29-12-2023
مقالات مختارة
|
نداء الوطن
غادة حلاوة
ساعات قليلة تفصل بين سنتين، والكلام فيها مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل عصارة الكلام. هي جردة حساب عن عام فات، ونتائجه وتداعياته الباقية كمستقرضات للعام المقبل. ليس الحديث ابن سنته، لا ابن ساعته، يطول ولا يكفي. هو حديث يخلط بين المرارة والخيبة، وبين التطلع إلى ما يلوح في أفق الوطن. لا أحد يستطيع إقفال الحساب، ولا أن يفتح على حسابه، إنّه بلد التوازنات الدقيقة والحسابات الضيقة، والولاءات المترامية الحدود. تختلف لغة باسيل وتتبدل نبرته بحسب الوقائع والتطلعات المستقبلية. بعيداً عن العاصمة وعن مدنيتها يقيم باسيل في اللقلوق في فترة الأعياد ليعيد تقويم علاقاته وخياراته ويدقق في حساباته.على ذلك، وهناك بحث في الكواليس مع رئيس المجلس وآخرين في الداخل والخارج «ولن أتأخر في مخاطبة الرأي العام».
الخصم السياسي الذي لم يتردّد بعض خصومه في إبلاغه «نعمل نكاية فيك»، يملك شجاعة الاعتراف حيث يجب بالقول «نعم خسرت»، محولًا الخسارة مصدراً للقوة. تقاطعَ الجميع على محاربته «بسبب مبدئيته»، فصمد. من صاحب المواقف الصلبة والمبادرة التشاورية في أعقاب السابع من تشرين إثر الحرب، إلى خوض معركة شرسة ضد التمديد لقائد الجيش جوزاف عون، كان ثمنها وقوفه في الميدان وحيداً حتى من دون حليف. واجه باسيل الجميع وتصدّى لهم، فماذا كانت النتيجة التي خرجت بها؟ يردّ بسؤال مقابل «عن أي نتيجة نتحدث في ظل الوضع الراهن في البلد؟ ومن منهم حقّق نتيجة للوطن؟».
لا يعتبر نفسه «حردانَ» ولا «معزولاً»، إذ «ليست المرة الأولى التي أقف فيها وحيداً بسبب مواقفي، من رفض عزل سوريا، إلى مواجهة رياض سلامة، وفي معركة قانون الانتخاب وتشكيل الحكومات»، حتى الحليف كان يكتفي بالتوجيه «شوفو شو بدو»، ولم يكن يقول «معهم حق ويجب إقرار قانون يسمح بتمثيلهم كمسيحيين. نحن دائماً في الواجهة ولسنا ذاك الفريق الذي يقف في الصفوف الخلفية ويستظل الآخرين».
وقال رئيس التيار «حين نخوض معركة متأكدين من صوابيتها لا نسأل من معنا ومن يعارضنا». ورأى أنّ «من أيّد التمديد إما نكاية أو مسايرة أو تحت ضغط خارجي». وبثقة عالية يعلن «لي الشرف أنني الوحيد الذي لم يتأثر وبقيت على موقفي، خسرت، وهل هي المرة الاولى؟ وقد أخسر مئة مرة». وعلى عكس من يقول إنّ خساراته تنعكس على جمهوره وتياره فهو يراها «خسارة فيها قوة. نحن تيار استقى قوته ومقاومته من 13 تشرين (1990). نقطة قوتنا أننا أحرار ولا نُشرى، ولا يمكن الضغط علينا، ونؤمن بمبادئنا ولا نخاف من البقاء وحدنا، فإلى أين وصلوا؟ وإلى أين سيوصلهم التمديد؟ النتيجة ستكون ذاتها». ووصف موقفه بأنه «برغماتية سياسية وليست رومانسية سياسية»، وقال»أعرف ما هو مشروع جوزاف عون، وحقيقته كشخص، وأعرف ما حصل وليست المرة الأولى التي تجبر فيها الطبقة السياسية على تنفيذ أمرٍ ما».
العلاقة بـ «حزب الله»
في نهاية العام اختلفت لهجة الحديث عن «حزب الله» عما كانت عليه. فباسيل الذي تصدّى للتمديد بسبب نيّة الممدّد له تنفيذ القرار 1701 من جانب واحد، تقدّم بذلك على صاحب القضية أي حليفه «حزب الله». وسارع إلى تلقف السؤال بالقول «بداية ليس حليفاً، ونحن أصلاً يجمعنا تفاهم وليس حلفاً. لطالما كنت أقول نتفاهم معهم ولسنا حلفاء منذ 2012. موقف «حزب الله» من التمديد راكم على مواقفه السابقة ولم أفاجأ به»، معتبراً نفسه «حليفاً لـ»حزب الله» بمقاومته إسرائيل ولست حليفاً بالمطلق لهم في الداخل. هناك أمور اتفق معهم عليها، وأخرى نختلف عليها. لست حليفاً لوحدة الساحات، بل حليف حماية لبنان. كانوا ضد التمديد لجوزاف عون، لكنهم عادوا ورضخوا ولم نرضخ نحن».
في تقييم العلاقة طالما كان مأخذ «حزب الله» على باسيل إصراره على دخول زواريب المحطات الداخلية على حساب الإستراتيجية، مقاربة تستفزه، وعلى حدّ قوله «إذا كان بناء الدولة زاروباً، فلا شأن لنا بأوتوسترادهم ونريد زاروب لبنان». بعد التمديد انقطع التواصل مع «حزب الله» إلا اتصال معايدة من وفيق صفا، فهل يمكن أن يمضي «حزب الله» قدماً بالتخلي عنه؟ قال: «كل شيء معقول، لم أفاجأ بموقفهم. ولم أطالبهم بمعارضة التمديد، هم سألوا عن امكانية مشاركة الوزراء الذين يدعمهم «التيار» في الحكومة، فعارضت. كانوا أعجز عن التمسك بموقفهم المعارض للتمديد».
وتساءل: «كيف لـ»حزب الله» أن يقبل بتجاوز الحكومة المستقيلة دور وزير الدفاع في تعيين رئيس للأركان لا يسمّيه الوزير المعني؟ أليس هذا انتهاكاً للطائف؟» لا ينظر إلى المسألة على أنها تدوير زوايا «متى أصبح الأمر يمسّ بحياتنا الوطنية والميثاقية»، مستغرباً «كيف يتم التعيين من قبل حكومة لا يحق لها الإجتماع أو اتخاذ قرارات بالتعيين في ظل غياب رئيس الجمهورية؟» مكرراً: «لا أريد أن أكون شريكاً لهذه السلطة في تفليستها». وعن وصف رئيس «القوات» سمير جعجع له بأنه»مصيبة الجمهورية»، أجاب مبتسماً «وهو طهارتها».
وتعليقاً على دعوة جعجع بري للتوافق ثنائياً على رئيس، قال بلهجة لا تخلو من التشكيك، «حسناً ليتفقا على مرشح، وهذا جيد، ولربما نؤيّده معهما».
يدرك أنّه لو كان وافق على استمرار حضوره في الحكومة لكان الواقع اختلف تماماً «كان بإمكاني أن أكون شريكاً في الحكومة وعوتبت لعدم تسميتي ثلاثة وزراء جدد، لأني كنت أعرف مسبقاً أنّ هدفهم إثبات أن بإمكانهم أن يحكموا من دون رئيس الجمهورية»، جازماً «لا أريد أن أكون شريكاً في هكذا سلطة. يعتقدون انني منغمس في السلطة لدرجة يصعب عليّ مغادرتها، وأنا أظهر لهم يومياً أنني غير مهتم».
رغم نفيه المتكرر إلا أنّ باسيل لا يزال متهماً بأنه مرشح إلى الرئاسة «ليفتحوا مجلس النواب وعندها نرى إذا كنت سأصوت لمرشح أو لا». شكّلت مرحلة ما بعد التمديد نقطة تقاطع يلتقي عليها «خصوم الأمس» بدلالة لقاء «المردة»- الإشتراكي و»القوات» برئيس مجلس النواب نبيه بري، كلها مسارات لن توصل إلى أي نتيجة برأيه «ألم يسبق أن تصالح جعجع مع سليمان فرنجية، إلى أين أوصل اتفاقهما؟ وإلى أين ستوصل كل تلك اللقاءات؟ فلننتظر ونرَ؟».
وهل يستبعد أن يكرر المتعاونون في تجربة التمديد، التعاون في استحقاق رئاسة الجمهورية فيصبح بمفرده؟ أجاب «كل شيء وارد، وهذا أفضل ما يمكن حصوله، أجمل شيء المعارضة المنطلقة من التمسك بالمبادئ».
الرئاسة
رأى مع بداية العام الجديد «محاولة رئاسية متجدّدة لن تنجح إلا بالتوافق»، محذراً من أنّ «أي جهة تبدأ من نقطة غير التوافق لن تصل إلى نتيجة. يمكن البدء من وجود مرشح لنا هو جهاد أزعور ومرشحهم هو سليمان فرنجية ومرشح الغرب الواضح اسمه جوزاف عون، وهو ما تكشّف من خلال الإصرار على التمديد». وأكّد المضي في التقاطع مع جعجع والمعارضة على ترشيح جهاد أزعور و»إلا فليعلنوا الخروج منه، ويؤيدوا ترشيح جوزاف عون»، مكرراً «أرضى بسليمان فرنجية إذا أقرت اللامركزية والصندوق السيادي»، نافياً أن يكون قد أعطى موقفاً نهائياً في شأن ترشيح الياس البيسري «هناك الكثير من الأسماء التي أوافق عليها وأخرى أعارضها، وثالثة بقول منشوف».
المستعد لإستقبال عامه الجديد بانفتاح، على تواصل مع السفير السعودي وليد البخاري الذي «عرف يصيبني» بمعايدته، والمتأثر بالجنرال ميشال عون في إصراره، لم تمنعه جبهة الحرب من التفكير في التوجّه جنوباً لقضاء فترة الأعياد مع الأهالي لولا رفض فريقه الأمني ذلك.
من اعتاد أن تتم دعوته دائماً إلى «شي مش مزبوط ولا نتيجة مرجوة منه»، قال «رغم ذلك، لا أرفض الآخر، بل أرفض ما يطرحه عليّ». ويقع في صلب أهدافه مع بداية عام جديد «أريد بلداً ودولة، ولا أدّعي أنّ بإمكاني تغيير الطبقة الموجودة، بل نحن محكومون بالتوافق معها». ابتداء من الأسبوع المقبل سيعاود الدعوة إلى انتخاب رئيس، وسيعمل على ذلك، وهناك بحث في الكواليس مع رئيس المجلس وآخرين في الداخل والخارج «ولن أتأخر في مخاطبة الرأي العام».