30-08-2023
مقالات مختارة
|
نداء الوطن
ترك شغور سدّة الرئاسة الأولى والموزاييك السياسيّ السلبي داخل المجلس النيابي، الباب مشرعاً أمام تعليق الإنتظام في عمل المؤسسات الدستوريّة منذ ما يقارب عشرة أشهر ولأمد غير محدد؛ فربطه بعض المتابعين بالانتخابات الرئاسيّة الأميركية التي ستجرى خريف العام 2024، والبعض الآخر بإجراء انتخابات نيابيّة مبكرة وعدم إنتظار عام 2026 لخلق معادلةٍ مغايرة تخوّل المجلس الجديد القيام بدوره وانتخاب رئيسٍ للجمهورية.
ويترافق تعليق الإنتظام المؤسساتي مع سلّة من الإستحقاقات، الماليّة تحديداً، تفوق قدرة حكومة تصريف الأعمال– المستقيلة على تحمّلها، مع تقيّد حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، ولو مرحلياً، بقانون النقد والتسليف، والتوقّف عن تبديد ما تبقّى من أموالٍ للمودعين، لتعويم الطبقة السياسيّة وإطالة أمد تحكمها بمستقبل لبنان وشعبه. وهذا ما دفع رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي، إلى جانب معطيات أخرى، إلى رفع الصوت، والتلويح بإمكانية الإعتكاف عن تصريف أعمال مجلس الوزراء، وما عهد إليه من مسؤوليات يتولى القيام بها إنابةً عن رئيس الجمهورية.
ورغم أنّ التلويح بالإعتكاف عن تسيير أعمال الحكومة لا يرتقي إلى الجدية، لما يترتب عليه من تبعات قانونية جرّاء إخلال رئيسها بواجباته الوظيفيّة وتعطيل إستمرارية العمل في المرافق العامة؛ فإنّ السلطة لا تعرف الفراغ، وتأمين ديمومة عملها يتقدم على حسابات القوى السياسيّة و»هرطقاتها» في الوقت الضائع. وهذا ما قاد إلى التساؤل عن دور نائب رئيس الحكومة، وإمكانية تربعه على كرسي الرئاسة الثالثة بالإنابة، أسوة بما حصل في العديد من المراكز، من بينها الدور الذي يلعبه مجلس الوزراء نيابةً عن رئيس الجمهورية، كما تولّي نائب حاكم مصرف لبنان مهام الحاكمية نيابةً عن الحاكم المنتهية ولايته، إنفاذاً للقوانين المرعية الإجراء.
وفي حين يغيب ذكر نائب رئيس الحكومة ودوره من النصوص الدستورية، كما مرسوم تنظيم أعمال مجلس الوزراء، يفتح باب الإجتهاد على ما إذا كان مركز الرئيس الخامس في سلّم الرئاسات موقعاً شرفياً لا قيمة له بسبب عدم تكريسه في الدستور، وتالياً لا يمكنه تسيير المهام التي عهدت إلى مجلس الوزراء ورئيس الحكومة، قبل التطرق إلى دوره في ظل شغور سدّة الرئاسة الأولى.
ووسط تجنّب العديد من المعنيين التوقف عند جديّة «الهرطقات الميقاتيّة»، وتأكيدهم وجوب قيام المجلس النيابي بواجبه الدستوري وانتخاب رئيسٍ للجمهورية، إعتبر نائب رئيس الحكومة السابق عصام أبو جمرة، أنه وعلى الرغم من غياب نص واضح يحدد الصلاحيات التي أنيطت بنائب رئيس الحكومة، فإنّ تأمين إستمراريّة السلطة وتسيير المرفق العام، أسوة بما يقوم به رئيس الحكومة ومجلس الوزراء في ظلّ غياب رئيس الجمهورية، يحتّم على نائب رئيس الحكومة تحمّل المسؤولية في غياب رئيس الحكومة، ولأي سببٍ، أكان إعتكافاً أو غيره من الأسباب القاهرة؛ على أن يعمد فوراً إلى مطالبة المجلس النيابي بتحمّل مسؤوليته، أكان لجهة إنتخاب رئيس كما هو الواقع راهناً، أو لجهة المطالبة باستشارات نيابيّة سريعة وتكليف رئيس حكومة وحكومة. وأكّد أن غياب النص الصريح في هذا الأمر لا يعني تغييب موقع نائب رئيس الحكومة.
في غضون ذلك، وفي استعادة لمواقف سابقة لبعض من تولى نيابة رئاسة مجلس الوزراء، برز تقاطع على أنّ غياب النص الصريح لدور نائب رئيس الحكومة في الدستور لا يخوّل الآخرين تجاهل هذا الموقع، والتقليل من قيمته، تحديداً بعدما تحوّل من عرفٍ إلى أمرٍ واقعٍ تمّ تكريسه من خلال مراسيم تشكيل الحكومات. أمّا دوره ومهامه، فيجب تكريسها بقانون أو بتعديل دستوري يحصنه ويجنبه تفادي إستنسابية رئيس الحكومة في تحديد دوره، لا بل يجعل منه مكملاً وداعماً لتسهيل عمل مجلس الوزراء ومتابعة مقرراته والتنسيق بين الوزارات والإدارات وتأمين استمرارية اجتماع مجلس الوزراء بشكل دوري لمنع الفراغ في السلطة.
ووفق الأعراف المتبعة، في ظل غياب الرئيس، يقوم نائبه، بالمهمات التي يكلّفه بها الدستور أو القانون، وهذا ما دفع نائب رئيس الحكومة عصام أبو جمرة، إلى المطالبة حينها، بمكتب له في السراي الحكومي، ليكون على تماسٍ مباشرٍ مع رئيس الحكومة، وليس في المقر الأساسي لمجلس الوزراء قرب المتحف في بيروت، اي المقرّ المهجور راهناً.
النظام الداخلي لمجلس الوزراء
ويربط البعض تحديد صلاحيات نائب رئيس الحكومة بالنظام الداخلي لمجلس الوزراء، مع العلم أنّ مرسوم تنظيم أعمال مجلس الوزراء الصادر في 1/8/1992 ويحمل الرقم 2552، لم يأت على ذكر لإسم أو منصبٍ مخصص لنائب رئيس الحكومة، وتحديداً المادة 9 الواردة في الفصل المتعلّق باجتماعات مجلس الوزراء، التي لفتت إلى أنّ «مناقشات مجلس الوزراء تكون سرية ولا يحضرها سوى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء والأمين العام ومن يساعده، ويمكن لمدير عام رئاسة الجمهورية أن يحضر الجلسة كما يمكن استدعاء من تقضي الضرورة الاستماع إليهم في الجلسة».
كما أنّ الشقّ المرتبط بإعداد جدول أعمال مجلس الوزراء، لم يلحظ أي دور أو إشارة لإمكانية أن يعمد نائب الرئيس إلى مساعدة الرئيس في إعداد جدول أعمال مجلس الوزراء. وهذا ما انطبق أيضاً على الفصل التاسع من المرسوم، المادة 29، التي تجاهلت أن يكلّف رئيس الحكومة نائبه ترؤس اللجان التي يؤلفها مجلس الوزراء ويكلفها مهام محددة، في حين حصر وجهة عملها برئيس مجلس الوزراء، الجهة المخولة إستلام التقرير الصادر عن اعمال اللجان، ليعمد بدوره إلى عرضه على مجلس الوزراء.
أما الجدير في التوقف عنده، ويعدّ سابقة يتيمة في تولّي نائب رئيس الحكومة مهام رئيس مجلس الوزراء، فهو أنه ومع تزامن سفر رئيس الحكومة صائب سلام وعائلته إلى إيطاليا في رحلة إستجمام، تم اغتيال عضو المكتب السياسي في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» الروائي والصحافي الفلسطيني غسان كنفاني في 8 تموز 1972. وباشر حينها نائب الرئيس الدكتور ألبير مخيبر مهامه ومسؤولياته كرئيس حكومة بالوكالة وعقد ندوةً صحافية تناول فيها بشكل أساسي اغتيال غسان كنفاني وقيل له «إن الوزراء عندما يتسلّمون وزارات بالوكالة يقتصر نشاطهم على تصريف الأعمال الروتينية»، فعلّق «أنا أقوم بالعمل كرئيسٍ للحكومة». وفق ما ورد في كتاب «ألبير مخيبر» الصادر عن دار سائر المشرق في العام 2022.
أخبار ذات صلة
إينوميَّات
سؤال برسم دولة رئيس مجلس النواب نبيه بري
لكل مقام مقال
بري وعد ووفى... وفى على طريقته
أبرز الأخبار