15-04-2018
عالميات
وبعيداً عن تبادل الاتهامات «العلني» سواء عبر البيانات الرسمية الصادرة عن العواصم المعنية أو خلال جلسة مجلس الأمن التي عقدت مساء أمس، بدا واضحاً أن «الضربة» جرت بالتنسيق بين الأميركيين (وتالياً البريطانيين والفرنسيين) وبين الروس، وأن كلا الجانبين كان حريصاً على الظهور بمظهر «المُنتصِر» الذي تمت مراعاة «خطوطه الحمر».
فالغرب نفذ تهديده بتوجيه ضربات عسكرية في حال استخدم السلاح الكيماوي، وروسيا لم تردّ على الضربات لأنها لم تستهدف قواعدها أو أماكن انتشار جنودها في سورية.
هكذا، بدا أن الجميع انتصر... فواشنطن وباريس ولندن تعتبر أن الضربة «المحدودة» ستدفع أولاً بشار الأسد إلى تغيير سلوكه حيال استخدام السلاح الكيماوي مجدداً، وموسكو «سعيدة» بعدم توسيع الضربات لتشكل تهديداً لجنودها أو تطول مواقع حيوية وأساسية للنظام، بحيث كانت ستضطر للرد كي لا تبدو ضعيفة وغير قادرة على تنفيذ تهديداتها.
على أن مراقبين ومحللين توقفوا عند «إيجابية»، تكاد تكون وحيدة حسب رأيهم، للضربات العسكرية، وهي أنها تبعث رسالة إلى موسكو بأن الغرب جاهز للتدخل العسكري في سورية، وغير مستعد لتقديمها على طبق من فضة لفلاديمير بوتين.
أميركا
وبعد ظهر أمس، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» أن العملية العسكرية الثلاثية ضد النظام السوري «ضربت كل الاهداف بنجاح»، في تناقض مع التصريحات الروسية بأنه تم اعتراض عشرات الصواريخ.
وقالت الناطقة باسم «البنتاغون» دانا وايت للصحافيين «نحن لا نسعى الى نزاع في سورية، ولكننا لا يمكن أن نسمح بهذه الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي.. وقد ضربنا كل الأهداف بنجاح.. والضربات مبررة ومشروعة ومناسبة».
من جهته، أوضح الجنرال كينيث ماكنزي في المؤتمر الصحافي أنه تم ضرب ثلاثة مواقع «تعتبر عناصر أساسية في البنية التحتية لانتاج الاسلحة الكيماوية لدى النظام» السوري.
وأكد ان العملية كانت «دقيقة وشاملة وفعالة» مضيفاً أنها ستعيد برنامج النظام الكيماوي للنظام السوري سنوات «الى الوراء».
وقال ماكنزي إن «الدفاع الجوي السوري لم يتمكن من إصابة أي من صواريخنا أو مقاتلاتنا التي شاركت في العملية»، نافياً بذلك ما أعلنته موسكو ودمشق عن أن الدفاعات السورية اعترضت الكثير من الصواريخ.
من جهته، أشاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالضربات، قائلاً إنها «نُفذت بإحكام» وإن «المهمة أُنجزت».
وكتب على «تويتر»: «تم تنفيذ ضربة محكمة الليلة الماضية. شكراً لفرنسا والمملكة المتحدة على حكمتهما وقوة جيشيهما. لم يكن بالإمكان تحقيق نتيجة أفضل. المهمة أُنجزت».
وكان ترامب قال لدى الاعلان عن السماح بتوجيه ضربات ضد النظام السوري، فجر أمس، ان «هجوم الاسد الكيماوي والرد... هما نتيجة مباشرة لفشل روسيا في الوفاء بوعودها»، في إشارة إلى اتفاق حول تفكيك الترسانة الكيماوية السورية في العام 2013 بين سلفه باراك أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
واعتبر أنه «يمكن الحكم على دول العالم من خلال أصدقائها. ولا يمكن لأي دولة أن تنجح على المدى الطويل من خلال تشجيع الطغاة والمستبدين القتلة».
وأضاف «يجب على روسيا ان تقرر ما إذا كانت ستستمر في هذا الطريق الشرير أم أنها ستنضم الى الامم المتحضرة كقوة للاستقرار والسلام».
وبعد أكثر من ساعة على خطاب ترامب، أعلن رئيس اركان الجيوش الاميركية الجنرال جوزيف دانفورد انتهاء الضربات.
وقال دانفورد الذي كان موجودا في مقر وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) الى جانب وزير الدفاع جيمس ماتيس، ان لا خطط في الوقت الحالي لشن عملية عسكرية اخرى.
واضاف أن الولايات المتحدة وحلفاءها حرصوا على عدم استهداف القوات الروسية المنتشرة في سورية.
من جهته، قال ماتيس «من الواضح ان نظام الاسد لم يتلق الرسالة العام الماضي»، في إشارة الى الضربة الاميركية التي نفذت في ابريل 2017 على قاعدة الشعيرات العسكرية في وسط سورية، ردا على هجوم كيماوي اتُهم النظام السوري به في خان شيخون شمال غربي البلاد. واضاف ماتيس «هذه المرة، ضربنا مع حلفائنا بشكل أقوى. وجهنا رسالة واضحة إلى الأسد ومعاونيه: يجب ألا يرتكبوا هجوما آخر بالأسلحة الكيماوية لأنهم سيحاسبون»، مشيراً إلى أن «الأماكن التي استهدفت... هدفها على وجه التحديد اضعاف قدرات الجيش السوري على انتاج اسلحة كيماوية... ولم تكن هناك محاولة لتوسيع عدد الاهداف».
فرنسا
وعلى غرار «البنتاغون»، أكد وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان أن «جزءاً كبيراً من الترسانة الكيماوية» التابعة للنظام السوري «تم تدميره» في الغارات.
وأشار إلى أن هذه الضربات كانت تهدف أيضاً منع الأسد من استخدام الأسلحة الكيماوية مرة جديدة ضد المدنيين.
وقال لودريان: «في ما يتعلق بالأسلحة الكيماوية، هناك خط أحمر لا ينبغي تجاوزه، وفي حال تم تجاوزه مجدداً، سيكون هناك تدخل آخر... لكنني أعتقد أنه تم تلقينهم درساً».
وأكد أن «ما من شكّ» في شأن استخدام الأسلحة الكيماوية في السابع من أبريل الجاري في مدينة دوما، موضحا أن باريس تملك «معلومات موثوقة» عن تورط «القوات المسلحة» السورية في الهجوم الكيماوي.
ورداً على سؤال حول ما اذا كانت القيادة العليا في الجيش السوري هي من أعطت الأمر لتنفيذ هجوم دوما، قال «كل شيء يجعلنا نفكر بأن الأمور جرت هكذا»، لكنه أشار الى أنه في هذه المرحلة، لا يمكن تأكيد ما إذا كان الأسد هو من أعطى الأمر.
وأضاف أن «على روسيا أن تدرك أنها صوّتت على نصوص في مجلس الأمن الدولي، من المهمّ اليوم تطبيقها، وعدم ترك نفسها تنجرّ وراء بربرية بشار الأسد»، في إشارة إلى الانتهاكات المتكررة لقرارات وقف اطلاق النار ووصول المساعدات الانسانية الى المدنيين.
وختم بالقول: «لست متأكداً أن بشار يسمع كل شيء، لكنني أعتقد أن فلاديمير بوتين قادر على سماع» هذه الرسائل.
وتوازياً، ذكر تقرير استخباراتي رفعت عنه فرنسا صفة السرية، أمس، أن باريس خلصت بعد تحليل فني لمصادر متاحة للجميع و«معلومات استخباراتية موثوقة» أن القوات الحكومية السورية نفذت هجوم دوما الكيماوي.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد في وقت سابق أن الضربات «تقتصر على قدرات النظام السوري في إنتاج واستخدام الأسلحة الكيماوية».
بريطانيا
وفي لندن، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية أن أربعة من مقاتلاتها من طراز «تورنيدو جي ار 4 اس» شاركت في الضربات، مشيرة إلى أنها انطلقت من قاعدة «أكروتيري» في قبرص، وقصفت أهدافاً قريبة من مدينة حمص.
وقال وزير الدفاع غافين ويليامسون ان العملية بمثابة «رسالة واضحة وقوية للنظام السوري بأن استخدام اسلحة محظورة غير مقبول وسينجم عنه رد فعل حازم».
من جهتها، اتهمت رئيسة الوزراء البريطانية النظام السوري بأنه لجأ الى استخدام الاسلحة الكيماوية ضد «شعبه» بـ«أبشع وأفظع طريقة»، مشيرة الى أنه تم اتخاذ القرار بالتدخل العسكري من أجل «حماية الاشخاص الأبرياء في سورية».
واضافت «اللجوء لعمل عسكري مع أقرب حلفائنا كان صائبا وقانونيا للحيلولة دون مزيد من المعاناة البشرية من خلال إضعاف قدرات الأسلحة الكيماوية لدى النظام السوري».
وأكدت مجدداً أن الهدف من الضربات «ليس تغيير النظام السوري أو الانخراط في الحرب الأهلية».
روسيا
وفي مؤشر على «التنسيق» المتواصل، أعلن نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف، أمس، أن موسكو على اتصال مع الدول التي شاركت في الضربات الصاروخية ضد سورية، مشيراً إلى أنها مهتمة بالتعاون مع الولايات المتحدة بشأن الأزمة.
من جهته، قال رئيس غرفة العمليات الحربية في الاركان العامة الروسية الجنرال سيرغي رودسكوي، في مؤتمر صحافي، إن موسكو قد تبحث تزويد سورية «ودول أخرى» بأنظمة دفاع من طراز «إس-300» أرض - جو.
واشار إلى أن روسيا «رفضت» تزويد سورية بتلك الصواريخ منذ أعوام قليلة «آخذة في الاعتبار طلباً ملحاً من بعض الشركاء الغربيين».
وقال إنه في أعقاب الضربات التي قادتها الولايات المتحدة «نفكر أن من الممكن أن نعود للنظر في هذه المسألة ليس فقط في ما يتعلق بسورية بل بدول أخرى أيضا».
وإذ أعلن أن منظومات الدفاع الجوي الروسية لم تتدخل في صد الضربات، أوضح رودسكوي أن الأنظمة الدفاعية الجوية السورية التي تتألف بالأساس من أنظمة سوفياتية، اعترضت 71 صاروخاً من أصل 103 أطلقتها القوات الأميركية والبريطانية والفرنسية، بعضها من طراز «توماهوك»، مؤكداً أن الضربات لم تتسبب بوقوع «أي ضحية» بين المدنيين والعسكريين.
وأشار إلى أنه «خلال العام والنصف الماضيين جددت روسيا بالكامل نظام الدفاع الجوي السوري وتستمر في تحديثه».
وأعلن أن مطارات القوات السورية لم تتعرض لأضرار كبيرة نتيجة الغارات الغربية، لكن «المنشآت المتعلقة بالبرنامج الكيماوي المزعوم لدمشق قد تعرضت لتدمير جزئي».
بعد الضربات التي استمرت نحو 45 دقيقة، قال مسؤول كبير في التحالف الإقليمي المساند للأسد إن الحكومة السورية وحلفاءها «استوعبوا» الضربة، وإنه تم إجلاء المواقع المستهدفة منذ أيام بناء على تحذير من روسيا.
الضربة العسكرية... ودقة معلومات «الراي»
أكدت مجريات الضربة العسكرية «الثلاثية» التي وجهتها الولايات المتحدة إلى النظام السوري، أمس، دقة المعلومات التي نشرتها «الراي» في أعدادها الصادرة خلال الأيام القليلة الماضية.
ففي عددها الصادر أمس، أكدت «الراي» في تقرير لمراسلها من واشنطن بعنوان «الأسد يخبّئ مقاتلاته ومروحياته في قاعدة حميميم الروسية»، ان النظام السوري نقل قواته الجوية إلى القاعدة الروسية، وهو ما تجلّى بعدم تضرر أي مقاتلات في «الضربة الثلاثية» وعدم شن النظام غارات جوية على مناطق المعارضة خلال الأيام القليلة الماضية.
وفي اليوم السابق (أول من أمس الجمعة)، انفردت «الراي» بكشف الخلافات داخل الإدارة الأميركية حيال الضربة العسكرية في سورية، في تقرير بعنوان «ماتيس ودانفورد يعرقلان ضرب الأسد»، تضمن معلومات تقاطعت مع تقارير نُشرت لاحقاً في صحف أميركية، وتأكدت مع توجيه «الضربة المحدودة» التي يؤيدها الجنرالات.
ومنذ الثلاثاء الماضي، أكد تقرير لـ«الراي» أن الضربة ستكون أكبر من «ضربة الشعيرات» وأصغر من أن تؤدي إلى إسقاط النظام، وهو ما حصل فعلاً أمس. وفي اليوم التالي (الأربعاء الماضي)، ذكرت «الراي» في تقرير بعنوان «حبس أنفاس ترقباً للضربة الثلاثية في سورية» أن التحرك العسكري سيشمل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا حصراً، رغم تأييد دول غربية أخرى له
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار