23-09-2023
مقالات مختارة
|
نداء الوطن
نجم الهاشم
نجم الهاشم
منذ ما قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون بدأ الكلام عن احتمال وصول قائد الجيش العماد جوزاف عون إلى قصر بعبدا. ليست المسألة مستجدّة. منذ اللواء فؤاد شهاب وتزكيته عام 1958 لخلافة الرئيس كميل شمعون، يرتبط اسم كل قائد جيش بخيط يمكن أن يوصله إلى رئاسة الجمهورية. ومنذ انعقدت الجلسة الإولى لانتخاب الرئيس، قيل أن جوزاف عون هو المرشح الحقيقي لقوى المعارضة من خلف الستار، وقد تعاطى «حزب الله» وقوى الممانعة، مع هذا الإحتمال كأنه حاصل حتماً. تجنّب القول مباشرة إنّه لا يريد الجنرال ولكنّ تصرفاته كانت توحي بذلك.
منذ العام 1998 توالى على الرئاسة ثلاثة قادة للجيش اختلفت طريقة وصول كل منهم وعلاقته بـ»حزب الله» وبالسلطة. عام 1998 كان واضحاً أنّ العماد إميل لحود هو خيار رئيس النظام السوري حافظ الأسد منذ تمّ التمديد لسلفه الرئيس الياس الهراوي عام 1995، ولذلك مدّدوا له في القيادة، ثم مدّدوا ولايته في أيلول 2004 في تحدّ واضح لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 الذي طالب بانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
سليمان وقهوجي
قائد الجيش العماد ميشال سليمان وصل إلى قصر بعبدا بعد اتفاق الدوحة في أيار 2008 الذي جاء نتيجة الغزوة العسكرية التي نفذها «حزب الله» في بيروت والجبل، وكانت بمثابة انقلاب عسكري على نتائج انتخابات 2005 التي حصدت فيها قوى 14 آذار الغالبية النيابية، وعلى حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي تشكّلت بعدها وعملت على إنشاء المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005. كانت قوى 14 آذار طرحت اسم العماد سليمان بغطاء عربي، مصري تحديداً، ولكن «الحزب» كان رافضاً. في الدوحة قبِل بالتسوية التي كانت رئاسة الجمهورية وسليمان من ضمنها آملاً بقلب نتائج انتخابات 2009 لمصلحته الأمر الذي عجز عنه، فعطّل انتخابات الرئاسة بعد سليمان.
ميشال عون لم ينتقل من القيادة إلى الرئاسة مباشرة. حاول اغتصاب الرئاسة عام 1988 عندما احتفظ بقيادة الجيش إلى جانب ترؤسه الحكومة العسكرية، وكان «حزب الله» ضدّه وعدواً شرساً له، ولكنّه بعد 28 عاماً وبعدما عطّل مع «حزب الله» انتخابات الرئاسة طوال عامين ونصف، عاد في 31 تشرين الأول 2016، إلى القصر رئيساً منتخباً بموجب اتفاق الطائف الذي كان نتيجة حرب التحرير التي خاضها قبل أن يخوض حرب الإلغاء ضد القوات اللبنانية لإسقاط هذا الإتفاق.
عون والحدود والقيادة
مع العماد جوزاف عون المسألة مختلفة. في 8 آذار 2017 عيّن مجلس الوزراء العميد الركن جوزاف عون قائداً للجيش بعد ترقيته إلى رتبة عماد، في إطار سلسلة تعيينات أمنية وقضائية بعد انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية وتشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري تشارك فيها القوى السياسية الرئيسية.
وبحسب سيرة ذاتية نشرها الموقع الالكتروني للجيش، يحمل قائد الجيش الجديد إجازة في العلوم السياسية وإجازة جامعية في العلوم العسكرية، وهو يتقن اللغتين الفرنسية والانكليزية. عون المتحدّر من بلدة العيشية في جنوب لبنان، تطوّع في الجيش بصفة تلميذ ضابط في العام 1983، وتدرّج في السلك العسكري وصولاً إلى رتبة عميد في العام 2013. وعُيِّن منذ العام 2015 قائداً للواء المشاة التاسع.
وكان هذا اللواء ينتشر جنوباً في المنطقة الحدودية مع إسرائيل حتى تشرين الأول 2016، حين تمّ نقله إلى البقاع، وتحديداً إلى منطقة عرسال الحدودية مع سوريا، حيث كان ينفذ الجيش دورياً عمليات ضد مسلحين تابعين لتنظيم الدولة الاسلامية يتحصّنون في جرود المنطقة.
تعيين عون قائداً للجيش جاء بعد التمديد أكثر من مرة لقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي في ظل الفراغ الرئاسي، وبعدما كان العماد ميشال عون، مع صهره جبران باسيل، يسعيان لتعيين الصهر الثاني العميد شامل روكز في هذا الموقع قبل إحالته إلى التقاعد. بحكم مهماته في الجنوب والبقاع على الحدود بين لبنان وإسرائيل وبين لبنان وسوريا، كان القائد الجديد للجيش بات مدركاً لطبيعة مهام الجيش المعقّدة في تلك المناطق التي يغيب عنها القرار السياسي، وبات أيضاً يعرف طبيعة العلاقات التي تحكم عمل الجيش مع «حزب الله» ومع «القوات الدولية» في الجنوب، ومع تداعيات الحرب في سوريا التي يشارك فيها «حزب الله».
وهذا ما مكّن الجيش لاحقاً من القيام بمهمة معركة «فجر الجرود» في القاع وراس بعلبك في آب 2017، وتطهيرها من التنظيمات الأصولية التي كانت تحتلها. ولكن المؤشر الأول لهذا النصر في العلاقة مع «حزب الله» كان منع الجيش من الإحتفال بهذا النصر وتصوير الرئيس ميشال عون أنّه صانعه بعد مشاهدته من غرفة عمليات الجيش سير المعارك.
لم تكن تلك المرة الأولى التي يتواجه فيها الجيش مع التنظيمات الأصولية التي كانت تقاتل النظام السوري و»حزب الله» وتعمل على نقل حربها إلى لبنان. وقد نجح الجيش منذ العام 2013 في اكتشاف عدد من العمليات الإنتحارية والتصدي لها بعدما فشل «حزب الله» في ذلك، وبعدما كانت حصلت أكثر من عملية في قلب الضاحية الجنوبية وبيروت والبقاع. هذه التطورات جعلت الجيش بالتنسيق مع الحزب يقيم عدداً من الحواجز عند مداخل الضاحية الجنوبية. ولكن على رغم ذلك كانت علاقة «الحزب» مع الجيش خاضعة للتقييم الدائم. فهو، أي «الحزب»، كان دائم الحذر من العلاقة بين الجيش والولايات المتحدة الأميركية التي تقدّم له الدعم الأكبر. ولذلك كان الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله ينتقد ويهاجم هذه العلاقة وصولاً إلى عهد العماد جوزاف عون عندما اعتبر أنّ الضباط الأميركيين يسرحون ويمرحون في اليرزة.
شكوك «الحزب» وثورة 17 تشرين
ما زاد في شكوك «حزب الله» حول الدور الذي يلعبه الجيش وقائده جوزاف عون كان في الطريقة التي تصرّف بها الجيش خلال ثورة 17 تشرين 2019. اعتبر «الحزب» أنّ الجيش تساهل مع هذه التظاهرات التي كان يمكنه أن يمنعها. ثم اتهمه بأنّه لم يمنع قطع الطرقات عند نقاط رئيسية في خلدة وصوفر وفرن الشباك ونهر الكلب وغيرها، ووصل به الأمر من خلال عدد من المتحدثين باسمه في السياسة والإعلام إلى اتهام الجيش بأنه هو الذي يوجه بعض المجموعات التي تقطع الطرقات. كان «الحزب» مدركاً أنّ هذه الحركة الشعبية قد تشكّل خطراً عليه وأنّها ليست موجّهة فقط ضد حكم الرئيس عون وصهره جبران باسيل وحكومة الرئيس سعد الحريري.
ولذلك تصدى لها مباشرة بقواته الذاتية ومن خلال مهاجمة خيم المعتصمين في ساحة الشهداء وعلى جسر الرينغ وإحراق «مجسّم الحرية». هذا التصرف من «الحزب» شكّل تحدّياً للجيش الذي أخذت عليه قوى المعارضة والثورة أنه لم يستطع أن يحميها من العنف الذي تعرّضت له. كان الجيش يريد أن يوازن بين من هم مع الثورة ومن هم ضدّها. لم يكن باستطاعته أن يقمع الثوار ويفتح الطرق بالقوة وأن يكون أداة للسلطة التي توشك على الإنهيار. ولكنّه في الوقت نفسه لم يكن قادراً على الدخول في مواجهة مع «الحزب» في ظلّ سيطرته على القرار السياسي ورأس الدولة والحكومة خصوصاً بعد تشكيل حكومة الرئيس حسّان دياب التي كانت تمثل قوى الممانعة بشكل كامل.
إختبار مداخل الضاحية
في 23 أيلول 2021 أجرى الجيش اختباراً أمنياً وقرّر سحب حواجزه عن مداخل الضاحية الجنوبية باعتبار أنّ الظروف التي أدّت إلى نشرها انتفت بانتفاء الأسباب وتدنّي احتمالات تنفيذ عمليات أمنية انتحارية في قلب الضاحية. ولكن تدخل «الحزب» مع الجيش أدّى إلى إلغاء القرار وإبقاء الحواجز في أمكنتها. هذا الأمر كشف أن لا غنى للحزب عن المهام الأمنية التي يقوم بها الجيش بغضّ النظر عن رأي قيادة «الحزب» بقيادة الجيش.
كلّ ذلك كان يحصل قبل أن يحين موعد استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية وانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون. منذ ثورة 17 تشرين انقلبت العلاقة بين عون الرئيس وعون قائد الجيش. اعتبر الرئيس أنّ العماد انقلب عليه أو على الأقل أنّه لم يكن أميناً له ووفياً لاختياره قائداً للجيش وتفضيله على غيره، ولم يحمه في الشارع، وأنّه بات بحكم موقعه طامحاً لخلافته في رئاسة الجمهورية ومنافساً قوياً للحصان الذي رشّحه عون لوراثته، أي صهره جبران باسيل. هذا القلق ساور «حزب الله» أيضاً. كان «الحزب» قد اختصر خياراته الرئاسية بمرشح وحيد يأمن له هو سليمان فرنجية وكان مدركاً أنّ جوزاف عون سيكون منافساً قوياً له في ظلّ الخلاف الذي استجدّ بين «الحزب» والرئيس عون وباسيل في موضوع الرئاسة.
ثلاثية خشبية وصواريخ
الحسابات المعقدة بين الجيش و»الحزب» لم تبدأ مع العماد جوزاف عون. لا شك في أنّ قائد الجيش قرأ في كتب من سبقوه في القيادة. من إميل لحود المنخرط في خط الممانعة والموالي للحزب والنظام السوري، إلى العماد ميشال سليمان الذي انتهت تجربته مع «الحزب» بانتكاسة كبيرة وبإعلانه سقوط المعادلة التي سمّاها خشبية، والتي يتمسّك بها «حزب الله» أي «جيش وشعب ومقاومة»، وهذا الأمر أدى إلى استهداف القصر الجمهوري بالصواريخ في آب 2013. وصولاً إلى العماد جان قهوجي الذي اتهمه «الحزب» أيضاً بعلاقاته مع الأميركيين وباستخفافه بالخطر الذي شكّله تنظيما «داعش» و»النصرة» قبل مهاجمة الجرود اللبنانية في عرسال وأسر عدد من جنود الجيش وقوى الأمن الداخلي. ولكن على رغم كل نقاط الإختلاف بين قيادة العماد جوزاف عون وقيادة «حزب الله» تبقى هناك نقاط التقاء وتنسيق لا تقتصر على لقاءات القائد مع الحاج وفيق صفا أو مع النائب محمد رعد