضوره في أغلب المناسبات الانتخابية، إلا أنه غير قادر على مجاراة صقور اللائحة. ويبدو أن لكل مرشح على اللائحة جناحاً يدعمه. مثلاً، يسعى الأمين العام إلى تسويق المرشّح عن المقعد الشيعي علي الشاعر، فيما يتولى المُنسق خالد شهاب ماكينة المرشح ربيع حسونة، ويسعى إلى أن يكون السني الرابع الفائز على اللائحة، أو ربما الثالث إذا كانت المعركة صعبة. أما المرشح عن المقعد الأرثوذكسي نزيه نجم، فقد قرر الاعتماد على إمكاناته المادية الذاتية في الترويج لنفسه، مستحدثاً فريق عمل من التيار للعمل إلى جانبه.
2016 كانت سنة مفصلية بالنسبة إلى قطاع الشباب
ما تواجهه ماكينة التيار لا يتعلّق فقط بخوض معركة المرشحين على لائحة «المُستقبل لبيروت» في وجه المرشّحين على اللوائح الأخرى في دائرة بيروت الثانية، بل في المنافسة على الصوت التفضيلي بين أعضاء اللائحة نفسها. هذا ما يفُسّر تناتش أصوات الناخبين بين كل ماكينة. وفي وقت قيل إن الإتيان بدياب كان هدفه الحدّ من حركة فروخ الذي يُدير ماكينة الوزير المشنوق، ثمّة أمر أساسي تحدّثت عنه مصادر في التيار، هو «تغطيته عجز الماكينة عن التواصل مع العائلات البيروتية». أما أحمد الحريري، فيتولّى مهمة مخاطبة الطبقات الشعبية الفقيرة في أحياء العاصمة.
ويسود القلق أجواء تيار المستقبل الذي يتخوف كثيراً من انخفاض نسبة الاقتراع في بيروت. تقول الأرقام حتى الآن إن النسبة لن تتجاوز حدود الـ ٤٧ في المئة عند الناخبين السنّة. أنتج هذا القلق قلة ثقة بين التيار والشارع السني، وانعكس إشكالات متكررة على الأرض واعتداءات على مرشحين سنّة منافسين للتيار في الدائرة. ومن جملة المشاكل التي تعتري عمل الماكينة، فرض دياب عدداً من العناصر التابعين له مثل طارق الدنا وسامر الترك ومجموعة محمود علوان في الطريق الجديدة.
منافسون لتيار المُستقبل في بيروت يؤكدون أن الماكينة الانتخابية في بيروت تُمارس كل أساليب الترهيب والترغيب على المرشحين. فهي تعمل على تهديد الناخبين في حال عدم التصويت للتيار، من جهة. ومن جهة أخرى، نجحت في تطويع عدد من المرشحين. منهم من انسحب من المعركة كالمحامي مروان سلام الذي أعلن ذلك على الملأ بعد لقائه الرئيس الحريري. وبعضهم من لا يزال يُستدرج إلى بيت الوسط للضغط عليه. هذه المهمة يتولاها إلى جانب دياب النائب عقاب صقر. وآخر المعلومات تحدثت عن أن مفاوضات يجريها التيار مع المرشح على لائحة «البيارتة المستقلّين» خالد ممتاز. أجواء تشيع إمكانية إعلان انسحابه من المعركة قريباً لمصلحة لائحة المستقبل في بيروت.
السعوديون دفعوا… لم يدفعوا
في دائرة بيروت الثانية، تتحدث مصادر تيار المستقبل عن شوائب تعرقل عمل الماكينات، أبرزها ضعف الموارد المالية. العاملون في الماكينات أغلبهم لم يقبضوا فلساً واحداً. حتى الخيم الزرق المنتشرة على الطرقات والتي وُعدت بتقاضي ما بين ٥٠٠ ألف ليرة و٥٠٠ دولار لم يصلها أي شيء حتى الآن. بعض التسجيلات الصوتية التي انتشرت على مواقع التواصل كشفت عن وجود مشكلة. يُضاف إلى ذلك، تحول معظم المنسقين إلى «رؤوس كبيرة». همّها تحصيل ما يُمكن تحصيله من هذه الانتخابات بدلاً من العمل يداً واحدة للائحة «المستقبل لبيروت». غيرَ أن ما تقوله المصادر يتناقض والمعلومات التي تحدّثت منذ فترة عن إقدام السعودية على دفع مبلغ من المال مخصص للانتخابات. من يصرّ على نفي واقعة الدفع، يستشهد بالأموال التي دفعها بعض المرشحين على اللائحة من جيوبهم الخاصة حتى الآن.
مهرجان انتخابي بعنوان «الواجهة البحرية»
علمت “الأخبار” أن بلدية بيروت انتهت من دراسة مشروع تنوي تنفيذه على الواجهة البحرية لبيروت، والممتدة من نادي الضباط وصولاً إلى السان جورج. وبحسب مصادر في المجلس البلدي، فإن الرئيس سعد الحريري طلب من المجلس البلدي التكتّم على المشروع، على أن يعلنه هو شخصياً، في مهرجان انتخابي مطلع الشهر المقبل، وتقديمه كإنجاز من إنجازات تيار المُستقبل لمدينة بيروت. هذا المشروع هو عبارة عن “تطوير وإعادة تصميم الواجهة البحرية”، من خلال هندسة الزرع وتوسيع الكورنيش وإنشاء مدرجات بحرية، وبدأ تصميمه منذ عام ونصف تقريباً، وقد تمّ الانتهاء من الخرائط والتصاميم منذ فترة بسيطة.
تعويضات المصروفين من «المستقبل»… استنسابية
حتى الآن لم تحصل الدفعة الأخيرة من المصروفين من صحيفة “المستقبل” على مستحقاتها (15 شهراً بالإضافة الى التعويضات)، إذ سبق للصحيفة أن فصلت حوالى 14 موظفاً في شهر أيلول الماضي، ووعدوا بدفع مستحقاتهم على 3 دفعات تنتهي نهاية عام 2017. ولم ينجح هؤلاء حتى في الحصول على سلفة بحجة عدم توافر الأموال. ويعود سبب ذلك إلى تسرّع الصحيفة في قرار الصرف أولاً، وعدم قدرة إدارتها على إلزام قيادة التيار بدفع التعويضات أسوة بما فعلته إدارة تلفزيون المستقبل ثانياً.
وقد حاول بعض الموظفين المصروفين ضمن الدفعة الأخيرة التواصل مع المدير العام للصحيفة سعد العلايلي الذي تنصّل من مسؤوليته ورفض تسلّم مذكرة منهم، ما اضطرهم الى إرسال إنذار بواسطة البطاقة المكشوفة مع إشعار بالتسلّم.
في المقابل، أفاد مصروفون من تلفزيون المستقبل بأنهم بدأوا بالحصول على تعويضاتهم بالتقسيط الشهري، وذلك التزاماً بالوعد الذي قطعه لهم رئيس مجلس إدارة المحطة ومديرها العام رمزي الجبيلي، فيما حصل المصروفون من شركة “سيكيور بلاس” على 4 رواتب متأخرة، بإيعاز من الرئيس سعد الحريري، بعد اتصال تلقّاه من أحد رموز حملته الانتخابية سليم دياب. حتى إن موظفي بيت الوسط يتقاضون رواتبهم المتأخرة بالطريقة ذاتها (دفعات شهرية)، وقد تسلّموا حتى تاريخه نصف المبالغ المستحقة لهم.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار