23-08-2023
عالميات
|
النهار العربي
التطورات الأخيرة الحاصلة في محافظتي السويداء ودرعا ليست تفصيلاً. بل هي أقرب إلى انتفاضة جديدة على نظام الرئيس بشار الأسد، بعد فترة هدوء تمكن فيها النظام من استعادة توازنه في تينك المحافظتين.
لكن بالرغم من أن التظاهرات المتعددة والمتنقلة بين مدينة السويداء والقرى والبلدات أو تلك التي بدأت تتحرك في درعا وجوارها، تحمل راية الاحتجاج على الأوضاع المعيشية، فإن الشعارات المرفوعة احتجاجاً على الأوضاع المعيشية ورفع أسعار المحروقات وغيرها من القضايا الاجتماعية، تختلط بالتي تنال من الأسد شخصياً، مذكرة بالأيام الأولى للاحتجاجات التي انفجرت في شهر آذار (مارس) 2011، من دون أن تتخطى حدود السلمية، والابتعاد من استخدام العنف والسلاح. هذا في بعدها الداخلي. لكن في ما يتعلق ببعدها الإقليمي، يمكن البحث في جانب من الاحتجاجات في محافظتي السويداء ودرعا عن أزمة النظام مع جيرانه، لا سيما مع الأردن ومن خلفه مع دول الخليج، وفي المقدمة المملكة العربية السعودية، وذلك في ضوء فشل الرئيس بشار الأسد بتنفيذ تعهداته لـ"الحاضنة العربية" التي أعادت تأهيل نظامه في القمة العربية الأخيرة التي عقدت في السعودية في 19 أيار (مايو) الماضي.
ومن أهم التعهدات التي لم ينفذها معالجة مسألة إنتاج المخدرات وتهريبها إلى المحيط العربي عبر الأردن، ومعها عمليات تهريب السلاح التي تمثل تهديداً صريحاً للأمن القومي لكل من الأردن والدول الخليجية التي تهرّب نحوها وعبرها المخدرات والأسلحة. وبالطبع لا يغيب عن البال التهريب في اتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة أو إسرائيل.
وإذا ما أخذنا في الاعتبار تضافر عاملي الانهيار المالي في سوريا، واستمرار العقوبات العربية على النظام التي تمنع إعادة تأهيله بشكل كبير، يمكن القول إن إنتاج المخدرات وتهريبها إلى الخارج التي تمول حالة مافيوية، ميليشيوية ومخابراتية، لا تكفي لتمويل استقرار سوريا التي يمسك بها النظام، ومن ضمنها محافظتا السويداء ودرعا المتأثرتان بالجوار جنوباً.
كل ما يجري لا يمكن عزله عن عاملي ضعف النظام البنيوي، ومحدودية أثر الدعم الإيراني والروسي الميدانيين. فالحرب في سوريا لم تنته بعد. ولن تنتهي قريباً لأن البلاد قد تعود في توقيت معين إلى الاهتزاز بسبب عودة التوتر والاحتكاكات المتنقلة من الحدود الشرقية مع العراق، إلى الحدود الشمالية مع النفوذ التركي، وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع الأردن والعمق الخليجي. والحال أن النظام السوري الذي استطاع البقاء بقوة الإيرانيين والروس، يفتقد أي أفق، ولا يسعه أن يقدم للسوريين، حتى الذين أيدوه، أي أمل بمستقبل طبيعي في بلد طبيعي. فحال انعدام الوزن مع تحول سوريا النظام وخارج النظام إلى ساحة لتصفية حسابات إقليمية ودولية، سيبقي الجميع على الأرض وفي قصر المهاجرين في عنق الزجاجة. ومعه سيبقى الانفتاح العربي محدود الأبعاد والآثار. وسيقتصر التعامل مع دمشق على سياسية "القطعة"، بمعنى أن التعامل يحصل وفق منطق حل ملف بملف.
الأردنيون سبق أن اختاروا لهذه السياسة خلال الاجتماعات الوزارية العربية التمهيدية والتي أفضت إلى إعادة دمشق إلى الجامعة العربية مصطلح "خطوة مقابل خطوة". وكان رأيهم أن التعامل مع دمشق لا يمكن أن يتم على قاعدة الثقة، بل على قاعدة التحقق من الأفعال بصرامة.
في مطلق الأحوال، من اللافت أن موجة الاحتجاجات الشعبية والسلمية في السويداء ودرعا، والدعوات الموجهة إلى المناطق الأخرى للانضمام إليها حذرة جداً، وهاجسها تفادي الوقوع في فخ العسكرة التي يتقن فيها الأسد إدارة المعركة أكثر من غيره.
أخبار ذات صلة