19-08-2023
محليات
|
النهار
كتبت صحيفة "النهار" تقول:
تبدو المرحلة الفاصلة عن بداية أيلول المقبل الذي يصادف حلوله مرور سنة كاملة على بداية المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية أي “العداد” العملي الواقعي لازمة الفراغ الرئاسي، مثقلة بتشابك تداعيات الازمة السياسية الرئاسية والأزمات المالية والاجتماعية المتزاحمة نظرا الى ما يشكله أيلول هذه السنة من موعد استثنائي للهموم التقليدية للبنانيين كما للاستحقاق المفصلي الذي تتوقف عليه مهمة الموفد الفرنسي الرئاسي جان ايف لودريان في شأن وساطته في الازمة الرئاسية. واذا كانت موجة ردود الفعل على الرسالة التي أرسلها لودريان الى النواب ظهرت أكثرية سلبية معلنة حيال هذه الخطوة، فان صمت الفريق “الممانع” ولا سيما منه الثنائي الشيعي حيال الرسالة حتى الان لم يحجب معطيات تحدثت عن “صدمة” مزدوجة لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري وجهها الأول يتصل بانه فوجئ بخطوة لم يكن متفقا عليها مع لودريان، وهي حتى لو سارت كما يريدها الموفد الفرنسي من شانها توسيع اطار الحوار بما يتهدده بالفشل، اما الوجه الثاني فيتصل بالموقف المتشدد من رفض الحوار الذي أعلنته قوى المعارضة في مجلس النواب. وما لم يسارع بري الى كشف حقيقة موقفه من رسالة لودريان في الأيام القليلة المقبلة وابقاه طي التكتم لئلا يزيد تعقيد الواقع المأزوم، فانه لا شك سيفرج عن الموقف الذي سيتفق عليه مع شريكه في الثنائية أي “حزب الله” في المهرجان السنوي لحركة “امل” احياء لذكرى إختفاء الامام موسى الصدر الذي سيقام في بيروت في نهاية شهر أب.
ولعل المفارقة في هذا السياق ان ثمة معطيات ربطت بعض جوانب المواقف الساخطة التي اطلقها رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي عقب تطيير نصاب الجلسة التشريعية لمجلس النواب والخلوة التي عقدها بري وميقاتي بمناخ التصعيد السياسي الذي تترجمه تداعيات مقاطعة جلسات “تشريع الضرورة” وكذلك الأجواء التشاؤمية التي سادت عقب توزيع رسالة لودريان على النواب. وإذ سادت تفسيرات واسعة بان ميقاتي لوح بوقف تصريف الأعمال نفى لـ”النهار” ان يكون قد اتخذ قرارا بالاعتكاف ولكنه زاد على ذلك قوله “دوما للصبر حدود والله لايحمل نفسا الا وسعها”. وأوضح ميقاتي ان “مسالة الاعتكاف لاترد حتى الان على الاقل في قاموسي، ولكن اذا ما ظلت الامور تنسج على منوال التعطيل وعدم التجاوب والتعاون فساعتها تصير كل الاحتمالات واردة عندي”. ولفت الى “انها ليست المرة الاولى التي يواجهنا مثل هذا الكم من العراقيل والمعوقات ومثل هذه المناخات التعطيلية ، فنحن على دراية بما ينتظرنا منذ اليوم الاول لحكومتنا ، ولكننا بتنا نستشعر في الاونة الاخيرة بان ثمة من وضع في حساباته الضمنية ان يقطع الطريق علينا وان يعرقل حتى عملية تصريف الاعمال التي نقوم بها وانه ماض في هذا النهج على رغم كل تحذيراتنا . وحمل على الذين “لا يبادرون الى السير بالخطوات اللازمة لاجراء انتخابات رئاسية من شانها ان تطوي صفحة الشغور القاتل ، وهم ايضا يحولون بعناد دون اقرار القوانين الاصلاحية المفضية الى السير بخطة التعافي، على رغم انها اشبعت درسا وصارت جاهزة للاقرار فكيف لنا والحال هذا ان نصرف الاعمال وندير الامور بالحد الأدنى”.
وجاءت ازمة تمويل الكهرباء لتزيد تعقيدات المشهد الرسمي والسياسي، اذ علمت “النهار” من مصادر حكومية ان مجلس الوزراء لن يمول استيراد بواخر الفيول التي تحدث عنها وزير الطاقة بهدف زيادة ساعات التغذية بالتيار الكهربائي لان الفيول العراقي سيصير متوافرا قريبا، خصوصا ان مصرف لبنان يرفض توفير 30 مليون دولار أميركي للبواخر. وترى المصادر ان إصرار وزير الطاقة على الامر يثير شكوكا حول الغاية وأيضا حول الشركة التي يتم الاستيراد عبرها، في ظل إصراره على عدم اعتماد مواصفات دقيقة بذريعة العجلة. وإذ تقدر المصادر التوازن المالي الذي بدأت مؤسسة كهرباء لبنان تحققه تدريجيا، الا ان هذا التوزان المالي بالليرة يجب الا يكون عاملا سلبيا في التأثير على سوق الصرف وسعر العملة الوطنية . وتلفت المصادر الوزارية الى ان وزير الطاقة يراسل مجلس الوزراء ومصرف لبنان محاولا وضعهما امام امر واقع علما ان واجبه يفرض عليه حضور جلسات مجلس الوزراء ومناقشة طروحاته ريثما يتم التوافق عليها.
غير ان اللافت في مجريات المشهد السياسي والمالي في ظل الحقبة التي تلي نهاية ولاية الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة انه بعد ايام من لقاء حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري السفير السعودي في لبنان وليد بخاري، وجه الاخير دعوة لمنصوري لزيارة المملكة العربية السعودية في الاسبوع الأول من شهر ايلول المقبل. وفيما لم يفصح عن جدول اعمال الزيارة، قالت مصادر مواكبة لـ”النهار” أن منصوري طلب في لقائه مع بخاري مساندة مالية للقوى الامنية والعسكرية، وانه لو لم يكن ثمة استعداد من الجانب السعودي للمؤازرة والدعم لما كانت الدعوة وجهت اليه لزيارة المملكة ناهيك عن البحث معه في التفاصيل المالية والنقدية.
وسط هذه الأجواء قفزت مجددا تداعيات حادث الكحالة الذي تسبب به انقلاب شاحنة ذخيرة لـ”حزب الله” على كوع البلدة وحصول اشتباك أدى الى مقتل احد أبناء البلدة وعنصر من مجموعة الحزب المواكبة للشاحنة من خلال استدعاء مخابرات الجيش أربعة شبان من البلدة الى التحقيق، ومن بين الاربعة شرطي البلدية، علماً أن سيارة الشرطة تعرضت لإطلاق نار وتكسير زجاجها. وفي التفاصيل، أن مقر المخابرات في بعبدا، أجرى اتصالات بالشبان الثلاثة طالباً منهم الحضور امس إلى المقر. ولدى سؤال الشباب عن سبب الاستدعاء، كان الجواب: “وقت اللي بتجوا بتعرفوا”. ورفض الشبان الاستجابة لطلب المخابرات في بعبدا، بدعم من أهالي الكحالة وفعالياتها، وللغاية عُقد اجتماع عاجل ليل اول من أمس في البلدية، صدر على أثره بيان تم التأكيد فيه أنّه “لا يجوز أن يبدأ التحقيق بمساءلة الناس العُزّل المتواجدين آنذاك من أبناء الكحّالة، عوض التركيز على المجموعة المسلّحة التي فتحت نيران أسلحتها الرشّاشة عليهم لترهيبهم، وهذا ما حاول صدّه الشهيد فادي بجّاني الذي سقط برصاص المسلّحين المدنيين، حيث الأدلّة واضحة بالصّوت والصورة”. كما اعتبرت أنّ التحقيق واجب لإحقاق العدالة، إلّا أنّه يجب أن يبدأ من مكان آخر، فلا يتساوى المعتدي بالمعتَدى عليه”.
واكد نائب رئيس بلدية الكحالة غسان الزغبي لـ”النهار” أن “هناك رفضاً واضحاً من البلدة لتسليم الشبان الأربعة، ولو بمثابة شهود عيان ، قبل أن يقوم القضاء باستدعاء من يجب استدعاؤهم من الجهة المقابلة أي جهة “حزب الله”، الذين باشروا أولاً بالاعتداء على المواطنين العزّل في البلدة”. وقال: “لن نسلّم أحداً، نريد أن يأخذ التحقيق مجراه بعدالة وإنصاف، نحن تحت سقف القانون والدولة، “بدن يروقو علينا شوي”، لا أحد يعيّرنا، لكن نرفض الظلم. فجرحنا بمقتل جو بجاني لم يندمل بعد، خصوصاً أن لا شيء في ملفه حتى الساعة، وبالتالي، نرفض الظلم علينا، والتحقيق يجب أن يبدأ من المكان “الصح”، أي بمن قتل فادي بجاني”.
واثار استدعاء الشبان الأربعة ردود فعل ساخطة ورافضة لاعادة تجارب تركت ندوبا عميقة في كل مرة كانت تستهدف ضحايا السلاح والاستقواء وتراعي “حزب الله” بما تركته من اثار خطيرة على صورة القضاء والعدالة . ولذا جرى تسريب معلومات أفادت ان الأجهزة حصلت على إفادات خطية لشهود عيان من “الحزب” وان المخابرات تقوم بالإجراءات المطلوبة من الطرفين كشهود عيان . وقد علّق رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميّل على هذا التطور قائلا : “استدعاء أهالي الكحالة المعتدى عليهم في عقر دارهم مرفوض . حذار الاستمرار بضرب المساواة بين اللبنانيين، وحذار أن ينجر القضاء ليكون شاهد زور . نقف الى جانب أبناء الكحالة ونساند المواقف التي تصدر عنهم ولن نسكت عن الحق”.
بدوره، اعتبر عضو تكتل الجمهورية القوية النائب غياث يزبك ” إن التمادي في ترفيع القتَلة الى مصاف القديسين، أدى بأهالي الكحالة الى تطويب من دافعوا عن كراماتهم، وعن حق. لقد رفضت الكحالة استدعاء عدد من ابنائها الى التحقيق قبل تسليم قتَلة فادي بجاني الى العدالة.. نعم، سيَكون قديسون ومزارات وفوضى على كل كوع، ما لم ينصَع حزب الله للدولة”.