مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

المطران ابراهيم في رسالة الميلاد: لا مكان عندنا للحقد أو الانتقام او الكراهية

23-12-2023

محليات

وجه رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم رسالة الميلاد إلى الآباء والشمامسة والرهبان والراهبات ومؤمني ومؤمنات وأصدقاء الأبرشية المحروسة من الله جاء فيها:
 "لكنه أخلى ذاته، آخذا صورة عبد، صائرا في شبه الناس."
(فيليبي 2/7) بهذه الآية الرائعة من رسالة القديس بولس إلى أهل فيليبي، أفتتح رسالتي الميلادية إليكم لهذه السنة التي أحملها كل محبتي وأدعيتي وتمنياتي. إن التأمل بهذه الآية يوصلنا إلى إدراك بعض معاني سر التجسد الإلهي الذي فيه تطوع ابن الله الأزلي، الأقنوم الثاني في الثالوث المقدس، وهو "الكلمة" الذي على حد تعبير القديس يوحنا الإنجيلي: "كان في البدء عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس، والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه." (يوحنا 1/1-5) هذا "الكلمة" هو يسوع المسيح عينه الذي يقول عنه القديس بولس إنه أخلى ذاته وتجسد متنازلا من علياء سمائه ليولد طفلا في مغارة فقيرة. هذا التخلي يعني أن الذات الإلهية في كل لا محدوديتها، وهذا الشخص الإلهي في كل أزليته ومجده اللامتناهي، قبل أن يصير طفلا وأن يولد من امرأة بحسب نواميس الطبيعة البشرية المحدودة، دون أن يشوب ألوهيته أي نقص؛ والغير المحدود في زمن ولد في زمن، والكائن صار لأجلنا ما لم يكن".
 
أضاف: "إخلاء الذات الإلهية هذا، يعني أيضا أنه استبدل السماء بكل بهائها واتساعها المطلق بمغارة لا بهاء فيها ولا ضياء. أخلى ذاته لما تغذى من الثديين لبنا وهو الذي في القديم، أمطر على شعبه في القفر منا. أخلى ذاته لما تقبل من المجوس الذين انقادوا إليه باكورة للأمم هدايا، وهو الذي أسس الأرض على قاعدتها وفجر العيون في الشعاب، وأشبعنا من صنائعه، وبسط يديه فامتلأنا كلنا خيرا. (راجع مزمور 103).   أخلى ذاته لما ارتضى أن يصير آدم الجديد، ليعيد لآدم المتهور بسبب المعصية صورة الله ومثاله، فتبطل الضلالة الصنمية كلها. أخلى ذاته لما سمح بتجسده أن تظهر أم عذراء أرحب من السماوات لأن منها أشرق نور للذين في الظلام، فعيد البشر والملائكة تعييدا روحيا، واتحدت السماء والأرض. أخلى ذاته عندما ظهر على الأرض وهو الإله، ليصعد الإنسان إلى السماوات. أخلى ذاته وهو "ضياء مجد الله وصورة جوهره" (عبرانيين 1/3) لما ارتضى، وهو المنزه عن الخطيئة، أن يحمل خطايا العالم واضعا نفسه طائعا حتى الموت، موت الصليب. (فيليبي 2/8)، هذا "الكلمة" صار جسدا وحل بيننا، ورأينا مجده مجدا كما لوحيد من الآب، مملوءا نعمة وحقا". (يوحنا/1-14) "والكلمة المنزه منذ الأزل عن المادة، قد اتخذ كثافة الجسد ليجذب إليه الجبلة الساقطة." (التسبحة3 من سحر الميلاد).
 
وتابع: "في كل ما سبق، كان المسيح "متطوعا" بملء إرادته وكامل حريته يختار - ومن الآب لم ينفصل- أن يصير إنسانا مثلنا بغنى حكمة الله ومعرفته. "تطوع"، يعني أنه تجسد وولد طفلا فختم بميلاده البتولية، وحل بأقمطته قيود خطايانا، وشفى بطفولته أوجاع آدم وحواء، والحية أبيدت. "تطوع" تطوعا إلهيا لا شروط فيه ولا قيود، ليكون لنا مثالا في التطوع وبذل الذات من أجل الآخرين. "تطوع" ليس عن حاجة أنانية أو لتحقيق مصلحة آنية أو جني لسلطة أو شهرة أو غنى، بل تمسكن متخذا ما لنا لكيما باتحاده واشتراكه في طبيعتنا الترابية يصيرها متألهة. إنه "المتطوع" بامتياز! وهو يدعونا إلى الاقتداء به لكي نحمل بالتطوع خير الآخرين وخلاصهم، ونعمل على تحقيق ما هو مناسب لكرامتهم ومصالحتهم مع الله. نتطوع لا لكثرة الوقت الفائض عندنا، بل لفيض الحب الذي فينا. وعلى مثال السامري الصالح، يصير الغريب المحتاج قريبا لنا، فقريبي هو من أصنع إليه الرحمة. (لوقا 10/29-37)  يسوع هو هذا السامري الشفوق الرحوم الذي يتخطى كل اعتبار ليفتدينا بدمه ويدفع ديون خطايانا. على مثاله، علينا أن نرفع عنا الأنانية والكسل، فنتطوع لخدمة عالم لسعته الخطيئة فصار كالنشوان، لنأخذ بيده من جديد بإرشاد الكوكب نحو شمس العدل الشارق من البتول. نتطوع في كل مجال واتجاه:  
1- في خدمة الإنسان المريض، جسديا أو روحيا أو نفسيا، والفقير واليتيم والأرملة والسجين والجائع واليائس والمدمن والمحزون والمظلوم والمضطهد والمستغل والمعاق والمجروح والمستعبد. 
2- في خدمة القضايا الإنسانية الملحة كضمان السلام بين الدول والحرية والمساواة والإخاء وإنصاف العمال وتحسين ظروف العمل والمعيشة والحفاظ على الأقليات العرقية أو الدينية أو اللغوية أو القومية، وضمان الحرية الدينية والمساواة في الحقوق وحرية الضمير والحريات الأخرى، ومنع الاتجار بالرقيق والاستغلال الجنسي، للقصر خاصة، والربح الزائد وغير المشروع، وتبييض الأموال والاتجار بالأعضاء البشرية، والتلاعب الجيني وتجارة الأسلحة وتطويرها، النووية منها خاصة، والقرصنة وسرقة الأموال العامة وإفقار الدول والشعوب واستغلالها.
3- في خدمة البيئة وسائر المخلوقات التي سلطنا الله عليها، نرأف بها ونحافظ عليها، فتكون من بعدنا للأجيال القادمة. وللحفاظ على ثروات الأرض الطبيعية واستغلالها استغلالا متزنا وتوزيعها على الجميع بالتساوي. وللحد من التلوث وتجنب المخاطر البيئية.
4- في خدمة المؤسسات التي لا تبغي الربح كالكنائس وبعض المدارس والمياتم والمستشفيات ومراكز الإطفاء والإسعاف وإعادة التأهيل و"أطباء بلا حدود"، ومراكز التنمية الاجتماعية والتعليم المهني للحالات الاجتماعية والمستوصفات وكاريتاس والصليب الأحمر ووسائل الإعلام الكاثوليكية وسواها.
كل هذه المساحات المفتوحة لأصحاب الإرادات الطيبة الذين يودون استثمار بعض أوقاتهم في التطوع والخدمة، تحللهم من كل الأعذار بعدم اختيار المكان المناسب لطاقاتنا ومواهبنا التي يمكن استخدامها للتطوع والخدمة. في التجسد، وفي الميلاد، "تطوع" المسيح مترجما رغبة الآب والروح القدس في خلاص البشر. مع يسوع المتجسد، لم تعد هذه الرغبة مجرد حلم إلهي، بل صارت حقيقة إلهية دخلت تاريخ البشر وتحقق الحلم. هكذا أيضا تتحقق أحلام كثيرين من خلال تطوعنا في مجال من المجالات المذكورة أعلاه أو في غيرها مما لم يتم ذكره.
أما بالنسبة إلى المتطوعين في خدمة أبرشيتنا وكنائسنا، فإنني لأقف وقفة إكبار وتقدير وإعزاز واحترام، لهذه الثلة التي جسدت إيمانها بالله وبالكنيسة أعمالا طوعية، ولكم يقصر الشكر عن إيفائهم حقهم والاعتراف بفضلهم. وحده الله قادر أن يكافأهم! ولكونهم عشقوا المسيح وأحبوه قولا وعملا "أعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله، أي الذين آمنوا باسمه. الذين ولدوا ليس من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله." (يوحنا 1/12-13)".
 
وقال ابراهيم: "أتريد أن تصير ابنا لله؟ جسد إيمانك بأعمالك. لا تضع شروطا على الله ولا تزكي نفسك. لا تغضب إن لم يكن لك ما تريد. لا تخرب باسم البنيان ولا تنتقم. لا تشوه سمعة غيرك. لا تبن نجاحك من فشل الآخرين. لا تسود ما هو بياض ولا تتشاءم كأن الله غير موجود. لا تقاطع كنيستك ولا تقاصصها. لا تحسد ولا تنشر غسيلك الملوث على الملأ، ولا تدين الغير، متذكرا قول السيد المسيح: "أيها المراءي، أخرج أولا الخشبة من عينك، وعندئذ تبصر كيف تخرج القذى من عين أخيك." (متى 7/5) "لا تدينوا فلا تدانوا؛ لا تقضوا على أحد فلا يقضى عليكم؛ إغفروا يغفر لكم. (لوقا 6/37) "لا يذم بعضكم بعضا أيها الإخوة. الذي يذم أخاه ويدين أخاه، يذم الناموس ويدين الناموس. وإن كنت تدين الناموس فلست عاملا بالناموس، بل ديانا له". (يعقوب 4/11) لا تغير حقائق الأمور، ولا تدعي معرفتها إن كنت تجهلها. لا تستمع لشكوى من جانب واحد ولا تتبع أحدا دون تبصر. لا يكن الحقد قائد حياتك، بل الحق والحب والخير. لا تتطوع لتقسم، بل لتجمع وتوحد. لا يكن تطوعك للدينونة أو للقضاء، بل لخير النفس وللخلاص. "قرب لله نفسك بلا عيب فيتطهر ضميرك من الأعمال الميتة لتعبد الله الحي." (عبرانيين 9/14) فليكن تطوعك على مثال يسوع المسيح "المتطوع" الأعظم الذي "من ملئه نحن جميعا أخذنا، ونعمة فوق نعمة. لأن الناموس بموسى أعطي، أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا. (يوحنا 1/16-17)، أما إذا تطوعت على مثال يسوع فماذا يكون لك؟ أستلهم الجواب عن هذا السؤال من رسالة القديس بولس إلى أهل فيليبي، الفصل الثاني، حيث نجد المكافأة التي وهبها الله ليسوع المسيح من جراء إخلائه ذاته وطاعته الكاملة، وهي أنه "رفعه رفعة فائقة، وأنعم عليه بالاسم الذي يفوق كل اسم، لكي تجثو لاسم يسوع كل ركبة مما في السماوات وعلى الأرض وتحت الأرض؛ ويعترف كل لسان بأن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب." (فيليبي 2/9-11)
هل تظنن أنت أن الله سيكون أقل كرما منك أو معك؟ إذا نظرت أنت لا إلى ما هو لنفسك فقط، بل بالحري إلى ما هو لغيرك أيضا، يكون فيك من الاستعدادات ما هو في المسيح يسوع. إن لم تعمل شيئا عن منازعة أو عن عجب، بل حسبت بتواضع أن الآخرين خير منك، تتم فرح الرب بوحدة الرأي، وتكون لك مع غيرك محبة واحدة، ونفس واحدة، وفكر واحد. إذا تصرفت خيرا في غياب الناس كما في حضورهم، تكون متحدا بالله الذي يفعل فيك الإرادة نفسها والعمل ذاته حسب مرضاته. إذا تطوعت وفعلت كل شيء بغير تذمر ولا جدال، تصير طاهرا بغير لوم من أولاد الله الأزكياء والأتقياء في عالم يحتاج لضياء نورك. ببذلك له من وقتك وذاتك ومواهبك، يحق لك أن تفتخر في يوم المسيح بأنك ما سعيت عبثا ولا تعبت سدى، ويكون فرحك وابتهاجك عظيمين. (راجع فيليبي 2/1-18) إن اشتركت مع المسيح بعطية ذاتك، فإنك دون شك ستصير شريكا له في فرحه وقيامته ومجده".
 
وختم: "أود أن أعبر عن محبتي لكل فرد منكم، وأن أجدد عهدي بأن أكون خادما لكم لما فيه خير الكنيسة ومجد الله. أجدد إيماني بأن كل واحد منكم هو بمنزلة الأبرشية كلها، وبأن أبواب كنائسنا مفتوحة للجميع. لا مكان عندنا للحقد أو للانتقام، للكراهية أو للشطب. للجميع مكان في قلبي وفي صلاتي. وأنا بصدق أغفر وأطلب المغفرة من طفل المغارة وسيد الغفران. أتمنى أن يشملكم فرح ميلاد المسيح ويلف حياتكم بالنجاح والعطاء والإيمان والصحة والطهارة، وأن تكون السنة الجديدة 2024 سنة مباركة للعالم، وزمن أمان لقلوبكم وأفكاركم. فلنرفع الصلاة من أجل السلام في جنوب لبنان وغزة ومن أجل وقف حمام الدم في المنطقة. رجاؤنا أن يستقر بلدنا لبنان وأن ينهض من أزماته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والمعيشية والديموغرافية التي تهدد كيانه ومستقبله، وأن يزهر فيه السلام والوئام والإخاء والمحبة، وأن يبقى وطنا لكل أبنائه ينعمون فيه بالأمان والازدهار، وفوق كل شيء أن نعود لله إذا ما تهنا، وأن تخمد إلى الأبد، بشفاعة مريم والدة الإله، سيدة النجاة، كل قوة قد تفصلنا عن محبة المسيح.
ألمسيح ولد! فمجدوه".

ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما