07-12-2023
مقالات مختارة
الكاتب جوزيف بوهيا
في ظلّ الأزمات والعواصف التي تعصف بالإقليم، يُظهر حزب الله استراتيجيته الجديدة القديمة، "الفوضى البنّاءة"، حيث يستغلّ الكوارث لإعادة بناء نفسه بفعالية. تُشكِّل الكوارث بيئة مناسبة له، حيث يستخدم الضغط والصعوبات ليُعيد إنتاج ذاته بشكل أكثر قوةً وصموداً. لننطلق من هذا المبدأ لفهم سياسة حزب الله وقدرته على التكيّف لبسط سيطرته على الساحة اللبنانية كما حصل بعد عام ٢٠٠٥ وقدرته على الإلتفاف على الوضع الداخلي والقرار الدولي ١٥٥٩ آنذاك لإعادة إنتاج دوره وبقوة أكبر مما كانت عليه قبل عام ٢٠٠٥..
حزب الله اليوم في أزمة داخلية بالرغم من كل ما يُروِّج له أتباعه في لبنان. يتزايد عليه الضغط من المجتمع الدولي والأطراف الداخلية لتطبيق القرار ١٧٠١ لإبعاده عن الحدود الجنوبية مما يعني تراجع دور سلاحه إقليمياً. لن يعود هناك حجّة مقنعة لبقاء سلاح لا جدوى له في أي صراع مستقبلي وستسقط سردية حزب الله لإبقائه فيخسر أقوى ورقة لديه لضبط اللبنانيين عموماً وبيئته خصوصاً.
ها هو يُطلُّ علينا اليوم بخلق أزمة جديدة وهي "طلائع طوفان الأقصى" ليُعطي حماس بعض حرية الحركة في الظاهر ولكنها مضبوطة الإيقاع من قبله في الكواليس. من يعرف الساحة الجنوبية اللبنانية يعرف أن كل حركة تحصل فيه هي بموافقة حزب الله وأي عمل يتم بضوء أخضر منه، بِدءً من عمل القوات الدولية الى عمل الجيش اللبناني الى الجماعات المختلفة التي أوجدها الحزب لإلهاء إسرائيل ومحاولة تصوير جبهة الجنوب جامعةً لللبنانيين. يريد الحزب اليوم من هذه الخطوة أن يحقق أهدف مترابطة توصله للإلتفاف على القرار ١٧٠١ وإعادة إنتاج دورهِ من جديد.
أولاً، في الشأن الفلسطيني يُمهِّد هذا الإعلان لإستكمال معارك المخيمات لاحقاً ضد حركة فتح للإستئثار بالقرار الفلسطيني وذلك إنعاشاً لدور حليف الحزب، حماس، إذ تتجه الأحداث في قطاع غزّة الى تقليص دورها هناك وبذلك تقليص دور محور الممانعة في القطاع ونقل هذا النفوذ الى لبنان.
ثانياً، رسالة ضغط وتهديد للداخل اللبناني الذي لم ينسَ حتى اليوم تجربة فتح لاند بعد إتفاق القاهرة سنة ١٩٦٩ وتداعيات تلك التجربة المشؤومة على الأوضاع الداخلية وما ترتَّب عن ذلك من ويلات على البلد وإنقسام داخلي. مما يُعطي الحزب ورقة إضافية للضغط على اللبنانيين بمجموعة غريبة عن النسيج الوطني.
ثالثاً، بهدف الضغط على إسرائيل والمجتمع الدولي، فقيام حماس وجماعات إسلامية أخرى بعمليات من لبنان على حدود إسرائيل لن يكون في مصلحتها وستعيدها الى العمليات التي كانت تُنفَّذ ضدها قبل سيطرة حزب الله على الحدود وممكن أن تصبح مضطرة للدخول بحرب أُخرى مكلفة لإبعاد هذه الجماعات المُستجدَّة عن الحدود.
كل هذه الأهداف من بدعة طلائع طوفان الأقصى ستصبّ في مصلحة حزب الله فهو سيصبح حاجة ومنفس أخير لحماس للحفاظ على ما تبقّى من دورها وإبقاء سيطرتها داخل المخيمات في لبنان. كما سيكون حاجة للداخل اللبناني لِلَجم دور حماس لتفادي الوقوع في المحظور كما حصل سنة ١٩٧٥. وسيصبح دوره مُلحّاً من جديد لإسرائيل والمجتمع الدولي لحماية حدودها من الإسلام المتطرف.
لكل ما تَقدَّم سيسقط القرار ١٧٠١ بيد الأطراف التي تُطالب اليوم بتنفيذه وسيكون حزب الله أعاد إنتاج دوره داخليّاً وإقليمياً. فسيصبح حاجة لإسرائيل و الغرب وسيقبض ثمن تحجيم حماس داخلياً عندما يحين الوقت فيُحكِم سيطرته على السياسة الداخلية.
أبرز الأخبار