16-03-2024
عالميات
|
سكاي نيوز
يرى الكثيرون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسير في خطى ثابتة للفوز بفترة رئاسية خامسة للبقاء على رأس السلطة في روسيا، وذلك في الانتخابات التي بدأت في 15 مارس 2024، مما يمدد حكمه الذي دام ربع قرن، ويبقيه في السلطة حتى عام 2030 على الأقل.
بحسب تقرير نشرته وكالة بلومبرغ، فالرئيس بوتين هو بالفعل زعيم الكرملين الأطول خدمة في روسيا، منذ عهد الرئيس السوفيتي جوزيف ستالين، الذي عُرِف بالرجل الحديدي.
التقرير أشار إلى أن بوتين لا يواجه منافسة جدية في الانتخابات التي يسيطر عليها الكرملين بشدة، حيث تأتي الانتخابات الحالية بمثابة تمديد لحكمه، وفق بلومبرغ، مع عدم ظهور أي علامة تدل على قرب انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ عامين، والتي لم تمنع الاقتصاد الروسي من الازدهار رغم العقوبات الدولية غير المسبوقة التي تم فرضها على البلاد.
وذكرت الوكالة أن بوتين أصر مراراً وتكراراً خلال فترة رئاسته على أنه لن يغير الدستور من أجل الاحتفاظ بالسلطة، ولكنه فعل ذلك بالضبط في عام 2020، عندما قام بإعادة صياغة القانون لضبط "الساعة الرئاسية" والسماح لنفسه بالترشح لفترتين أخريين، ما من شأنه أن يتيح له الاستمرار بالحكم حتى عام 2036، عندما يبلغ من العمر 83 عاماً.
وفي نهاية فترة ولايته الثانية في عام 2008، تنحى بوتين وقام بتعيين ديمتري ميدفيديف رئيساً للبلاد، بينما استمر في إدارة البلاد كرئيس للوزراء، ولكن بعد تعديل قانون الترشح للانتخابات الرئاسية، لم يعد بحاجة للقيام بمثل هذا الإجراء.
من ينافس بوتين؟
لا يوجد في الانتخابات الرئاسية الحالية سوى ثلاثة منافسين لبوتين، وجميع هؤلاء خاضعون بشكل أو بآخر لسيطرة الكرملين، بحسب بلومبرغ، والتي أضافت أن المرشحين يمثلون الأحزاب الموالية في مجلس الدوما بالبرلمان، ومنهم ليونيد سلوتسكي، الذي يرأس الحزب الديمقراطي الليبرالي الروسي القومي المتطرف، فيما ترشح عن الشيوعيين العضو في البرلمان الروسي نيكولاي خاريتونوف، الذي يبلغ من العمر 75 عاماً، والذي يعدّ سياسياً مخضرماً، في حين يعد المرشح الثالث فلاديسلاف دافانكوف ممثلاً لحزب الشعب الجديد، وهو حزب تم إنشاؤه عام 2020.
ويكشف تقرير بلومبرغ أن استطلاعات الرأي في روسيا، تظهر أن أياً من منافسي بوتين، لن يحظى بأكثر من 5 بالمئة من الدعم، حيث يدعم حزب روسيا المتحدة الحاكم، ترشيح الرئيس بوتين، رغم أن الأخير يخوض الانتخابات كمرشح مستقل، كما فعل في عام 2018.
ما هي أهمية الانتخابات؟
يجادل بعض الموالين الأكثر حماسة لبوتين، بأنه ليست هناك حاجة لإجراء انتخابات، وأنه يجب عليه ببساطة أن يحكم مدى الحياة، وذلك رغم أن الدستور ينص على ضرورة إجراء تصويت.
ولكن الكرملين ينظر إلى العملية الانتخابية باعتبارها عنصراً يمنح الشرعية لبوتين، وخاصة في علاقاته مع الزعماء الأجانب، حيث يفضل هندسة نصر "حاسم" يقدمه كاستفتاء على شعبيته في الداخل.
وفي حين يتجنب بوتين حتى الآن هوامش الربح التي تزيد عن 90 بالمئة، والتي يمنحها بعض الرؤساء لأنفسهم في الانتخابات، يقول النقاد إن الكثير من الأصوات التي تصب لصالحه، يتم الحصول عليها من خلال الضغط على موظفي الدولة، ولكن في المقابل هناك العديد من المواطنين الروس، الذين يخشون الاضطرابات السياسية، ويقولون إنه لا يوجد أي مرشح فعلي يمكن التصويت لصالحه سوى بوتين.
هل حاول أي شخص آخر تحدي بوتين؟
نعم، العديد منهم، وأبرزهم بوريس ناديجدين من حزب المبادرة المدنية، الذي أعلن أنه يترشح لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، واصفاً هذه الحرب بالـ"خطأ الفادح"، بحسب بلومبرغ.
وكان على المرشحين من الأحزاب غير البرلمانية جمع ما لا يقل عن 100 ألف توقيع، ليتمكنوا من الترشح للانتخابات الرئاسية، حيث اصطف الروس في درجات حرارة متجمدة، للتوقيع على الالتماسات التي تدعم ترشيح ناديجدين، ولكن لجنة الانتخابات المركزية الروسية رفضت طلب ترشحه، قائلة إنه لم يتم التحقق من عدد كبير جداً من التوقيعات التي حصل عليها.
ورغم أن الكرملين بدا مستعداً للسماح لـ ناديجدين بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية كمرشح، ولكن في النهاية تبين أن الكرملين لم يكن فعلاً كذلك، فهو غير مستعد للمخاطرة بإجراء تصويت، تظهر نتائجه على أنه تصويت احتجاجي ضد سياسية بوتين.
ولم تقم روسيا أيضاً بدعوة مراقبين دوليين، من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا لمراقبة الانتخابات الرئاسية الحالية. وفي يناير/كانون الثاني 2024، قالت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، إنه من المؤسف للغاية أن التراجع الديمقراطي في روسيا، وصل إلى هذه النقطة الحرجة، بحيث لا يمكننا أن نكون على الأرض لمراقبة انتخابات هذا العام.
هل الحرب في أوكرانيا هي القضية الرئيسية في الحملة الانتخابية؟
بحسب تقرير بلومبرغ، فالإجابة على هذا السؤال هي نعم و لا في نفس الوقت، فالكرملين عازم على اعتبار إعادة انتخاب بوتين، دليلاً على أن الروس يدعمون الحرب بشكل كامل، وأنهم متحدون وراء مواجهته مع الولايات المتحدة وحلفائها في منظمة حلف شمال الأطلسي، وأنه ليس هناك مجال لانتقاد التكلفة الهائلة، التي خلّفتها الحرب في الأرواح والدمار.
وفي الوقت نفسه، يقلل المسؤولون من تأثير العقوبات الدولية، ويسعون إلى رسم صورة للحياة التي تتحسن باستمرار في عهد بوتين، فالواقع يُظهر أنه بعد مرور عامين على الحرب في أوكرانيا، أصبح لدى كثيرين في روسيا، العديد من الأسباب التي تجعلهم يشعرون بأن اقتصاد الحرب يعمل لصالحهم، إذ سجّلت الأجور هناك ارتفاعاً، وخاصة بالنسبة للعمال من ذوي الأجور المنخفضة، الذين ارتفعت أجورهم بمعدل سنوي بلغ 20 بالمئة.
ويدعم هذه المكاسب نقص العمالة والجرعة الكبيرة من المساعدة الحكومية، مع دعم الروبل من خلال ضوابط رأس المال، وحرق الحكومة لاحتياطياتها لدعم الإنفاق الدفاعي والشركات، بحسب تقرير بلومبرغ.
كما أثار بوتين الحنين إلى الماضي، لتقديم نفسه على أنه يدافع عن القيم المحافظة والأرثوذكسية التقليدية في روسيا ضد الغرب "الليبرالي" الذي يسعى لتدميرها.
ماذا يمكن أن نتوقع من الانتخابات؟
حصل بوتين على نسبة قياسية بلغت 77 بالمئة من الأصوات الوطنية في عام 2018، وأي شيء أقل من ذلك هذه المرة، قد يُنظر إليه على أنه ازدراء انتخابي للرئيس الروسي في زمن الحرب.
ومع كون النتيجة محسومة، وافتقار الحملة إلى الديناميكية، فإن أكبر مخاوف الكرملين هو وصول نسبة الإقبال على الاقتراع، إلى ما يقل عن 67.5 بالمئة، وفق تقرير بلومبرغ، وهي النسبة التي تم تحقيقها في المرة الأخيرة.
ورغم أن وفاة أبرز زعماء المعارضة في روسيا أليكسي نافالني، في أحد سجون القطب الشمالي عشية الحملة الانتخابية، أثارت توترات جديدة مع الغرب، إلا أنه من غير المرجح أن تؤثر هذه المأساة على نتيجة الانتخابات، حيث من المتوقع أن يستمر بوتين في مواجهة تحديات سياسية وعسكرية عميقة، في فترة ولايته الجديدة، إنطلاقاً من أوكرانيا وصولاً إلى تراجع العلاقات مع الولايات المتحدة وحلفائها إلى أدنى مستوياتها بعد الحرب الباردة.
كما أنه من المرجح أن يستمر بوتين خلال فترة حكمه الجديدة، باللعب على التناقضات داخل الاتحاد الأوروبي، لإضعاف الدعم لأوكرانيا، ليتجه أكثر نحو الصين والجنوب العالمي بهدف تعزيز الاقتصاد الروسي.
وإضافة إلى ذلك سيتابع بوتين أيضاً عن كثب، الانتخابات الرئاسية الأميركية وسط تزايد معارضة الجمهوريين للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، وتهديد المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالتخلي عن حماية دول حلف الناتو "الذين لا يفون بالتزامات الإنفاق على الدفاع"، بحسب تعبير الأخير.
أطول فترة حكم في روسيا منذ ستالين
قال الباحث في التاريخ الروسي، زياد منصور، في حديث لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إن روسيا وخلال عهد الرئيس بوتين، خاصة خلال العامين الأخيرين، شهدت عودة نشطة إلى فكر ستالين، وفي الوقت نفسه، تم إعطاء دور كبير للكنيسة الروسية وللإفتاء، في كل من جمهوريتي الشيشان وداغستان، ما أحدث نوعاً من الشراكة السياسية والدينية.
وأشار إلى أن بوتين بات لا يفوّت أي مناسبة دينية سواء كانت مسيحية أو إسلامية، فمن خلال هذه السياسية يحاول بوتين إشراك الجميع في العملية السياسية والاقتصادية، بجانب عملية التغيير التي تحدث على مستوى المجتمع والتي تهدف إلى استقطاب فئات اجتماعية كبيرة.
"هذا الأمر يتجاوز الفكر الستاليني أو الفكر الاشتراكي الذي كان يعتمد على سياسة الحزب الواحد، وبالتالي فإن جميع هذه العناصر لعبت دوراً في منع المعارضة السياسية لبوتين من أن تتحول إلى معارضة حقيقية، فحتى قضية وفاة المعارض أليكسي نافالني، لم تفلح باستثارة الرأي العام الروسي".
وقال منصور إن سياسة الرئيس بوتين تعمل أيضاً على تعزيز أيديولوجية الحفاظ على المخزون التاريخي للشعب الروسي "فيجب أن لا ننسى على الإطلاق أن مختلف استطلاعات الرأي التي جرت خلال العقدين الماضيين أظهرت أن زعيم الثورة الروسية فلاديمير لينين كان يحل في المرتبة الأولى في وعي وأذهان الشعب الروسي، وبالتالي قام بوتين بالعديد من الخطوات التي تحافظ على الإرث التاريخي للشعب الروسي"، بحسب تعبيره.
أما على مستوى الخطط الاجتماعية، وضح منصور أن هناك شعاراً طرحه بوتين، يقضي بالعمل على تأمين حياة طويلة ونشيطة للمواطنين الروس، بهدف زيادة متوسط العمر المتوقع في البلاد، ورفعه من 73 عاماً إلى 78 عاماً، كما ساهمت سياسة بوتين المعتمدة في تسهيل الحصول على الجنسية الروسية، من أجل مواجهة الفجوة الديموغرافية الهائلة بين الإناث والذكور، إضافة إلى تشجيع الشباب الروسي على ممارسة الأعمال الحرة، ودراسة اللغات الأجنبية وخاصة اللغة الانجليزية، لافتاً إلى أن سياسية بوتين دعمت القطاع التربوي في البلاد، وأقرت تخفيضات ضريبية على العائلات التي تنجب أطفالاً، كما زادت تعويضات الأمومة.
الخطة الاقتصادية
ويكشف الباحث في التاريخ الروسي في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن بوتين لديه برنامجاً واضحاً لمواجهة الفقر، من خلال خفض نسبة الفقراء في البلاد، إلى أقل من 7 بالمئة، وهو يعتبر هذا البرنامج من أولويات الخطط التي تم يجب تنفيذها بحلول العام 2030.
كما تهدف الخطة الاقتصادية إلى رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 40 بالمئة حتى عام 2030 أيضاً، إضافة إلى شطب ديون الأقاليم ودعم ميزانياتها، وتجهيز بنيتها التحتية، ما يساهم في دعم السيادة وحماية الاقتصاد الروسي.
وبحسب منصور، فإن الرئيس بوتين تجاوز من الناحية العملية مسألة العقوبات التي تم فرضها على بلاده بسبب الحرب الروسية الأوكرانية من خلال سلسلة من الاجراءات، منها تخفيض الضرائب على قسم من السكان ورفعها على الأغنياء، كما ألغى كل سياسية بوريس يلتسن السابقة، الذي حولت روسيا نحو اتجاه اقتصاد السوق، فعملياً ما قام به بوتين في الآونة الأخيرة هو إلغاء النموذج اللبيرالي للاقتصاد مع المحافظة على بعض من الدور للقطاع الخاص، بالشراكة مع مؤسسات الدولة.
وأيضاً سعى الرئيس بوتين إلى تكريس ما يسمى بسياسة التحالفات مع الدول القوية، وقام بتخفيض أسعار المواد الرئيسية التي تشكل الثروة الطبيعية في روسيا، والمقصود هنا المواد الأولية مثل النفط والغاز، حيث قام ببيع هذه المواد بأسعار رخيصة الى العديد من الدول.
هذا ويكشف الباحث في التاريخ الروسي أن بوتين سعى لتخفيض مستوى البطالة، وتطوير البنية التحتية على مستوى النقل والطرق والمدارس والجامعات ومراكز الأبحاث، ونشّط التعاون العسكري والفضائي وطوّر صناعة الأسلحة المحلية، وهذا ما جعل الاقتصاد الروسي يتمتع ببنية قوية، كاشفاً أن الرئيس بوتين نسج علاقات قوية لروسيا مع الصين والهند ودول الخليج العربي، وعزز من دعمه للقطاع التكنولوجي في البلاد، وأيضاً دعم قطاع الطب والأدوية، ومعالجة الأوبئة والأمراض مثل مرض السرطان.
وكان وزير التنمية الاقتصادية الروسي، مكسيم ريشيتنيكوف، قد كشف في حديث سابق لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن بلاده واجهت عقوبات وضغوطات غير مسبوقة، إلا أنها تمكنت من التكيف مع الصدمات الخارجية، من خلال الإدارة الرشيدة، وتطوير المهام وإعادة إطلاق الكثير من المشاريع الاستثمارية.
وأشار إلى أن روسيا أنشأت قدرات اقتصادية كبيرة خلال العقدين الماضيين، وهي خلال تلك الفترة، تمكنت من اعتماد آليات السوق، ما أحدث تغيراً فعلياً جعل من الاقتصاد الروسي اقتصاداً متنوعاً، حيث ازداد عمل الشركات الوطنية، وتراكمت رؤوس الأموال.
وأوضح ريشيتنيكوف أن الاقتصاد الروسي نما بنسبة 3.6 بالمئة، وهو معدل رائع بالنسبة لمتوسط نمو الاقتصاد العالمي، أي أعلى بمرتين من نسبة النمو في الدول المتطورة، بحسب تعبيره، لافتاً إلى أن هذا النمو حدث بفضل الأسواق الداخلية، إلى جانب النمو المتسارع في قطاع الصناعات التحويلية.
ولفت ريشيتنيكوف إلى أن روسيا وبعد تعرضها لعقوبات، بدأت بإعادة توجيه بضائعها إلى أسواق مختلفة، مثل الصين التي ازداد حجم التبادلات التجارية معها بشكل كبير، في حين أن حجم التبادلات التجارية، سجل أرقاماً قياسية، مع دول مثل، الهند وتركيا وإيران ودول في أميركا اللاتينية بما فيها البرازيل، ودول جنوب شرق آسيا وأيضا الدول العربية.
أخبار ذات صلة
عالميات
هل خذل بوتين بشار الأسد؟
أبرز الأخبار