06-02-2024
صحف
على المستوى الرئاسي، لا شيء في الأفق؛ الحراك الأخير الذي بدأته اللجنة الخماسيّة، عُلّق، الى أجل غير مسمّى، على وعد أن يُستأنف بعد اجتماع اللجنة على مستوى رفيع في باريس او الرياض، للتأسيس للجولة الثانية من هذا الحراك الذي يُفترض ان يقوده موفد اللجنة جان إيف لودريان في بيروت، لكسر حلقة الاستعصاء الرئاسي. الاّ انّ معلومات موثوقة لـ»الجمهورية» من مواكبين لحراك «الخماسية»، تؤكّد أنّ «سفراء دولها في لبنان جزموا بانعقاد الاجتماع في باريس او الرياض، ولكن هذا الامر لا يزال في الإطار الكلامي، بل انّه منذ حراك السفراء الأخير، لم تصل الى بيروت ايّ إشارة حاسمة من أيّ من دول «الخماسية» تؤكّد حصول هذا الاجتماع، او ما تردّد عن زيارة قريبة للودريان».
وإذا كان سفراء «الخماسية» قد عكسوا في لقاءاتهم حماسة اللجنة في تزخيم حراكها المساعد للبنانيين على إتمام استحقاقهم الرئاسي، وفق ترشيحات رئاسية مفتوحة يتوافقون عليها في ما بينهم، ولا تتبنّى فيها اللجنة أيّ مرشح، أو تضع «فيتو» على ايّ مرشّح، الّا انّ الأوساط السياسية على اختلافها لا تقارب الحراك المتجدّد لـ»الخماسية»، بحرارة المنتظر حصول اختراقات، بل ببرود وتشكيك في أن تتمكّن اللجنة من صناعة الحلّ الرئاسي المنشود».
وإلى ذلك، يؤكّد مطّلعون على خلفيات حراك «الخماسية» لـ«الجمهورية»، انّ الجديد الوحيد الذي تحمله اللجنة هو انّها اجتمعت هذه المرّة، كموقف واحد على عدم تبني ايّ مرشح او وضع الفيتو على اي مرشّح، واما الباقي فعلى اللبنانيين. ما يؤكّد أن ليس في جعبة اللجنة الخماسية أي شيء آخر او مبادرة فاعلة لكسر التعطيل الرئاسي، ويتأكّد ذلك في ما تحدثت عنه مساعدة وزير الخارجية الاميركية باربارا ليف امام الوفد النيابي اللبناني في واشنطن قبل أيّام قليلة، حيث قالت بصريح العبارة إنّ «الحلّ النهائي في ملف انتخابات الرئاسة في لبنان هو في يد اللبنانيين».
على انّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، هو هل هذا التوافق ممكن، وهل ثمة إمكانية لاستخراج هذا التوافق من صحراء السياسة اللبنانية المزروعة بالتناقضات والرؤى المتصادمة؟
رئيس المجلس النيابي نبيه بري أكّد أن «لا إمكانية لبلوغ حلّ رئاسي من دون تفاهم أو توافق، لا اقول إجماعاً، بل توافق الحدّ الممكن بين المكونات السياسية لانتخاب رئيس للجمهورية، على غرار التوافق الذي أفضى الى التمديد لقائد الجيش، يعني انّ في إمكاننا ان نستنسخ هذه التجربة ونسقطها على الملف الرئاسي»، وانّه على استعداد لعقد لقاء بين المكونات السياسية تحت عنوان حوار او تشاور، او اي تسمية اخرى، ولمدة محدودة اقصاها 7 ايام، يتمّ خلالها التأسيس لتوافق ينهي أزمة الفراغ الرئاسي الذي دخلت شهرها السادس عشر. ولكن في موازاة موقف بري هذا، مطالب متصلّبة من «التيار الوطني الحر»، وحزب «القوات اللبنانية»، حيث لكل منهما نظرته الخاصة للاستحقاق الرئاسي، وشروط محدّدة للتوافق، و»فيتو» على مرشحين.
على أنّ اللافت للانتباه في هذا السياق، ما بدا انّه تجاوب من قِبل التيار مع الدعوة الى الحوار، حيث قال رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في ذكرى توقيع وثيقة الاخوّة الإنسانية التي وُقّعت في الإمارات بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر الشريف احمد الطيب: «لا بدّ من تحويل الوثيقة واقعاً معاشاً في السياسات والمناهج. وهذه مسؤولية مشتركة بين القيادات السياسية والدينية»، مؤكّداً «انّ أبناء «التيار الوطني الحر، منفتحون على الحوار والتلاقي والتفاهم، مؤمنون بالحياة المشتركة ونمارسها اقتناعاً، ونتعهّد بأن ننشر هذه الوثيقة في مجتمعنا ونستلهم مبادئها في أعمالنا. وندعو اللبنانيين الى أن يعملوا بوحيها ويكونوا حرّاساً لدعوتها النبيلة».
ورداً على سؤال لـ«الجمهورية» عمّا اذا كان من الممكن الاستشراف من كلمته انفتاحاً على الحوار الذي دعا اليه الرئيس بري ايضاً، قال باسيل: «بالطبع نحن منفتحون دائماً على الحوار، الّا انّ الرئيس بري لم يرسُ حتى الساعة على شكل الحوار الذي يريده أو اي نوع من الحوار وبرنامجه وآليته!».
وفي موازاة ذلك ايضاً، يبرز موقف شخصية وسطية بارزة، التي نعت أي جهد او وساطة لحل الأزمة الرئاسية، ووصفت الواقع لـ«الجمهورية» بقولها: «الفرنسيون بادروا وفشلوا، وكذلك القطريون، والآن اللجنة الخماسية تستأنف جهودها بعد فشل سابق، وقبل كل ذلك مبادرات متعدّدة اطلقها الرئيس بري، والنتيجة لا شيء، وإمعان في مهزلة التعطيل».
وفي توصيف ساخر قالت هذه الشخصية: «المشكلة الأساس ليست في اسماء المرشحين، اياً كان هؤلاء المرشحون، بل هي في بعض الاطراف التي تدّعي الصدق السياسي فيما الحقيقة انّ ادّعاءها هذا تعلوه طبقة كثيفة من النفاق السياسي، وتوحي في الوقت نفسه انّها تخوض على حلبة الرئاسة حرباً وجودية، فيما هي تتخذ منها ستاراً لمصادرة البلد وتوليد الأسباب المانعة انتخاب رئيس الجمهورية. وذلك لسبب بسيط جداً وهو انّها تتجنّب التورط في توافق على رئيس، لأنّها مدركة أنّ انتخاب رئيس سيُفقدها صوتها ويعّريها بالكامل ويُسقطها الى حجمها الطبيعي في زاوية محدودة».
ورداً على سؤال قالت: «لا ارى اي فرصة لحصول توافق، لا مع لجنة خماسية او لجنة سداسية او سباعية، اعتقد انّ امامنا فترة طويلة من الانتظار السلبي، ورئاسة الجمهورية، في ظلّ الصدع الداخلي، انا على يقين انّها ليست في المدى المنظور، ولبنان والمنطقة تبعاً للتطورات المتلاحقة على مفترق تحوّلات مجهولة. وان كانت ستحصل الانتخابات الرئاسية، فقد تحصل نتاجاً لوضع صعب على الجميع».
واللافت في هذا السياق، سألت «الجمهورية» أحد السفراء المعنيين بحراك «الخماسية» عن الخطوة التالية للجنة، وما اذا كانت بصدد ممارسة ضغوط لحمل السياسيين في لبنان على التوافق، فأشار الى انّ الخطوة التالية ستنطلق بعد اجتماع اللجنة الخماسية العليا، من دن ان يحدّد مكان الاجتماع او زمانه، وقال: «من الأساس اكّدت اللجنة العليا انّ الحل في لبنان لا يأتي من الخارج، ونحن نعلم أن لا إمكانية لأي طرف خارجي أن يفرض رئيساً على لبنان، بل انّ هذا الحل هو مسؤولية اللبنانيين، واصدقاء لبنان دورهم مشجع في هذا الاتجاه».
اضاف: «اللجنة استفادت من الخطأ السابق الذي وقعت فيه بعض المبادرات السابقة التي اقترنت بتبنّي اسماء معيّنة لرئاسة الجمهورية، ولذلك أجمعت على عدم الدخول في الاسماء بشكل نهائي، وترك هذا الامر للبنانيين. فاللجنة وخلافاً لما يطلبه بعض السياسيين في لبنان، لن تشارك في لعبة الأسماء، بل هي عامل مساعد لهم لكي يختاروا من يرونه مناسباً لرئاسة الجمهورية. واود هنا ان اشير الى أنّ لقاء سفراء دول اللجنة مع الرئيس نبيه بري كان لقاءً مهمّاً جداً، حيث أنّ ما أكّد عليه كان مريحاً جداً ويُبنى عليه، ولاسيما لناحية تأكيده على أولويّة التوافق، والقيام بأي خطوة تؤدي الى هذا التوافق للتعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية».
ورداً على سؤال، كرّر السفير القول: «إنّ اللجنة ليست معنية بممارسة اي ضغوط على احد، بل إنّ مسؤوليتها تجاه لبنان في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ فيها لبنان والمنطقة، حملتها لإحياء فرصة امام اللبنانيين لأن يسبقوا تلك التطورات بإتمام الاستحقاق الرئاسي على وجه السرعة. وهنا اود أن اقول انّ اللجنة الخماسية في حراكها الذي سيتواصل في المدى المنظور على قاعدة التعجيل التوافقي لكسر التعطيل الرئاسي، منطلقةً في ذلك من الضرورة القصوى اللبنانيين وحاجتهم الى إنهاء ازمتهم الرئاسية وما تفرّع عنها من ازمات اخرى في شتى مفاصل الحياة اللبنانية. ومنطلقة ايضاً من خشية جدّية لديها من انّ تفويت هذه الفرصة سيفاقم هذه الأزمات ويبقي الوضع الشاذ قائماً في لبنان، اشهراً طويلة حتى لا اقول سنوات، بما قد تحمل من اعباء وسلبيات على لبنان والشعب اللبناني، واعتقد انّ المسؤولين في لبنان يدركون ذلك جيداً».