13-08-2023
محليات
|
عربي بوست
مخيم عين الحلوة.. أول الأسباب اللبنانية
بحسب المصدر الدبلوماسي، فإن المملكة أبدت قلقها من الأحداث التي شهدها مخيم عين الحلوة من زوايا متعددة، أهمها ما تردد حول تزويد حزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية بالسلاح والمعدات اللوجستية للمجموعات الإسلامية، التي كانت تقاتل بغطاء كبير من الحزب، على اعتبار أن من عادوا من سوريا متشددون وسلفيون باتوا مؤخراً حلفاء للحزب، بهدف تنويع السيطرة الفلسطينية.
ويأتي هذا في ظل سيطرة حركة فتح على أكثر من 50% من المخيمات إدارياً وأمنياً. وهذه الخارطة لم تشهد تبدلات ميدانية فعلية خلال المعارك، لكن الهزيمة التي واجهتها حركة فتح كانت في عدم قدرتها على الحسم، ما أدى لضربة معنوية لها.
ووفقاً للمصدر المطلع على المواقف الخليجية، فإن لدى السعودية تخوفاً من أن الإمارات التي تراجعت علاقتها في المرحلة الماضية مع السعودية تتسلل إلى المخيمات وإلى بنية حركة فتح في لبنان، المحسوبة سياسياً على السعودية.
هذا التسلل- بحسب المصدر ذاته- يأتي من خلال مستشار رئيس الإمارات محمد دحلان، الذي بات حاضراً بشكل كبير في مخيمات الشمال والجنوب، عبر كوادر انفصلت عن فتح، أبرزها العميد محمود عيسى، الملقب بـ "اللينو"، والذي ينشط بدعم من زوجة دحلان.
وعليه، فإن تجميع الإسلاميين المتشددين العائدين من سوريا والعراق فتح الباب أمام تساؤلات مهمة، ما إذا كان هنالك من يريد الاستثمار في هذه الأعمال الأمنية بدفع إقليمي، قوامه النظام السوري وحزب الله من جهة، ومصالح الإمارات من جهة أخرى، وهذا ما أزعج الرياض.
الجيش اللبناني يُغلق مداخل مخيم عين الحلوة/ رويترز
الجيش اللبناني يُغلق مداخل مخيم عين الحلوة/ رويترز
تقارُب باسيل وحزب الله.. ثاني الأسباب اللبنانية
ويشدد مصدر حكومي مطلع أن موقف الرياض بالطلب من مواطنيها مغادرة لبنان فوراً، ليس مرتبطاً بتطورات مخيم عين الحلوة فحسب، بل له أسبابه اللبنانية.
فقد كان لافتاً أن الرياض وواشنطن خلال الاجتماع الخماسي في الدوحة، منتصف الشهر الماضي، كانتا متفقتين على فكرة الضغط والعقوبات على الأطراف السياسية الحليفة لحزب الله، والتي تعطل الاستحقاق الرئاسي.
وكان الطرفان قد اقترحا إصدار موقف مشترك يقضي بمنع المواطنين الخليجيين من السفر للبنان، إلا أنه وبطلب قَطري- مصري، جرى تجميد القرار.
فيما يعمل أعضاء من أصول لبنانية على إصدار قرار عقوبات تشمل كل المسؤولين السياسيين المعطلين للاستحقاق الرئاسي، وتحديداً رئيس مجلس النواب نبيه بري، كونه الأداة التشريعية لحزب الله في لبنان، والذي يمسك بالجلسة البرلمانية لانتخاب الرئيس.
وعقب البيان الصادر عن اجتماع الدوحة، في 17 يوليو/تموز، والذي حمل موقفاً واضحاً لجهة انتخاب رئيس بمواصفات لا تشبه مرشح حزب الله والنظام السوري (سليمان فرنجية)، كان رد حزب الله عليه بالذهاب باتجاه الحوار مع حليفه السابق جبران باسيل.
هذا الحوار قد ينتج عنه انتخاب فرنجية المخالف للإجماع الإقليمي والدولي ويكرس سلطة الحزب والنظام السوري لبنانياً، ما أزعج الدول المعنية وتحديداً السعودية، والتي كانت تعول على بقاء الخلاف الرئاسي بين باسيل وحزب الله.
لذا فإن الدول العربية باتت متأكدة أن حزب الله لا يريد التسوية، بل يريد تثبيت سيطرته على لبنان، وبالتالي فإن السعودية ومن خلال قرارها الأخير تؤكد بشكل واضح أنها غير معنية بأي حل مستقبلي للبنان، وهي ستبقى خارج أي معادلة إلى أن يتغير الظرف.
اليمن.. أول الأسباب الإقليمية
فيما لا تنفصل المواقف السعودية في لبنان عن كل التحولات التي تشهدها المنطقة، في ظل توتر يلفّ أجواء المصالحة التي ظهرت بعد الاتفاق السعودي- الإيراني في الصين، على وقع تجدد التوترات في ملفات عديدة بين الإيرانيين والسعوديين.
هذا التوتر ظهر وسط حالة الاستعصاء الحاصلة في اليمن، وتمسّك جماعة الحوثي بمطالب سياسية وأمنية مخالفة لما جرى التوافق عليه سابقاً، وإصرار الجانب الإيراني على إحالة الملف لحزب الله لمعالجته.
وبحسب مصدر دبلوماسي عربي، فإن الرياض حريصة على حل الملف مباشرة مع إيران، أي من دولة لدولة، وليس من دولة لميليشيا مسلحة، وهو ما أدى لتحرك جديد على الجبهات العسكرية، مع الإعلان عن هجوم مباغت للحوثيين جنوب اليمن، في أول تحرك ميداني منذ فترة طويلة.
بالمقابل، يؤكد المصدر أن الموقف الإيراني يحمل في طياته جانباً من "الهروب من نقاط الاتفاق"، عبر المطالبة بحصة في حقل "الدرة" النفطي المشترك بين السعودية والكويت، الأمر الذي أدى لتوتر سياسي عبر البيان المشترك للسعودية والكويت، بتعزيز ملكية هذا الحقل كاملة للسعودية والكويت وألّا حصة إيرانية فيه.
تراجع النظام السوري عن وعوده.. ثاني الأسباب الإقليمية
أما في سورياً، فقد تراجعت الحماسة العربية للتطبيع مع نظام بشار الأسد، بعد تأجيل متعمد لتعيين سفير سعودي جديد في سوريا، والتأجيل الحاصل لافتتاح السفارة السورية، رغم انتهاء أعمال ترميم السفارة السعودية.
وتشير المعلومات من مصادر سورية مطلعة أن رئيس المخابرات السعودية خالد الحميدان أبلغ الرئيس السوري بشار الأسد، أن بلاده لن تعين سفيراً لها ما دام النظام لا يلتزم بما تعهّد به في القمة العربية والاجتماعات التشاورية لوزراء الخارجية العرب.
هذا إضافة إلى الواقع المتأزّم الذي تكرّسه سياسات النظام في ملفات مكافحة المخدرات والتهرب من خطوات إعادة اللاجئين وإيجاد حل سياسي وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
وتؤكد تلك المصادر أن الرياض أمهلت النظام حتى نهاية العام الحالي للالتزام بهذه التعهدات، أو ستذهب المملكة ودول عربية أخرى باتجاه وقف أي تعاون أو تنسيق أو أي برنامج دعم محتمل، أو المساهمة في رفع العقوبات الأمريكية عن النظام.
ضغوط واشنطن.. الأسباب الدولية
ما يعزز هذه السردية ما يجري في شمالي سوريا من ارتفاع مستوى التعاون الروسي- الإيراني، في مقابل تعزيزات أمريكية، وسعي لإقامة تعاون وثيق بين قوات سوريا الديمقراطية والعشائر السنية، وصولاً إلى العراق، لإغلاق المنطقة بوجه المجموعات المتحالفة مع إيران.
هذا يعني الإطباق على الطرق البرية التي تربط بين إيران ولبنان، المسماة "خط إمداد الممانعة"، ولذلك أيضاً توقفت مسيرة التطبيع العربي مع دمشق، وتبددت معها الأجواء التفاؤلية التي سادت، لتعلن دمشق على لسان وزير خارجيتها منذ أيام، خلال زيارته إلى طهران، وجوب خروج القوات الأمريكية من سوريا.
وبحسب المصدر الدبلوماسي المطلع، فإن حصول تطورات إيجابية بين واشنطن والرياض أدى لوقف الاندفاعة نحو النظام السوري، خاصةً في ظل الزيارات المتكررة لمسؤولين أمريكيين، أبرزهم مستشار الأمن القومي جاك سوليفان، إلى الرياض، والشروع بإرسال قوات أمريكية من "المارينز" إلى الخليج، والمطالبات السعودية بضمانات أمنية أمريكية ثابتة وكاملة بأمن دول الخليج العربي.
هذا إضافة إلى- بحسب المصدر- تزويدها بالنظام الدفاعي الجوي الأمريكي الأكثر تطوراً والأحدث "تاد"، فيما اقترح سوليفان الذهاب إلى اتفاقية دفاعية أمنية وعسكرية لمدة 45 عاماً.
ويرى المصدر أن اتفاقاً كهذا ينعكس بشكل مباشر على علاقة الرياض وطهران، وقد يؤدي إلى انهيار الاتفاق أو تجميده، ما يؤشر إلى أن الاستنفار الأمريكي في سوريا والخليج قد يؤدي إلى انفجارات متتالية في سوريا ولبنان، كونها الترجمة المباشرة لأي تصعيد سيحصل.
بالتوازي، تصاعدت وتيرة الاحتكاكات الإيرانية بناقلات النفط في الخليج العربي بهدف احتجازها، والرسالة واضحة هنا، وتتعلق بالمكاسب الاقتصادية التي تريدها إيران من إيرادات الممرات البحرية للنفط.
ولذلك أرسلت واشنطن تعزيزاتها الجوية المتطورة، وباشرت بتطبيق فكرة وضع جنود للمارينز في كل ناقلة نفط، ما يعني أن أي سعي جديد لاحتجاز ناقلة نفط سيؤدي حكماً إلى صدام عسكري مع الجيش الأمريكي.
كذلك فإن إيران باتت ممتعضة وبشكل واضح من حالة التقارب التركي- السعودي مؤخراً، وما نتج عنه من اتفاقيات استراتيجية، وخاصةً بعد توقيع اتفاقية تصنيع المسيّرات التركية المتطورة في السعودية، والتي قد تغيّر مجرى أي معركة مستقبلية في حال اندلعت، في ظل استخدام الحوثيين للمسيّرات الإيرانية الانتحارية.
المواجها بين الحوثيين ونظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح المدعوم من الرياض عام 2004، والتي تكررت مراراً، وشهدت في بعض الأحيان تنفيذ هجمات حوثية ضد الأراضي السعودية.
وعندما قامت ثورة شبابية في اليمن توسطت السعودية ودول الخليج بين النظام والثوار عبر ما عُرف بالمبادرة الخليجية التي أفضت إلى تولي حكومة انتقالية للسلطة برئاسة عبد ربه منصور هادي، ولكن الحوثيين استغلوا الفوضى ليستولوا على صنعاء ومعظم البلاد، ثم تدخلت الرياض والإمارات وبعض دول الخليج الأخرى فطردتهم من عدن ومعظم مناطق الجنوب، ولكن بعد ذلك أخفقوا في هزيمتهم بالشمال الأكثر وعورة.
مقاتلون من جماعة الحوثي في اليمن/رويترز
ورغم القصف السعودي الواسع لمواقع الحوثيين، فإنهم تمكنوا عبر الجغرافيا الجبلية للبلاد، والطبيعة المقاتلة للشيعة الزيدية في شمال اليمن، إضافة إلى الدعم الإيراني، من التحول إلى قوة لا تسيطر فقط على معظم اليمن الشمالي، بل طوروا قوة صواريخ وطائرات مسيَّرة باتت تطال السعودية والإمارات، وتمثل ضغطاً على المناطق الحساسة في البلدين الثريين مثل المدن الرئيسية والمطارات والمنشآت النفطية.
وتعقد السعودية محادثات سرية مباشرة في سلطنة عمان مع جماعة الحوثي منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022، وقد يكون للاتفاق الإيراني السعودي تأثيرات إيجابية على هذه المفاوضات، حسب صحيفة The Guardian البريطانية.
في هذه المحادثات، تريد جماعة الحوثي إنهاء القيود السعودية على مطار صنعاء وميناء الحديدة، إضافة إلى دفع الرياض جميع الرواتب الحكومية، وضمن ذلك رواتب خدمات الجيش والأمن، مقابل مد أمد الهدنة. كذلك تريد جماعة الحوثي من الرياض الانسحاب من الحرب، والتوقف عن دعم حكومة اليمن المعترف بها دولياً في عدن، ودفع الأموال اللازمة لإعادة الإعمار.
وقد تذكّر هذه الشروط بالنموذج الذي كان سائداً في لبنان قبل سنوات، حينما كان الحكم في البلاد شراكة مضطربة بين حلفاء السعودية من ناحية وحلفاء إيران ونظام الأسد من ناحية أخرى، شراكة تتيح السيطرة الأمنية لحلفاء إيران وبقاء الحالة الميليشياوية أعلى من سلطة الدولة، كل ذلك في الحالة اللبنانية يتم والدولة يتم تمويلها من قِبل السعودية والخليج، وبصورة أقل: الغرب.
المفارقة أنه قد يكون للرياض حافز لتنفيذ ولو جزء من هذه المعادلة في اليمن أكثر من لبنان؛ لمجاورته للسعودية، وحاجة المملكة لتأمين حدودها ووقف تهديدات الحوثيين.
ولكن السؤال هو: هل يلتزم الحوثيون بالمعادلة أم يفعلون مثل حزب الله ويستغلونها لتوسيع نفوذهم، خاصةً أن الحوثيين أقل التزاماً بأوامر إيران وأقل اكتراثاً بتأثيرات الضغوط الاقتصادية والأمنية والمعيشية للأزمات على مواطني بلادهم من اكتراث حزب الله بأزمات لبنان؟