22-09-2025
مقالات مختارة
|
اينوما
انطوان العويط
كاتب لبناني
أنطوان العويط
ها أنا، على ضفافِ العمر، أودّعُ السنبلةَ قامتَكِ، بفرحٍ عظيمٍ وفي موكبٍ من نورٍ، مترنّحًا كغصنٍ أمامَ ريحٍ خفيّة، وقد اجتاحني ارتجافُ المؤمنِ أمامَ معجزةِ الحياة. وها أنتِ تطلّين من بين حروف شمسٍ تنسابُ إلى أسرارها العاشقةِ في البحارِ البعيدة، كأيقونةٍ انفلتت من جدارِ كنيسةٍ، كنجمةٍ تشقُّ مسارحَ الغيمِ لتضيءَ بيتًا جديدًا. كان صعبًا عسيرًا شاقًا عليَّ يا يارا، أن أضعَ يدكِ في يدِ الأمير سيريل، وأنا الذي عَلّمتُ أصابعكِ أن تخطّ لغةَ الطمأنينة على كفوفِ الأيام، وأخفيتُ رعشاتكِ في عتمةِ الليالي، وأعدتُ إليكِ الفجر كلّما أطفأتِ السماءَ شهبًا. لكن ها أنتِ الآن، تذهبين إلى وهجٍ آخر، إلى الذي صرتُ أنا له أخًا وصديقًا، وسيغدو لكِ رفيقًا يحرس قلبكِ، ويزرع على خطاكِ مواسم الأمان. فخذها إليكَ أيها العريس، شُعاعًا لا يخبو، وأمانةً لا تُقدَّر. خذها كما تُؤخذ الينابيع، عذبةً طيّبةً، واحملها كما تُحمَل الأمانة على راحات القلب. ليكن هيامك مرآةً لصفائها، وحصنًا لأحلامها، واجعل حنانك وطنًا لخطواتها، والتئامَ حبٍّ لا ينتهي. وإذ تبسط الألحانُ جناحيْها فوق المكان، يصبحُ النغمُ جسدًا واحدًا، يرقصُ كالنهر حين يعانق البحر، ويبكي كالنهر حين يضلّ مجراه، فينساب الإيقاع في الهواء بين الضوء والظلّ، بين الحضور والغياب. أهي فرحةٌ تُدحرج القمر بين راحتيكِ، يا عروسَ الحلم، أم وجعٌ يوقظ فيّ معنى الفقد الجميل؟ تلتقطُ الوالدةُ اللحظةَ كزهرةٍ نادرةٍ في بزوغٍ خافت، تشيحُ بغصّةٍ عميقةٍ ذلك المسارَ الطويلَ من الصور المستعادة، وتهتفُ: امضي بالسعادةِ يا يارا، يا أميرتنا، واحملي معكِ سرَّ الدفءِ الذي زرعناه في قلبكِ، كنبضٍ من نورٍ يرافقكِ في كلّ درب، و نسيمٌ وديع يواسي خطواتكِ في الحياة. إيّاكِ أن تكشفي كيف خبّأنا في ابتسامتنا دموعًا تتثاءب في المآقي، وعندما فارقت يدُكِ يدَ والدكِ وأنتِ تراقصينه، لا تفصحي عن خوفِ مَن يفلت آخر خيطٍ يربطه بالدهشة الأولى، في رقصةِ وداعٍ لظلّه الأخير، وتسليمِ ذاكرةِ عمرٍ كاملٍ في سبيل ولادةٍ ثانيةٍ لعمركِ الآتي. انطلقي، وارسمي من خطْوكِ نهجًا للضياءِ، ودعينا أنا وهو نتفيّأ ظلالكِ الراقصة، لنُدَوِّنَ في سكوننا صلاةً لا يتلوها سوانا. لقد باتت القصيدة مكتملةً، لا تحتاج إلى شاعرها. أمّا أنا، والدك، فسأظلُّ على العتبة، أحرسُ أطياف براعم عمركِ، وأكتبكِ في الليل ملحمةً خالدةً لا يعرفها أحد… إلا الله.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار