لا يمكن وضع اللقاء الذي حصل أول من أمس بين النائب وليد جنبلاط والقائم بأعمال سفارة المملكة العربية السعودية وليد البخاري، خارج تداعيات المسار الإنحداري للثقة بين الرئيس سعد الحريري ورئيس اللقاء الديمقراطي.
إعلان الرئيس الحريري من بيت الوسط منذ أسبوعين أنّ تحالفه مع جنبلاط ثابت في كلّ المناطق، ووفقاً للمصالح في باقي الدوائر مع الآخرين، لم تثبت الوقائع صدقيّته. إصرار تيار المستقبل على إغفال وجود ممثّل عن كلّ من ساحل الشوف ومدينة برجا داخل لائحة الشوف - عاليه، واستبعاد النائب أنطوان سعد من لائحة البقاع الغربي - راشيا لا يمكن قراءتهما إلا من قَبيل افتعال نقاط ضعف وتقديم فرص مجانيّة تسمح للوائح المقابلة بالاختراق.
النائب وائل أبو فاعور، في حفل إعلان لائحة المستقبل في دائرة البقاع الغربي - راشيا، قفز فوق حضور الرئيس الحريري وخاطب باسم جنبلاط الجمهور المشارك، بما يختزنه من معاناة قد لا تكون الوصاية السورية سوى أحد فصولها. أبو فاعور الذي ذكّر بمسيرة السيادة والاستقلال وبأبناء التبعيّة الذين يريدون عودة الوصاية من الباب، خاطب الرئيس الحريري وحلفاءه معتبراً أنّ اقصاء النائب انطون سعد هو جزءٌ من محاولات تطويق وحصار جنبلاط التي أثبتت التجارب القاسية استحالتها.
أبو فاعور عاد ليؤكّد من منزل النائب سعد أنّ «هناك من بعقله المريض يريد أن يحاصر جنبلاط في الترشيحات كما في الإنتخابات... وهناك من يريد أن ينتقم من وليد جنبلاط بأكثر من شكل، عبر محاولة تصفية الحسابات بالمواقع النيابية والترشيحات، ملمّحاً إلى عدم جدوى محاولات إعادة بعث الثنائيات وإلى أنّ هناك أزمة ثقة مع الرئيس الحريري تحتاج إلى نقاش».
العتب الجنبلاطي نابع من التنكّر للدور الكبير الذي لعبه لصالح الحريري، في إحباط الميل السعودي لتغيير قواعد اللعبة في لبنان منذ ما قبل إعلان الاستقالة من الرياض. جنبلاط الذي لم يستجب للدعوة لزيارة الرّياض التي حملها وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، لإدراكه انعكاسها على المعادلة الداخلية التي نشأت مع تسويّة رئاسة الجمهورية، وتحمّل انعكاساتها على علاقتة بالمملكة. كما رفض حضور عشاء أقامه القائم بالأعمال السعودي في بيروت وليد البخاري، كونه يحمل اتّجاهاً تصعيديّاً واضحاً ضد عهد عون وحزب الله، ورتّب مع برّي والحريري لقاءً في منزله في كليمنصو، واتّفق الثلاثي على الاستمرار بحماية موقف الحريري. كما انسحب جنبلاط من اللقاء مع موفد بهاء الحريري صافي كالو، الذي كان يعد لانتقال رئاسة الحكومة الى بهاء الحريري، وعبّر جنبلاط حينها عن موقفه بتغريدته الشهيرة: «مهما كانت الصعوبات، فإنّ التضحية من أجل الحدّ الأدنى من الوفاق والحوار يجب أن تكون الأساس من أجل لبنان. أما حياة المرء فمرهونة بالأقدار».
مرارة جنبلاط يشاركه بها عدد كبير من النواب، ارتفعت وتيرة احتجاجاتهم وضاقوا ذرعاً بالإنتهاكات المتكررة لاتفاق الطائف التي أضعفت موقع رئاسة الحكومة، كرمى لعيون الحلفاء الجدد، وليس آخرها ما عبّر عنه الوزير مروان حمادة وعدد من نواب حزب الله في جلسة الموازنة والمتعلّقة بوقف التعيينات في مرافق حيوية.
العتب والإحباط وعدم الثقة التي تولدّت لدى جنبلاط، وربما البحث عن بدائل قد تكون هي العناوين التي أراد جنبلاط إيصالها الى المملكة، بعد إتساع الهوّة بينه والرئيس الحريري، وبعد وصول الأمور الى مفترق طرق دقيق وبما يضمن الحفاظ على علاقته البعيدة المدى والتاريخية بها.