06-09-2023
عالميات
|
TRT ARABI
تتزايد في الآونة الأخيرة التكهنات بإقامة تحالف بين كوريا الشمالية وروسيا يشكل تطوراً مثيراً للاهتمام في الجغرافيا السياسية المعقدة لشمال شرق آسيا. مثل هذا التحالف يمكن أن تكون له آثار كبيرة في التحالف الحالي بين سيول وواشنطن والاستقرار الإقليمي.
كان المشهد الجيوسياسي في شمال شرق آسيا موضوع اهتمام عالمي لعقود من الزمن، مع تركز التوترات غالباً حول شبه الجزيرة الكورية في الآونة الأخيرة، تزايدت التكهنات حول إمكانية إنشاء تحالف عسكري بين بيونغ يانغ وموسكو على غرار تحالف سيول وواشنطن.
ووفقاً لتقرير حديث نشرته فايننشال تايمز البريطانية، اقترحت موسكو أن تشارك كوريا الشمالية في مناورات بحرية مشتركة مع روسيا والصين، في خطوة قد تكون الأولى من نوعها لبيونغ يانغ.
وتكثفت العلاقات العسكرية والسياسية بين موسكو وبيونغ يانغ منذ الهجوم الروسي واسع النطاق على أوكرانيا العام الماضي، لكن التدريبات البحرية المشتركة ستمثل مستوى جديداً من التعاون مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين وحلفائهما في شرق آسيا.
وعلى ضوء الدعوة الروسية للمشاركة في المناورات البحرية، بجانب الزيارة المرتقبة لرئيس كوريا الشمالية كيم جونغ لموسكو خلال الشهر الجاري، أثيرت تساؤلات حول انعكاس ذلك على التحالف الحالي بين سيول وواشنطن وتأثيرة في الديناميكيات الجيوسياسية الأوسع في المنطقة.
تاريخ معقّد
لفهم آفاق التحالف بين كوريا الشمالية وروسيا، من الضروري الخوض في التاريخ المعقد لشبه الجزيرة الكورية والعلاقة الروسية الكورية. شهد منتصف القرن العشرين إحدى اللحظات الأكثر أهمية في التاريخ الكوري: الحرب الكورية (1950-1953). أدت الحرب إلى تقسيم شبه الجزيرة الكورية إلى كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية.
ومنذ نهاية الحرب الكورية، اتبعت كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية مسارات متباينة على الصعيدين السياسي والاقتصادي. وتحولت كوريا الجنوبية التي اشتهرت بـ"معجزة نهر هان"، إلى التصنيع بسرعة، وأصبحت قوة اقتصادية عالمية. وفي المقابل، ظلت كوريا الشمالية معزولة إلى حد كبير، وتتميز بنظام سياسي فريد من نوعه والتوترات المستمرة مع جارتها الجنوبية.
وبعد التقسيم، كانت كوريا الشمالية تحت نفوذ الاتحاد السوفييتي، وكوريا الجنوبية تحت نفوذ الولايات المتحدة. على حين لعبت ديناميكيات الحرب الباردة في المنطقة دوراً محورياً في تشكيل الوضع الجيوسياسي المعاصر.
وفي غضون ذلك، حافظت روسيا، باعتبارها الدولة الخلف للاتحاد السوفييتي على علاقات دبلوماسية مع كل من كوريا الشمالية والجنوبية، لكنها كانت بعيدة إلى حد كبير عن شؤون شبه الجزيرة. وعلى مر السنين، شهدت العلاقة بين موسكو وبيونغ يانغ مداً وجزراً، مع فترات من التعاون أعقبها صمت طويل.
دعوة روسية
خلال زيارة لبيونغ يانغ في يوليو/تموز للاحتفال بالذكرى السبعين لهدنة الحرب الكورية، وحضوره عرضاً عسكرياً إلى جانب عضو المكتب السياسي الصيني لي هونغ تشونغ، تعهد وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بتعزيز العلاقات العسكرية مع كوريا الشمالية.
وفي حديثه للصحفيين الاثنين، أكد شويغو أن "روسيا تدرس إجراء تدريبات مشتركة مع كوريا الشمالية"، مضيفاً: "نناقش هذا مع الجميع، بما في ذلك كوريا الشمالية. ولمَ لا؟ فهؤلاء جيراننا". وأردف شويغو: "نحن نجري بالفعل تدريبات عسكرية مع زملائنا الصينيين، وعلاوة على ذلك، لدينا دوريات مشتركة لقاذفات استراتيجية تابعة للوحدات البحرية في البلدين"، وفق فايننشال تايمز.
من جهته، قال سفير روسيا لدى بيونغ يانغ، ألكسندر ماتسيغورا، السبت، لوسائل إعلام رسمية روسية، إن "مشاركة كوريا الشمالية في مناورات عسكرية إلى جانب روسيا والصين، ستكون رداً مناسباً على التدريبات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة".
وفي سياق متصل، لفت خبير الدفاع في معهد "أسان" للدراسات السياسية في سيول، يانغ أوك، إلى أن "أي تدريبات مشتركة بين الأنظمة الاستبدادية الثلاثة، ستكون سابقة من نوعها، باعتبار أنها ستكون المرة الأولى لكوريا الشمالية، من جهة المشاركة في مناورات مع بلدان أخرى".
وأضاف: "على حين أن كوريا الشمالية تمتلك قوة بحرية ضعيفة للغاية، فإن تطويرها لجيل جديد من الطرادات البحرية يعني أنها أصبحت قادرة على الدخول في لعبة المناورات البحرية".
زيارة مرتقبة
كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، الاثنين، عن أن رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون يعتزم لقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، خلال سبتمبر/أيلول الجاري لبحث إمكانية توريد أسلحة إلى موسكو.
وذكرت الصحيفة نقلاً عن مصادر أمريكية (لم تسمِّها) أن "كيم يعتزم السفر خلال الشهر الجاري إلى مدينة فلاديفوستوك الروسية للقاء الرئيس بوتين لبحث إمكانية توريد أسلحة إلى موسكو لاستخدامها في أوكرانيا". ووفق المصادر فإن "الزعيمين سيكونان في حرم جامعة الشرق الأقصى الفيدرالية في فلاديفوستوك لحضور المنتدى الاقتصادي الشرقي المقرر عقده في الفترة من 10 إلى 13 سبتمبر الجاري".
بينما تأتي هذه الزيارة المحتملة بعد أن قال البيت الأبيض إن لديه معلومات جديدة تفيد بأن مفاوضات الأسلحة بين البلدين "تتقدم بنشاط"، وفق شبكة بي بي سي البريطانية.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي إن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو حاول "إقناع بيونغ يانغ ببيع ذخيرة مدفعية" لروسيا خلال زيارة قام بها مؤخراً إلى كوريا الشمالية. مشيراً إلى أن من بين الأسلحة التي عُرضت في الاجتماع صاروخ هواسونغ الباليستي العابر للقارات، الذي يعتقد أنه أول صاروخ باليستي عابر للقارات في البلاد يستخدم الوقود الصلب.
قلق أمريكي
ورداً على هذه الاخبار، حذرت الولايات المتحدة على لسان كيربي من أنها ستتخذ إجراءات، بما في ذلك فرض عقوبات، إذا زوّدت كوريا الشمالية روسيا بالأسلحة.
وتعكس هذه التحذيرات قلق كل من واشنطن وسيول بشأن ما ستحصل عليه كوريا الشمالية في مقابل صفقة أسلحة، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة التعاون العسكري بين البلدين في آسيا. ولا سيما أن هناك مخاوف بشأن ما يمكن لروسيا تقديمه من أسلحة لكوريا الشمالية في المستقبل.
وبحسب بي بي سي، فإن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن كيم جونغ أون قد يطلب من بوتين أن يزوده بتكنولوجيا الأسلحة المتقدمة أو المعرفة، لمساعدته على تحقيق اختراقات في برنامجه للأسلحة النووية. ومع ذلك، قد ينتهي الأمر بالصفقة إلى أن تكون معاملات أكثر من كونها استراتيجية. وفي الوقت الحالي، تحتاج روسيا إلى الأسلحة، وتحتاج كوريا الشمالية الخاضعة للعقوبات إلى المال والغذاء.
أخبار ذات صلة
عالميات
هل خذل بوتين بشار الأسد؟