10-08-2023
مقالات مختارة
|
نداء الوطن
نوال نصر
نداء الوطن
...وكأن بيروت مدينة ملعونة، بنيت على رمال متحركة، ما إن تستيقظ من كبوة حتى تسقط في أخرى. وكأن بيروت مثلها مثل مدينتي الزنا في إيطاليا «بومبي» و»قوم لوط» في الأردن، لا يحق لها أن تعيش. البارحة نزلنا إليها لنراها عن قرب. نزلنا إليها عند غروب الشمس لنرى إذا كانت تستمتع مثل كل المدن الأخرى بالثورة السياحية وليتنا لم نفعل.
بيروت تستمرّ للأسف قفرة نفرة، لا أنس فيها فقط جنّ تزعجهم عدسة مصوّر وعين صحافي. فماذا عن بيروت في صيف 2023 الموعود؟ رفيق الحريري كان يحلو له أن يتمشى في حنايا بيروت ويحلم بمدينة عالمية. هنا قتل، إستشهد، وكأن مع موته ماتت المدينة. طفل يتكلم الإنكليزية يلعب في دائرة ملطخة باللون الأحمر أمام فندق لوغراي. الفندق أقفل أبوابه هو أيضاً الى أمد. يدعس على عبارة محفورة على الرصيف: نعم، الصحافة الحرّة هي السلطة الأولى. لا يعرف هو معنى العبارة المكتوبة لكنه يضحك ويهرول ويلعب ويقفز في مكانه. قسم جبران موجود: نقسم بالله العظيم مسلمين ومسيحيين أن نبقى موحدين الى أبد الآبدين. صامد يبدو القسم.
الصحافة ممنوعة
هنا، دارت التظاهرات وتتالت الثورات وحدث صخب وكثير كثير من الحقد. صحيح، الشعب اللبناني يفترض أن يثور لا أن «يبلع الموس»- كما اليوم- ويغض الطرف... لكن، هل قطع أرزاق الناس ثورة تبدأ بكبسة زرّ وتنتهي بكبسة زرّ؟ صدقاً، ما عاد الناس يثقون بشيء. المتاريس الرسمية ما زالت تعترض السبيل.
ندخل الى شارع المعرض، الى جنبات البرلمان، برلمان الشعب يفترض، فيوقفنا عنصر أمني: ماذا تريدون؟ نرغب في التجول في شارع المعرض، في رئة بيروت، في مدينة يفترض أنها سياحية بامتياز. يتصلّ: سائلاً مرجعيته: ألو ألو... حاجز البلدية... نداء الوطن تريد الدخول؟ ندخل ونبدأ في التقاط التفاصيل قبل أن نسمع من يصرخ فينا: ماذا تفعلان؟ عنصران أمنيان يأمران: ممنوع التصوير. تحتاجان الى إذن. ممن؟ تأتون الى البرلمان في ساعات الدوام - بين التاسعة صباحاً والواحدة ظهراً - وتسجلان طلبكما وإذا وافق العميد تلتقطان الصور.
إذن؟ في رئة بيروت؟ في زمن السياحة الموعودة؟ إنها أوامر ونقطة على السطر. يعود المصوّر أدراجه ونتابع نحن التجوال بلا عدسة تصوير. هنا شارع 62 حسن الأحدب. هنا كان مقهى etoile suits. هنا كان أيضا Hagan Dazs.
وكان يا مكان في قديم الزمان. عبارات offices and shops for rent كثيرة. لكن، من يستأجر في منطقة مقفلة؟
إتصلنا بالشركة العقارية التي تضع اسمها على هكذا إعلانات JSK فقيل لنا: نتصل بكم لاحقاً. ننتظر. هنا كنيسة مارجرجس للروم الأرثوذكس في ساحة النجمة. هي مغلقة أمام الزوار والمؤمنين.
نتابع في التفاصيل، لا أحد إلا نحن والحمام الزاجل وساعة العبد. لأول مرة ننظر إليها كثيراً ونقلق على توقيتها في هذا الزمن السيئ. نقف لنقرأ ما كتب تحتها، عن ميشال عبد الذي قدمها العام 1933، فيصرخ علينا عنصر أمني قائلا: ممنوع أخذ الملاحظات! ماذا؟ ممنوع ان نقرأ عن ساعة العبد؟ نضع القلم جانباً ونعود لنتابع لكنهم نادوا على «علوش». هو شاب وصل للتوّ على دراجة نارية. قالوا له: هل مسموح أن يتجول صحافي في شارع المعرض؟ أجاب علوش: بلا إذن لا. قلنا له: نريد أن نتمشى كمواطنين، أن نتفرج على وجع العاصمة، أن نرى إذا كانت السياحة قد مرّت من هنا. الإجابة أتت مجدداً حاسمة: الأوامر أوامر.
أخبار ذات صلة