01-09-2023
مقالات مختارة
|
نداء الوطن
وليد شقير
وليد شقير
سواء كان مقصوداً الإيحاء بأن الصورة الموزعة من قبل السفارة الأميركية، لعشاء كبير مستشاري الخارجية الأميركية لأمن الطاقة العالمية آموس هوكشتاين بضيافة قائد الجيش العماد جوزاف عون، للإيحاء بأنه ما زال خياراً رئاسياً، أم لم يكن مقصوداً، فإنّه حدث يفرض نفسه على الوسط السياسي. إنّه على الأقل يطلق العنان لمخيلة السياسيين اللبنانيين في لحظة مفصلية لجهة تلاقي مجموعة من العوامل والمواقف الخارجية المتعلقة بموقع لبنان في الخريطة الإقليمية، وبالتالي بالاستحقاق الرئاسي المؤجل، منذ أن أخفق البرلمان في انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية ضمن المهلة الدستورية في الأول من أيلول 2022، أي قبل شهرين من انتهاء الولاية الرئاسية السابقة. فقد مرت سنة على هذا الإخفاق، وختم البلد 10 أشهر من الفراغ الرئاسي.
أكثر من يُفترض أن يقلقهم عشاء «العمل المثمر» لهوكشتاين مع قائد الجيش وحديث بيان السفارة عن «تفاني الجنود ذوي الكفاءة العالية كأمر بالغ الأهمية لأمن لبنان واستقراره»، وعن الالتزام الأميركي «بمواصلة الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة ولبنان»، هو رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل. فالهدف الأول لاستئناف الحوار بين الأخير و»حزب الله»، بين أهداف أخرى، هو إبعاد ترشيح العماد عون، عبر الاستعداد لمقايضة رئاسة مرشح «الحزب» رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية بتمرير قانوني اللامركزية الإدارية والمالية وإنشاء الصندوق الائتماني لإدارة أصول الدولة... فباسيل لا يريد بأي ثمن تبوؤ القائد الرئاسة نظراً إلى الخسارة السياسية التي سيتكبدها تياره في هذه الحال على صعيد شعبيته، إذ أن جزءاً لا بأس به من الجمهور العوني سيتجه ولاءه نحو رمز المؤسسة العسكرية، ما يزيد التصدعات في القاعدة السياسية الشعبية لـ»التيار الحر».
حتى «حزب الله» كان استخدم سابقاً مسألة ترشيح العماد جوزاف عون للضغط على باسيل من أجل القبول بفرنجية، حين قال له بعض القياديين: «إما فرنجية أو جوزاف عون». استخدم «الحزب» ترشيح قائد الجيش «فزيعة» لباسيل لمعرفته بمدى حساسيته إزاء رئاسته للجمهورية، من أجل استدراجه إلى تجديد الاتصال به على قاعدة القبول بفرنجية للرئاسة مقابل ضمانات يطالب بها. فـ»الحزب» وفق ما هو معروف عن موقفه من جوزاف عون ليس متحمساً له إذا لم يكن أكثر من ذلك. هل تسرع صورة «عشاء العمل» الخطى المتباطئة لحوار باسيل مع «الحزب» بعدما اتسم بالمماطلة منذ إعادة إطلاقه في النصف الأول من شهر تموز الماضي، أم أنها لا تغيّر في واقع الحال شيئاً؟
لا تقتصر مظاهر تباطؤ الحوار على ما قاله الأمين العام لـ»الحزب» السيد حسن نصر الله في خطابه قبل خمسة أيام في ذكرى التحرير الثاني فقط، بل تشمل أيضاً المنهجية التي يطرحها «التيار الحر» لاستمراره. فنصرالله حرص على إعلان الآتي:
1- إنّه حوار «بالنيابة عن «حزب الله»، وليس بالنيابة عن بقية حلفائنا وأصدقائنا، وبالتالي عندما نتفق إذا اتفقنا هذا لا يلزم حلفاءنا ولا أصدقاءنا حكماً»، مؤكداً أنه سيعرض النتيجة على هؤلاء لاتخاذ القرار.
2- إنّ موضوعي اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والصندوق الائتماني يحتاجان لمناقشتهما مادة مادة ويتطلبان أغلبية في البرلمان لإنفاذهما، فضلاً عن الأولويات الرئاسية وهي عناوين «تحتاج بعض الوقت». وألحق رئيس البرلمان نبيه بري موقف نصر الله بالقول إنّ اللامركزية الإدارية نص عليها اتفاق الطائف لكن اللامركزية المالية ليس متحمساً لها.
أما من جهة «التيار» فمصادره لا ترى تقدماً لافتاً في الحوار، ولا تنفي أنّ الهدف منه استبعاد عون عن الرئاسة، وصولاً إلى قول بعض قيادييه أنّ هذا الحوار يساهم في تعبئة الوقت الضائع، طالما طبخة الرئاسة لم تنضج بعد خارجياً، بدليل دعوة نصر الله إلى انتظار ما سيأتي به الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، وأنه في هذه الأثناء يتم «حرق» اسم فرنجية، بحجة أنه لا يتجاوب مع «المطالب المسيحية». على افتراض أنّ «الحزب» يكون وافق عليها... وكل ذلك يقود إلى البحث في مرشح ثالث.
ثمة قراءة أخرى تنظر إلى زيارة هوكشتاين على أنها قد تفتح باباً للرئاسة إذا نجح في التقدم على طريق ترسيم الحدود البرية جنوباً. فاعتقاد بعض الأوساط الدبلوماسية أنّ نشاطات الموفد الأميركي خلال زيارته، في الروشة وبعلبك و»عشاء العمل» مع عون وتفقده الخط الأزرق، مليئة بالرموز. إلا أنّ السؤال يبقى عما إذا كانت رموزاً تفتح المجال للحلول والمقايضات، أم أنّها تأتي في سياق الصراع الأميركي - الإيراني ولبنان إحدى ساحاته، إضافة إلى سوريا والعراق واليمن؟
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار