08-09-2023
مقالات مختارة
|
الجمهورية
جوزف الهاشم
وزير سابق
اليوم ، يشهد الجبل "حملةً" بطريركية رابعة بعد التهجير ، استهلَّها البطريرك نصراللـه صفير ، وحملَ بعده البطريرك بشارة الراعي صليبَهُ ومشى للمرة الثالثة .
موعظة البطريرك الراعي على جبل الباروك ، هي تلك التي تستوحي موعظة جبل الزيتون "طوبى للحزانى ، طوبي للجياع ، طوبى لفاعلي السلام" "... لا تردّوا الشرّ بالشرّ والشتيمة بالشتيمة بل باركوا" ... "أحبِبْ قريبك كنفسك".
لست أدري ، ما إذا كان هناك مَـنْ يعتبون على البطريرك الياس الحويك صاحب الفضل في ضـمّ الأقضية الأربعة إلى جبل لبنان ليصبح لبنان الكبير ، ولست أدري أيضاً ما إذا كان هناك من يعتبون على البطريرك أنطوان عريضة الذي حضَـنَ الإستقلال ورعاهُ عبـر مؤتمر وطني في بكركي ، فيما الإستقلال لم يحافظ عليه الرجال .
هذه بعض التصوُّرات العشوائية ، نتيجة ما آلـت إليه حال لبنان اليوم ، حتى لم نعـد نعرف ماذا نسمّيه : دولةً أو مزرعةً ، أو مغارةً للصوص .
في العودة إلى الجبل ، تبدو العلاقة بين المسيحيين والدروز الأنموذج التاريخي للواقع اللبناني : يختلفون ويتَّفقـون ، يتقاتلون ويتصالحون ، يتهاجرون ويتساكنون ، إنها معجزة العيش المشترك في لبنان : بلـدٌ يُـراقُ فيه الـدم ، وبالـدم يُبنى .
قبل سنة 1840 كان الجبل مثالاً للمارسات الحزبية ، فكان الماروني والدرزي والسنّي في صـف واحد ، مقابل الدرزي والماروني والسني في الجهـة المقابلة ، ومثلما كان الحزب القيسي يضـمّ المعنيّين والشهابيين وآل الخازن ... كان الحزب اليمني يضـمّ الأرسلانيين وآل علم الدين ومعهم آل حبيش .
وبهذا ، استطاع الجبل أن يتخطّى التوازنات الدولية ويتحدّى الباب العالي ورغبة ابراهيم باشا ، وخورشيد باشا ، وأحمد باشا في شطر الجسم إلى نصفين ، وفصل فئـة عن فئـة وطائفة عن طائفة وفْـقَ شعار "فـرِّقْ تسُـدْ" .
وعندما أثار تطبيق القائمقاميَّتين مشكلة القرى المختلطة المسيحية – الدرزية ، وكان اقتراح خبيث بهجرة متبادلة من قائمقامية إلى أخرى وفقاً للقاعدة الطائفية ، رفض السكان من الطرفين هذا الفرز الطائفي .. وظلت قـرى الجبل متمرّدة على الإنفصال ، كأنما مكتوبٌ لها بعْـدَ كلِّ قتال أنْ يظـلّ البيتُ إلى جانب البيت ، والجدار ملتصقاً بالجدار ، والجار يستعين بالجار .
هذا التمازج بين السلبي والإيجابي في مسيرة العيش المشترك ، إنبثقَتْ معانيه من مآثر رجالات الجبل التاريخيّين .
الأمير بشير الثاني ، على ما يقول فيليب حتي في تاريخ لبنان : "كان الأمير مسيحياً بالمعمودية ، مسلماً بزواجه ، درزيّاً لدى أعوانه ..
والأميران فخر الدين الأول والثاني : "وُلِـدا درزيَّين وعاشا مسيحيَّين ، وماتا مسلميَن" على ما يقول كمال جنبلاط في كتابه من أجل لبنان(1) .
كمال جنبلاط أدرك هذه الحقيقة وهو كان : "أبـرز الذين تعّمقوا بالفكر المسيحي ، "والقديس تـومـا الأكويني كان من المؤثِّرات الأساسية في فكره وتكوينه ..(2)
وعندما وصلت المعارك في الجبل إلى درجة عنيفة وقيـل : "إنّ قصـر المختارة سوف يهدم بالطائرات قال كمال جنبلاط : "عندنا بعض الأوراق الشخصية المهـمّ أن نؤمِّـن مكاناً أميناً لها عند واحد من إخواننا المسيحيين"(3) .
وبهذا كان كمال جنبلاط يتمتّع بتأييد مسيحي – ماروني في الجبل تفوَّق بـه أحياناً على كميل شمعون .
نذكر هذه الحقائق التاريخية ، في زمـن الإنحطاط اللبناني والإنحراف السياسي والإنهيار الكارثي ، وازدواجية الولاء الوطني ، لعـلّ الصغار يتشبّهون بالكبار حتى ، وإنْ لم يكونوا مثلهم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – كمال جنبلاط : كتاب من أجل لبنان ص : 110 .
2 – كتاب كمال جنبلاط والتحدي الكبير ص : 87 .
3 – كمال جنبلاط والتحدّي الكبير ص : 185 .
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار