08-08-2023
محليات
|
نداء الوطن
راكيل عتيّق
راكيل عتيّق
حزب «القوات اللبنانية» كان أوّل من قدّم مشروع للامركزية الإدارية عبر وزيره في الحكومة الأولى بعد «اتفاق الطائف». وفي السنوات الأخيرة، طرح رئيس «القوات» سمير جعجع اللامركزية الموسّعة وإعادة النظر في تركيبة الدولة، في أكثر من محطة ومناسبة. وبات الانتقال من الدولة المركزية إلى اللامركزية أمراً محتماً بالنسبة إلى «القوات»، ويجب أن يكون بنداً أساسياً وهدفاً في المرحلة المقبلة. فبعدما وصلت الدولة المركزية إلى الفشل الكبير، يجب الاتجاه تدريجياً إلى واقع لامركزي يؤمّن الحفاظ على تعددية المجتمع اللبناني ويحقّق الإنماء المتوازن الوارد في «اتفاق الطائف»، ويدفع إلى مسار وطني جديد.
لكن «القوات» تعتبر أنّ هذا حق بديهي للبنانيين من خلال الدستور، وليس «منّة» من أحد. ولا يجب تكريسه على أنّه «عطية» من فريق، ما يعني أنّ هذا الفريق هو «ناظم» الدولة ومرشدها. لذلك تنظر «القوات» إلى طرح رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل إجراء مقايضة مع «حزب الله» بين اسم رئيس الجمهورية العتيد وإقرار اللامركزية الإدارية المالية الموسّعة والصندوق السيادي، على أنّه استسلام للأمر الواقع و»إذعان» لـ»حزب الله» وليس تسوية.
باسيل لم «يُشاور» المعارضة حيال هذه «المقايضة» قبل طرحها على «حزب الله» وإعلانها. وينحصر حدود النقاش بين باسيل والمعارضة ومن ضمنها «القوات» عند حدود التقاطع على ترشيح الوزير الأسبق جهاد أزعور، من دون البحث في أي مواضيع سياسية أخرى. وكانت «القوات» رفضت البحث مع باسيل في البرنامج الرئاسي الذي جال به على القوى السياسية، إذ بحسب «القوات» إنّ البرامج يجرى الانقلاب عليها، والأهم «الشخص»، وأن يصل أشخاص مستقيمون ونزيهون إلى مواقع المسؤولية لتنفيذ وتطبيق ما يتكامل مع اقتناعاتهم وأفكارهم وأن يكونوا حريصين على المؤسسات والدستور.
الطرح الذي أعلنه باسيل «يدغدغ» مشاعر المسيحيين الذين يتوقون إلى أي نوع من اللامركزية يحقّق لهم الإنماء المطلوب وأبسط الخدمات الحياتية. لكن «القوات» لن تنجرّ إلى «خيارات شعبوية» وإلى منح «حزب الله» ما يريده خصوصاً مقابل ما ليس ملكاً لـ»الحزب» بل حقاً لجميع اللبنانيين.
عملياً، هناك تفاوت في وجهات النظر تجاه اللامركزية الإدارية، فلا وحدة موقف حتى على مستوى المعارضة في طريقة النظرة إليها. لكن «الثنائي الشيعي» هو من يحول دون تطبيقها. وترى جهات عدة، أنّ رفض تطبيق اللامركزية ليس مسألة تفصيلية بالنسبة إلى «الحزب» بل ضمن نظرته الاستراتيجية. فالسلاح هدفه السيطرة على الدولة وقرارها الاستراتيجي، لذلك يريد «الحزب» أن يسيطر على مركزية الدولة التي يسيطر عليها، وأن يكون ممسكاً بقرارها الاستراتيجي وحدودها، وفي الوقت نفسه مسيطراً على كلّ ما يتعلّق بمالية الدولة اللبنانية.
لذلك قد يرفض «الحزب» «المقايضة» مع باسيل، أو قد «يسايره» بالموافقة على لامركزية إدارية بصلاحيات أو موارد مالية محدودة لإظهار أنّه «انتزع» مكسباً للمسيحيين مقابل «نزوله عن الشجرة» وانتخاب رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية رئيساً. لكن إقرار أي قانون لا يعني تطبيقه، وهذا ما اختبره باسيل شخصياً، فحتى في عهد الرئيس ميشال عون لم تبصر محافظة كسروان – جبيل النور على رغم أنّها أقرّت بقانون منذ سنوات. هذا فضلاً عن التجارب السابقة مع «حزب الله» الذي انقلب على اتفاق الطائف» و»اتفاق الدوحة» وإعلان بعبدا وكثير من التفاهمات السياسية... وبالتالي إنّ التسوية ليست مسألة وثائق واتفاقات بالنسبة إلى «القوات».
كذلك، حتى لو تمّت هذه «المقايضة» بين باسيل و»حزب الله» فهذا لا يعني أنّها ستسير، فهذا قرار وطني كبير، ولا ضمانة أنّ كلّ الكتل النيابية ستسير بها. هذا فضلاً عن أنّ باسيل «ربط» هذه المقايضة ليس بتعهد شفهي بل بقوانين مقرّة وبمراسيم تنفيذية تحققها. وهذا يعني أنّه يطرح أمراً تعجيزياً، فمجلس النواب بالنسبة إلى المعارضة هيئة انتخابية وليس تشريعية، وإنّ بنديْ اللامركزية والصندوق السيادي يتطلّبان ورشة على مستوى الكتل النيابية. فضلاً عن أنّ الصندوق الائتماني سيكون مسؤولاً عن ثروات اللبنانيين المستقبلية، ولا يجب أن يكون مدخلاً إلى سرقة أموالهم مثلما نهبت ودائعهم في المصارف، و»عين» الخارج ستكون عليه ولا يتحقّق بمقايضة مقابل الرئاسة، بل إنّه واجب يُفترض تطبيقه تماماً كما حقّ اللامركزية.
كذلك إنّ هذه «المقايضة» بين باسيل و»الحزب» إذا حصلت لا تعني انتخاب فرنجية رئيساً. فلا يظهر أنّ كتلة «اللقاء الديموقراطي» أو الكتل السنية ستحسم موقفها في هذا الاتجاه، خصوصاً أنّ تسوية باسيل - «الحزب» ستخلق ردَّ فعلٍ سلبياً لجهة أنّها تعني إعادة تسليم البلد إلى «الحزب». هذا إضافةً إلى المواقف الخارجية التي تؤثّر على المواقف الداخلية والتي قد ترى في هذه التسوية «تقوية» لـ»حزب الله».
منطق المقايضة مرفوض من «القوات» من أساسه، وتعتبر أنّ «مطلب» باسيل بحد ذاته مهين ومسيء للمسيحيين ولجميع اللبنانيين، فهذا حق مكتسب. أمّا مفهوم التسوية بالنسبة إلى «القوات» فهو نقل البلد من مرحلة إلى أخرى وليس التسليم بالأمر الواقع. والتسوية تكون كما حصل إثر أحداث 1958، عندما أطلق الرئيس الراحل صائب سلام معادلة «لا غالب ولا مغلوب». وبالتالي يجب التمييز بين الإذعان والتسوية، فالتسليم بوصول فرنجية مهما كان «المقابل»، هو إذعان واستسلام. والمطروح الآن لا يشكّل مقومات تسوية بالنسبة إلى «القوات»، بل يعني محاولة فرض شروط سياسية من «الحزب» انطلاقاً من المنطق نفسه: تعطيل الدولة حتى يسلّم الجميع بشروطه.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار