16-04-2024
صحف
|
الجمهورية
الجوّ العام مشحون باحتمالات لا حدود لها، يصعب معها تقدير أيّ صورة سيرسو عليها مشهد المنطقة، والاتجاه الذي ستسلكه بعد الهجوم الإيراني على إسرائيل. وما يسمّك من كثافة الغمامة الحاجبة للرؤية، سيل التكهنات والقراءات المتناقضة لهذا الحدث، التي تتضارب بين من قال بأنّ ما جرى قد نقل المنطقة من الغليان على حافة الهاوية، الى الفوران في قعرها، وقائل بأنّ الهجوم الإيراني على إسرائيل قد يسرّع في ربط خيوط تسوية تبرّد أو توقف الحرب الدائرة منذ تشرين الأول الماضي.
وبمعزل عن الترويج الايراني لنجاح الهجوم، التبخيس الاسرائيلي به والتقليل من شأنه والقول بفشله بالتزامن مع فرض الرقابة العسكرية الاسرائيلية تعتيماً كاملاً على ما حصل، فإنّ الثابت الوحيد في هذا المشهد المشحون، هو أنّ اللغة الحربيّة هي الطاغية على امتداد المنطقة، وكل العالم مستنفر رصداً للميدان وما قد يشهده من تطوّرات وتداعيات، في موازاة التوعدات والتهديدات المتبادلة بين إيران واسرائيل على نحو يوحي بأنّ الأمور على وشك الانهيار نحو مواجهة اوسع وأشمل، فيما انضبطت واشنطن على خط المساعي وتشجيع الوساطات لاحتواء التصعيد وصياغة الضوابط المانعة انجرار المنطقة الى حرب واسعة تخرج عن السيطرة.
مما لا شك فيه، أنّ الضربة الإيرانية شكّلت حدّاً فاصلاً بين مرحلة شهدت حرباً غير مباشرة بين إيران وإسرائيل على مدى 40 عاماً، ومرحلة جديدة مختلفة عمّا قبلها، باتت فيها الحرب بين طهران وتل ابيب، «من دون قفازات»، وفق توصيف صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية، و»خرجت فيها المواجهات بينهما من الظل ومن خلال الوكلاء إلى العلن بشكل صريح ومباشر. وإنّ الردّ (الإسرائيلي على الهجوم الإيراني)، يمكن أن يقود إلى تصعيد كبير في المنطقة». على ما اورد موقع «بوليتيكو» الأميركي.
ترقب وقلق: وإذا كانت المستويات السياسية والإعلامية الدوليّة على اختلافها، تواكب تطوّرات الميدان الإيراني - الإسرائيلي لحظة بلحظة، وتركّز على احتمالات الردّ الإسرائيلي على الضربة الإيرانية، وخصوصاً انّ المستويات الإسرائيلية السياسية والعسكرية تتحدث عن ردّ حتمي على إيران، وهو الأمر الذي يعزز الخشية من تدحرج الامور إلى ردّ، ثم إلى ردّ على الردّ، وهكذا دواليك في مسار تصاعدي نحو السقوط في ما هو أدهى، فإنّ لبنان بكلّ مستوياته، يراقب هذا المشهد بحذر شديد، وقلق بالغ من أن يتشظّى بشراراتها ويُجرّ إلى آتون حرب لا يريدها، بل لا يحتملها.
حول هذا الامر، لا يلغي مرجع سياسي من حسبانه احتمال أن تلجأ إسرائيل إلى التصعيد، وقال لـ»الجمهورية»: «عنصرا القلق والاطمئنان متساويان بالنسبة لي، فبالنسبة الى تقييم الضربة الإيرانية، فلا شك أنّها فرضت قواعد اشتباك جديدة بين إيران وإسرائيل، التي على لسان مستوياتها السياسية والعسكرية فوجئت بحجمها. ما يعني انّ على اسرائيل أن تعدّ للعشرة وتأخذ العبرة قبل أي عمل عدائي ضدّ طهران. ويبدو أنّ واشنطن كانت اول من قرأ نتائج الضربة الإيرانية، ولذلك سارعت الى احتواء نتائجها وثني اسرائيل عن أي محاولة لمفاقمة التصعيد».
ولكن في مقابل ذلك، يضيف المرجع عينه: «لا يُؤمّن لإسرائيل وكل شيء متوقع منها، فهي تسعى الى الحرب الواسعة، واستهداف القنصلية الإيرانية في دمشق، كان الشرارة التي جرّت ايران الى الردّ عليها بالهجوم الصاروخي والمسيّر على اسرائيل، وغبي من يعتقد أنّ إسرائيل لم تضع في احتمالاتها أنّ إيران لا يمكن أن تمرّر استهداف القنصلية. وبناءً على ذلك، يجب ألّا نُخرج من حسباننا إقدام إسرائيل على عمل جنوني».
ومضى المرجع يقول: «انّ الأجندة الحربية لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو كشفت منذ بداية الحرب على قطاع غزة، أنّ غايته جرّ العالم إلى تغطيته في حرب واسعة لضرب محور المقاومة الذي تقوده ايران، مستفيداً من الاحتضان الدولي لإسرائيل بعد عملية «حماس» في 7 تشرين. وكما هو معلوم فإنّ غايته هذه أحبطتها الولايات المتحدة الأميركية بفرضها على إسرائيل إبقاء دائرة الصراع محصورة في نطاق غزة. وواشنطن كما باريس مارستا ضغوطاً كبيرة على اسرائيل لمنعها من توسيع الحرب في اتجاه لبنان. إلّا انّ ما يُخشى منه اليوم هو أن يعيد نتنياهو الكرّة ويستغل الدعم والاحتضان المباشر الذي تلقّته اسرائيل من حلفائها بعد الضربة الإيرانية، ويحاول إشعال فتيل حرب واسعة في المنطقة، تمتد من ايران الى لبنان».
احتمالات الحرب ضعيفة: على انّ اللافت للانتباه في هذا السياق، تقاطع القراءات الديبلوماسية عند «ضعف احتمالات الحرب والمواجهات الواسعة، وتبرز هنا قراءة مصدر ديبلوماسي رفيع في باريس لما حصل، حيث قال بداية لـ«الجمهورية»: «انّ ايران بهجومها على إسرائيل لم تخاطر بأمن المنطقة فحسب بل بالامن والسلم العالمي»، ليضيف أنّه « في موازاة هذا العمل العسكري الإيراني المدان على إسرائيل، فإنّ الجهود الديبلوماسية الاميركية والفرنسية تتحرك بشكل مكثف لكسر احتمالات حرب لا مصلحة لأي طرف فيها، وللانعطاف نحو تسوية سياسية عاجلة للصراع القائم».
وفي موازاة ذلك، أبلغ ديبلوماسي عربي إلى «الجمهورية» قوله، انّه لا يرجّح تصاعد الامور الى حدود دراماتيكية، «لا اعرف كيف سيكون عليه ردّ فعل اسرائيل على الضربة الإيرانية، ولكن اعتقد أنّ كل الاطراف المعنية بهذا الصراع، قرأت هذا الحدث بتمعن شديد، وخصوصاً انّ الردّ الايراني كان مدروساً ومضبوطاً، انما لم يكن متوقعاً بهذا القدر والحجم. والأهم من كل ذلك، هو انّه لولا شراكة الولايات المتحدة وبعض الدول الحليفة لها في التصدّي للمسيّرات والصواريخ الإيرانية قبل وصولها الى أهدافها في اسرائيل، لكان الأمر كارثياً».
وقال المصدر رداً على سؤال: «أعتقد أنّ فسحة كبيرة أُعطيت للجهود الديبلوماسية لمنع الكارثة. والموقف الاميركي شديد الوضوح ولا يحتمل أي اجتهادات، فواشنطن تبدو جادة جداً في منع تفاقم التصعيد، حيث انّها من اللحظة الاولى مارست ضغوطاً هائلة على اسرائيل وضبطت الامور تحت السقف الاميركي الذي لا يريد الحرب، والرئيس الاميركي جو بايدن أعاد بالأمس تأكيد التزام واشنطن وعزمها على تجنّب تمدّد النزاع في الشرق الاوسط. واعتقد أنّ الامور ستسير في هذا الاتجاه».
حراك «الخماسية»: رئاسياً، تعود عجلة «الخماسية» إلى الانطلاق مجدداً في الساعات المقبلة، بعد عطلة فرضها عيدا الفصح والفطر، حيث من المقرر أن يعقد سفراء دول الخماسية اليوم الثلثاء اجتماعاً تنسيقياً في دارة السفير المصري علاء موسى، ليستأنفوا بعد ذلك حراكهم، اعتباراً من يوم غد الاربعاء بزيارة رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية. على أن تلي ذلك زيارات مماثلة لبعض الكتل النيابية، ولاسيما «كتلة الوفاء للمقاومة».
وعشية اجتماع السفراء، كانت لافتة زيارة السفيرة الاميركية ليز جونسون الى عين التينة، ولقاؤها رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتمحورت الزيارة حول الملف الرئاسي، وتطورات الاوضاع في الجنوب، وما استُجد على مستوى المواجهة بين اسرائيل وايران.
وفيما تجنّب معنيون بحراك الخماسية الحديث عن إيجابيات متوقعة من الحراك المتجدّد، وخصوصاً انّ الأفق السياسي ما زال على حاله من الاقفال، والاطراف السياسية تجتر انقساماتها وتبايناتها، وتستحضر عوامل اضافية تساهم أكثر فأكثر في انسداد الأفق وإحباط الانفراجات، قال مسؤول كبير لـ»الجمهورية»: «لا جديد حتى الآن، وقد أُبلِغنا بأنّ سفراء الخماسية سيستأنفون تحرّكهم من النقطة التي انتهوا إليها قبل الأعياد، أي القيام بجولات استطلاعية لمواقف الكتل النيابية والأطراف السياسية، علماً أن هذه المواقف باتت شديدة الوضوح».
ورداً على سؤال عمّا اذا كان بصيص أمل من هذا الحراك ام انّه يدور في الحلقة المفرغة، قال: «لا نستطيع ان نقول انّ حراك السفراء يدور في الحلقة المفرغة، هم قالوا انّ مهمّتهم مقتصرة على السعي الى تقريب وجهات النظر بين الأطراف، ما يعني انّ مهمّتهم محدّدة، والكرة في ملعب اللبنانيين، ونأمل بالتالي أن يتمكنوا من تحقيق خرق، ينجحون من خلاله في اقناع الاطراف في الجلوس على طاولة الحوار للتفاهم على رئيس للجمهورية، او على خيارات رئاسية، ننزل بعدها الى مجلس النواب وننتخب الرئيس، ولكن مع الاسف، الجو الداخلي لا يشجّع على التفاؤل».
في هذه الأجواء، أبلغ أحد سفراء دول «الخماسية» الى «الجمهورية» قوله، انّه «يأمل أن يلقى الحراك المتجدد للسفراء التجاوب المأمول من قبل الاطراف اللبنانيين».
واشار الى «أنّ المسعى الذي نقوم به سيستمر، ونحن على التزامنا بتقديم كل مساعدة ممكنة لإنهاء ما يحقق مصلحة لبنان واللبنانيين». وقال: «المخاطر تتزايد في المنطقة، وما استُجد في الآونة الأخيرة (في اشارة الى تصاعد التوتر بين ايران واسرائيل)، نرى ضرورة قصوى في أن يشكّل حافزاً اضافياً للبنانيين لتدارك هذه المخاطر، بطيّ أزمتهم الداخلية والتشارك في ايجاد الحل اللازم، في ظرف مفتوحة فيه كل الاحتمالات الدراماتيكية. وهذا الأمر يشكّل النقطة الأساس التي سيركّز عليها السفراء مع كل الاطراف لبلورة مخرج توافقي سريع للملف الرئاسي».
ورداً على سؤال قال: «اللبنانيون أمام فرصة للتسريع في الحل، والظروف في المنطقة صعبة جداً، وفي إمكان اللبنانيين أن يتجاوزوها بالتوافق في ما بينهم على رئيس للجمهورية. وكما سبق وقلت، المخاطر تتراكم، وعلى اللبنانيين أن يسبقوا أي متغيّرات قد تحصل، يصبح معها الملف اللبناني في أدنى سلّم الاهتمامات والمتابعات».
أبرز الأخبار