05-09-2023
محليات
|
النهار
"تحت ذريعة الحياة بدا تكمّل". لكن مَن قال إن الشاب جيلبير قرعان خطيب ضحية انفجار المرفأ سحر فارس كان بحاجة إلى ذريعة أو تمويه لتبرير ارتباطه بشخص آخر. مَن يحق له أن يُحاكم الناس على أفعالهم ونواياهم؟ مَن نحن لنلصق الأحكام المسبقة، ولنقرّر كيف يحقّ لكلّ
شخص أن يعيش حياته؟
كان خبر ارتباط جيلبير بالشابة جيني شحادة أكبر امتحان سقط فيه كثيرون، وبعضهم من أهل الصحافة. من أعطى الإذن للناس لملاحقة الحياة الشخصيّة للآخرين، وإقحام أنفسهم في تفاصيل لا تعنيهم؟ مَن أعطاهم الحقّ بنشر صور الناس وكتابة تعليقات سيّئة وجارحة؟ ألأنهم ارتأوا أنّ هذا "الصحّ" وهذا "خطأ"؟
كلنا نتذكّر قصة جيلبير وسحر. كلّنا بكينا مع هذا الخطيب المفجوع بخسارة حبيبته في انفجار المرفأ، وغصنا في تفاصيل قصّة الثنائي الجميلة التي انتهت بخاتمة حزينة. وقفنا مفجوعين أمام صورهما وفرحتهما التي تحطّمت كالانفجار المدوّي الذي هزّ بيروت. رأيناهما سوياً، وهذا ما اعتدنا عليه، لأننا تعرّفنا عليهما بعد الفاجعة التي ألمّت ببيروت وبمئات العائلات.
لم نكن نعرف سحر وجيلبير قبل انفجار المرفأ، ولم نسمع بهما من قبل، أما اليوم فقرّر البعض أن يتدخّل بالشاردة والواردة، وأعطى لنفسه الحق في إصدار الأحكام والتجريح.
لا يُمكن لأحد أن ينسى دموع جيلبير منذ انفجار المرفأ. لا يمكن لأحد أن يتخطّى موعد زفافه والمأساة التي قلبت حياته وحياة كثيرين رأساً على عقب. لكن نسي البعض كلّ هذا الوجع. داس على مشاعره، وبدأ الحرب العشوائية عليه. نقول لكم: "ارحموا العالم!"، ولا يحق لأحد أن يُقحم نفسه في حياة غيره. لو يهتم كلّ شخص بحياته لا بحياة الآخرين، لكان العالم أفضل بكثير.
بالرغم من المآسي التي تغرق هذا الوطن المكسور، يتلهّى البعض بأوجاع غيره، ويحلو للبعض التنظير وتفويض نفسه حاكماً على حياة الكثيرين.
بالأمس بدأت الحرب الإلكترونية بعد نشر الشابة جيني شحادة صورة تجمعها بجيلبير قرعانمعلنةً علاقة حبّ بينهما.
لم أفهم دوافع هذا الهجوم، ولا يمكن تبرير كلّ ما قيل بحقه. ومن ذا الذي يعرف ما في داخل الإنسان؟ من بكى معه، وأمسك يده، ورافقه في جلجلته التي وجد نفسه يسلكها بين ليلة وضحاها؟ لا يُمكن لأحد أن يدرك حجم الوجع الذي عاشه جيلبير إلا لمن مرّ بالتجربة ذاتها؛ فمن أذِن للناس أن تراقب غيرها وتجرح بكلماتها من دون حسيب أو رقيب؟
قد تكون كلمات جيلبير عندما اتصلنا به أفضل جواب لكلّ من تهجّم عليه من دون حتى معرفة شخصية به. قال "ارتبطتُ بجيني التي تحترم قصتي مع سحر وصورها الموجودة في منزلي، وتتقبّل التاتو الذي رسمته على جسدي. لكن أستغرب من البعض الذين يحكون عن الآخر من دون أن يعرفوا ما في داخله".
لدى جيلبير الكثير ليقوله، لكنّه لا يُريد أن يدخل في متاهات الرّد والقيل والقال. قصته أرقى من كلّ هذه الترّهات، ووجعه أكبر من أن يصغر بهذه الطريقة. ولكن وفق ما يؤكّد جيلبير "الله لا يجرّب حدن، وربما على الناس أن تتذوّق الكأس والوجع حتى تعرف الوجع والألم والخيبة التي عشناها. لا أحد عاش وجعنا، ويا ريت العالم بتعرف عنجد شو عايشين وكيف عايشين!".
ويضيف: "الناس تعرّفت علينا بأبشع كارثة، لم تكن لتعرف بي أو بغيري لولا انفجار 4 آب. نحن أشخاص موجوعون ومفجوعون ومكسورون، نكابر على وجعنا، ونتعالج حتى نستكمل حياتنا، ونتفاجأ بأشخاص يقسون علينا بكلماتهم، ولا يعرفون أن الكلمة الحلوة ترفع الشخص وكلمة بشعة تُسقطه تحت سابع أرض".
ويتابع جيلبير "ارتبطت بشخص يعرف قيمة الخسارة، وتذوّق الألم نفسه بطريقة أخرى. لم يختبر أحد ما اختبرناه، ولا ينغرّ أحد بالمظاهر. صحيح أننا نحاول الضحك مجدّداً، والفرح مرة أخرى، لكننا نبكي كلّ يوم خسارتنا وحرقتنا التي لا يعرف بها أحد. وكما خسرت سحر بالانفجار، خسرت جيني خطيبها بحادث سير. جمعنا الألم المشترك بالفقدان، وربطتنا صداقة قبل أن تتطوّر إلى قصّة حبّ. وقرّرنا إعلان قصّتنا، لأنّنا شفّافين وصريحين مع أنفسنا و"ما عنّا شي نخبّي".
ما قاله جيلبير وشاركنا إيّاه سريعاً، يُحاكي ما كتبته جيني على صفحتها على إنستغرام: "الحياة قسيت علينا كتير. حمّلتنا وجع ما منستحقّو بعزّ شبابنا. وجع قاسي كتير وما بينتسى أبداً لو قدّ ما قطع وقت".
وتابعت (الحديث منقول بالعامية): " تحمّلنا الكتير من المشاكل في حياتنا. ولأن الحياة بدا تكفّي رغم الحزن والفرح، كل واحد منّا كان بيتمنّى ما يصير لي صار، ولا حدا منّا يخسر شريك حياتو. بس بعد الوجع والبكي والحرقة لازم نبني حياتنا. بعرف اكتر وحدة قديش نوجعت وبكيت وكنت معك بكل شي، بس رغم هيك انت بنظري بطل، سند ورفيق وحبيب. انت يلي زرعت فيّي القوة من اول وجديد بعزّ وجعنا. نحنا بيحقلنا نضحك وننبسط ونعيش لأن بتلبقلنا الحياة. الله يعطينا إيام حلوة سوا، والأهمّ من هيدا كلّو في عنّا ملاكين بالسما مروان و سحر مبسوطين فينا وحاميينّا، ومعنا بكلّ التفاصيل، وللأبد معنا وبقلبنا".
افرحا ولا تجعلا شيئاً يخفف من وجهة الفرح في قلبيكما!
ابتسما لأنّ سحر ومروان يرافقانكما في رحلتكما من السماء!
اضحكا واتركا الناس تتحدّث، والحياة كفيلة بأن تمتحن كلّ شخص في الوقت والمكان المناسبين!
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
بعد ثلاث سنوات... المنظومة تُعيد لبنان إلى العزلة