04-09-2023
مقالات مختارة
|
نداء الوطن
لم تعد هيبة نظام «الجمهورية الإسلامية» في إيران كما كانت عليه قبل مقتل الشابة الكردية مهسا أميني في 16 أيلول 2022 على يد «شرطة الأخلاق» لعدم ارتدائها الحجاب وفق القواعد الإسلامية الصارمة، الأمر الذي فجّر آنذاك «ثورة حرّية» شكّلت الفتيات والنساء عمودها الفقري ومحرّكها الأساسي، ما أدّى إلى تعرية نظام الملالي وتمزيق «سجّادة» الشرعية المجتمعية «العجمية» تحت أقدامه للمرّة الأولى منذ نجاح «الثورة الإسلامية» عام 1979.
طيف مهسا ما زال يُطارد النظام الإيراني ويؤرقه قبل نحو أسبوعين من الذكرى الأولى لمقتلها، فسارع إلى الاستنفار أمنيّاً وتفعيل «خاصية القمع» لدى أجهزته السيّئة السمعة للجم أي تحرّكات شعبية محتملة ودفنها في مهدها. تنتهج طهران سياسة إخضاع وترهيب عبر ضرب «النواة الصلبة» التي ساهمت بنشر قصّة مهسا المأسوية وإطلاق شرارة الحراك الثوري.
وبالفعل، فقد تكرّر في الآونة الأخيرة اعتقال الصحافية الشجاعة نازيلا معروفيان لتجرُّئها على تحدّي النظام بأبرز رموز شرعيّته، أي الحجاب، عبر خلعها إيّاه علانيّة فور خروجها من السجن ونشر صورتها بلا حجاب في «العالم الافتراضي» للتعبير عن رفضها القاطع لاستعباد النساء، فيما بدأت مشكلاتها القانونية تتراكم منذ إجرائها مقابلتها الشهيرة مع والد مهسا، أمجد أميني، في تشرين الأوّل من العام الماضي.
كما بدأت محاكمة محامي مهسا، الناشط الحقوقي صالح نيكبخت الأسبوع الماضي، بتهمة «الدعاية ضدّ الجمهورية الإسلامية»، بينما يتكثّف نهج «كمّ الأفواه» بإصدار أحكام جائرة بحقّ صحافيين، كان آخرهم الصحافيّتان إلناز محمدي ونكين باقري، وناشطين وأكاديميين ومخرجين وفنّانين ورياضيين... ليصل «الإبداع الإذلالي» إلى توقيف واحتجاز الكثير من ذوي قتلى ثورة «إمرأة، حياة، حرّية» الذين سقطوا جرّاء بطش طهران الحراك الشعبي المُطالب بإسقاط النظام الإسلامي، حيث خلعت خلاله الطالبات والنساء حجابهنَّ معبّرين عن غضبهنَّ بإحراقه وتمزيقه، وكأنّهنَّ بذلك يُقفلنَ الباب على «عقلية ظلامية» ما عادت تتناسب مع التغييرات الثقافية العميقة والواسعة التي طالت البنى التحتية المجتمعية.
قضية الحجاب تمسّ أُسس النظام وركائزه الجوهرية و»حجر زاوية» هيكله العقائدي، لذلك تتعامل طهران بقسوة بالغة مع الرافضين لإلزاميّة إرتدائه في الأماكن العامة. فتزايدت الرقابة في الفضاء العام على الفتيات والنساء من خلال «جيش» من «شرطيّات الأخلاق» اللواتي يرتدينَ الشادور ويترصّدنَ المُخالِفات في الشوارع والمقاهي لمحاسبتهنَّ، فضلاً عن تسخير كاميرات مراقبة متطوّرة تتعرّف إلى وجوه صاحبات الشعر المكشوف لمعاقبتهنَّ، وإغلاق المؤسّسات والمتاجر التي لا تفرض على موظّفاتها ارتداء الحجاب، في وقت تتعاظم فيه جرأة المعترِضات ونسبتهنَّ، وتتّسع حلقة المؤيّدين لهنَّ في المجتمع.
ومن بين ضحايا التوقيفات التعسفيّة المتّصلة بالحجاب، مغني «البوب» مهدي يراحي، الذي نشر أغنية «وشاحك» دعماً لشجاعة الإيرانيات وتكريماً لهنَّ، ينتقد فيها إلزامية ارتداء الحجاب في البلاد، فسارعت السلطات إلى اعتقاله الأسبوع الماضي. تُمارس الحكومة الحالية جهوداً دؤوبة لإقرار مشروع قانون «دعم ثقافة العفة والحجاب» الذي ينصّ على تشديد العقوبات، المالية خصوصاً، على اللواتي يخلعنَ حجابهنَّ. وعلى الرغم من طابعه التمييزي الحاد بحق المرأة، فقد أثار غضب المتشدّدين المتزمّتين دينيّاً الذين طالبوا بإقرار قوانين أشدّ قسوة وأكثر ردعاً.
في المقابل، وصف خبراء أمميون وناشطون حقوقيون مشروع القانون بـ»الرجعي» وبأنّه شكل من أشكال «الفصل العنصري» على أساس الجنس سيزيد من مستوى اضطهاد المرأة الإيرانية. يحسم المعارضون الإيرانيّون في الداخل والخارج أنّ المواجهة مع نظام الملالي لن تنتهي إلّا بسقوطه، فدماء مهسا أميني ومينو مجيدي ونيكا شاكرمي وعشرات الفتيات والنساء اللواتي قُتلنَ بدم بارد خلال العام المنصرم، إضافةً إلى مئات آلاف المُعارضين الذين اضطهدوا وهجّروا وسجنوا وقتلوا منذ وضِعت مداميك «الجمهورية الإسلامية»، لن تذهب هدراً وستُزهر حرّية وكرامة، ولو بعد حين.
أخبار ذات صلة
عالميات
اسرائيل ردت على ايران..
أبرز الأخبار