أي إستقلال لدولة تمر أشهر وسنوات دون رئيس للجمهورية؟
وماذا يعني الإستقلال في بلد يعجز عن الإلتزام بالإستحقاقات الدستورية في مواعيدها؟
وماذا يبقى من دولة الإستقلال عندما تصبح فريسة لفساد الفاسدين، وضحية الصراعات على الصفقات والمغانم؟
وكيف يعيش الإستقلال ويتعزز في أجواء الإنقسامات العامودية التي تشل حياة البلد، وتُعطل الممارسة الديموقراطية، وتجعل الولاء للزعيم قبل الولاء للوطن، وتضع الإنتماء للطائفة مكان الإنتماء للبلد، وتجعل من الهوية الطائفية أو المذهبية المرجع الأول، قبل مرجعية الدولة، وبعيداً عن الهوية الوطنية؟
يطل العيد الثمانين للإستقلال، ولبنان يمر في واحدة من أصعب المراحل المفصلية في تاريخة الإستقلالي، حيث إخلتطت الإنهيارات الإقتصادية والمالية والمعيشية المتراكمة، مع الأزمات السياسية المزمنة، وما يعتريها من تعقيدات حزبية، وتنافسات شخصية، وتناقضات مصالحية، أطاحت بالإنتظام العام بالبلد، وعطلت المؤسسات الدستورية، وتسببت بشلل دماغي للدولة ومرافقها الحيوية.
كل ذلك، وخطر العدو الإسرائيلي يتربص على الحدود الجنوبية، يقصف المنازل الآمنة، ويغدر بالمواطنين، ويستهدف الإعلاميين، لإخفاء آثار جرائمه ضد الإنسانية عن العالم، ويظهر بمشهد المُعتدى عليه دائماً.
دولة بلا رأس، وسلطة دون حكومة كاملة الصلاحيات الدستورية، ومجلس وزراء منقسم بين فريق مشارك وآخر مقاطع، ومجلس النواب غير قادر على التشريع، وسرطان الفراغ يفتك بمؤسساته الرئيسية الواحدة تلو الأخرى، ويكاد يقترب من المؤسسة العسكرية، التي يلتف حولها كل اللبنانيين، والتي تُمثل آخر حصون دولة الإستقلال، وتحميها من الإنهيار المريع بين مخالب الأحزاب والميليشيات الطائفية.
لا بد من الإعتراف أن الجيل الثاني من السياسيين في عهد الإستقلال، فشل في الحفاظ على مقومات الدولة، وقوّض أسس الإستقرار والإزدهار الذي وضعها الجيل الإستقلالي الأول، والذي نكتفي بوضع أكاليل من الورود الذابلة حيث يرقدون، دون الأخذ بقواعد التسويات والمعادلات التي أقاموا عليها صرح دولة الإستقلال، التي كانت يوماً مثال التقدم والرخاء، وجسراً بين الشرق والغرب، وبوابة العالم إلى دنيا العرب.
تحية إجلال وتقدير لأبطال الإستقلال في ذكرى الإستقلال.