مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

دود الأكل منّو وفيه

07-08-2023

مقالات مختارة

|

إينوما

طارق حسون

.

رداً على الكاتب ياسين شبلي في موقع جنوبية بقلم طارق حسون

 

حديث الكاتب ياسين شبلي عمّا يُسمّى بـ "ثنائية مارونية"، اُسوةً بالثنائية الشيعية، في مقاله بعنوان "الى الثنائي الماروني...اُكلتم يوم اُكل سعد الحريري"، هو خطأ مبدئي وبالأساس، وربما يكون السيد شبلي قد تقصّد الزجّ بإسم القوات اللبنانية في هذه "الثنائية" المزعومة لمحاولة تشويه صورتها وأخذها بجريرة التيار العوني على طول الخط، انطلاقاً من مبدأ التعميم والتسطيح والتبسيط ورمي الاتهامات جزافاً، الذي يعفي الكاتب والجهة التي يُعبّر عنها، ويُريحهما، من مهمة التفكير والتحليل والتشريح وتحمّل المسؤولية والوقوف امام مرآة النفس، بغية اعادة مراجعة المرحلة السياسية السابقة التي اصبح فيها "الأوّلون آخرون والآخرين اولّين"، وانتزاع اشواك المساومة والتنازلات والرمادية وحب السلطة العالقة على الأكمام والظهر والأكتاف والأرداف الحزبية والوطنية والعربية والدولية، وذلك لمحاولة فهم حقيقةً ما جرى، ولماذا وصلت المعادلة السياسية بالبعض الى طريقٍ مسدود، ومن ثم الاتعاظ من دروس الماضي واخطاءه الكثيرة، حتى لو اقتضى ذلك المساومة والرمادية وتربيع الدوائر وتدوير المربعات مع حزبٍ شمولي لا تنفع معه سوى لغة المواجهة السياسية الواضحة المعالم والمواقف والتوجهات، تماماً كسياسة القوات اللبنانية منذ عام 2005 وحتى اليوم؛ وخصوصاً ايضاً ان تبيان الخيط الوطني السيادي الأبيض، من خط المساومة والرمادية والتنازلات الأسود، هو اسهل عمل يمكن لإنسان القيام به، ولا يستدعي من الكاتب هذا الكم من التعميم، ولا مزج العونيين مع القوات، كمن يمزج السم بالعسل، ولا تضييع البوصلة لتضييع الشنكاش، والتعمية عن مسارٍ طويلٍ عريض من التردد والتخبط والضياع وسياسة "جحي مش قوي غير ع اهل بيتو"، والذي اُكل بنتيجته من اُكل، بعد ان اغتيل قبله من اغتيل، وبُح بنتيجته صوت من بُحّ لمحاولة تحذير من اُكل قبل ان تصل به المعادلة السياسية اصلاً الى الأكل، خصوصاً لجهة التحفّظ على اتفاق تكريس معادلة 7 ايار في الدوحة 2008، والتحفّظ على اجتماعات باريس الرئاسية عام 2013، والتحفظ على تكريس مرشح رئاسي من 8 آذار اعتباراً من تشرين الثاني 2015، ومحاولة التصدي لموضوع الثلث المعطل، ومحاولة عرقلة الصفقات الحكومية وليدة التسوية الرئاسية، التي ادت الى توريط من "أُكل" واحراقه شعبياً وسياسياً؛ واستخدام السياسة الصارمة والمواجهة المبدئية مع محور الممانعة بعيداً عن الميوعة، وعن سياسة الأركيلة العجمية وابو العبد البيروتي؛ ثم اعادة تنبيهه من جديد بعد ان "اُكل"، لمحاولة انقاذ نفسه قبل التعرض للهضم و"الفرز"؛

عندما كان واحدٌ من "الثنائي الماروني" المزعوم، متحالفاً مع الثنائي الشيعي، يحاول "اكل" سعد الحريري وتياره، سواء عند محاصرة السراي او عند استقالة الثلث المعطل عام 2011 وإخراج الحريري من السلطة، او عند "الإبراء المستحيل" والدعاية الهدّامة وغير الهدّامة، او عند تبرئة الجناة وتسخيف الاغتيالات وتشويه سمعة المحكمة، او من خلال العمل على تحقيق شعار "وان واي تيكيت" الذي عاد وتحقق، اقلّه مرحلياً في الآونة الأخيرة، كان الطرف الثاني من "الثنائي الماروني" المزعوم، يتصدّى لكل محاولات الأكل والهرس والهضم والفرز.

 

فهل يعقل ان تكون الذاكرة مثقوبة الى هذا الحد؟ وهل لصق القوات بالتيار العوني عبر ـحركة سريعة من لاصق "الباتكس" لجعلهما ثنائية واحدة مزعومة، يستطيع الغاء او تزوير مسارٍ تاريخي طويل من التباعد الوطني والسيادي والستراتيجي بين الطرفين؟ وهل يستطيع ان يغش احد بمتانة وصلابة هذه الرابطة الثنائية اللاصقة المزعومة؟

 

هل حرف الحقيقة عن مسارها، والتلاعب في وجهة الحق، يُصحح الخلل في الخط البياني السياسي والوطني الذي وصل بنتيجته من وصل الى "الأكل"؟ ام ان ذلك يُكرس نهائياً مبدأ الأكل، انطلاقاً من تكرار الأخطاء نفسها، والتعمية عن المعالجات الجذرية المطلوبة، وتالياً فقدان اي امل، ليس في إعادة ما اُكل من الأمعاء الى الصحن السياسي، إنما فقدان كل امل بمجرد اجترار ما اُكل حتى ولو على شاكلة بقايا اطعمة وترسبات.

 

واذا اعتقد هذا الكاتب وسواه من ماكينة الضخ الاعلامية المهترئة، ان استخدام مصطلح "الثنائي الماروني" يُحرج القوات ويطالها اعلامياً في نقطة ضعفٍ شعبية وسياسية معينّة، فإن هذا المصطلح، بالمعنى الذي قصده هذا الكاتب، ليس دقيقاً بالمرّة، اولاً، انطلاقاً من التباعد الستراتيجي والسياسي وحتى السلوكي بين الطرفين الذي تكلمنا عنه اعلا؛ وثانياً، انطلاقاً من ان القوات والتيار العوني ليسا حزبين مارونيين، لا بالمعنى العقائدي الديني الماروني للكلمة، ولا بالمعنى الحزبي العضوي، بوجود قاعدة وقيادة، ليست محصورة بالموارنة فحسب، بل بكل المسيحيين وكل اللبنانيين، بخلاف ما عليه واقع "الثنائية الشيعية" التي تقوم على شيعية حزبية، ويتبنّى واحدٌ من طرفيها على الأقل مفهوم ولاية الفقيه والعقيدة الشيعية منطلقاً وقاعدةً لعمله السياسي.

 

فالمعركة الوطنية السيادية الكبرى كانت تقتضي توسيع حصة القوات داخل السلطة ليس طمعاً بالمناصب والمواقع، انما لإحقاق الحق وتطبيق مبدأ صحة التمثيل من جهة، ومن جهة ثانية تجويف شعارات التيار العوني التي على اساسها بقي واستمر ونما داخل البيئة المسيحية، على الرغم من تحالفه مع الميليشيا الايرانية ونظام الأسد، وعلى الرغم من سيره عكس الوجدان التاريخي المسيحي، وارتكابه كل انواع الموبقات الأنتي مسيحية سياسياً واخلاقياً ودستورياً ومالياً ودولتياً وكهربائياً....

مشكلة الكاتب وغيره، انه لا يعرف الكثير عن تاريخ القوات اللبنانية ولا عن الروح التي تحركها عبر الأجيال فشتّان ما بين حياة ملعقة الذهب وحياة الظلم والقهر والقمع، جل ما يريد ان يعرفه هو ان القوات كانت ميليشيا خلال الحرب، وعلى هذا الأساس نعرف نقاط ضعفها، فنستطيع ابتزازها وامساكها من اليد التي توجعها لترويضها وتحجيمها وتحديد اطر تحركها السياسي؛ نمنحها "الغطاء" الاسلامي والوطني عندما تكون قاعدة "عاقلة في الصف"، ونحجبه عنها عندما لا نريد ان نُغضِب باسيل وحزب الله. هذه المقاربة السطحية لماهية القوات سببٌ اضافي في وصول الأمور الى ما وصلت اليه لاحقاً من "اكل وهضم".

ان تتقاطع القوات مع التيار العوني على موقفٍ واحد في محطةٍ سياسية مُعينّة، لا يعني انتفاء التمايزات الباقية حول عشرات المحطات الباقية، ولا يعني ان هناك "ثنائية مارونية" موجودة. من يريد ان يرى بعين واحدة فهذه مشكلته، وهذه عقدته، وهذا افلاسه الدعائي والاعلامي الآخر. فالمنطلقات التي املت على القوات عدم تسمية الحريري لرئاسة الحكومة في ما مضى، هي نفسها المنطلقات التي املت عليها عدم تسمية ميقاتي 2011 ومصطفى اديب وحسان دياب وميقاتي2، تختلف التسميات والنتيجة واحدة، وهذا لا علاقة له بموقف التيار العوني من عدم تسمية الحريري سابقاً، فموقف القوات مبدئي ولمصلحة الحريري، اما موقف التيار العوني فكان لتقييد الحريري بتنازلات سياسية وادارية كبيرة، وقد كانت القوات محقّة بحيث ان الحريري عاد واعتذر عن التكليف ذاته الذي لم تسمّه القوات فيه، حمايةً له من ذئاب الممانعة.

 

ليست القوات هي السبب في "اكل" سعد الحريري، لأن تطور المسار السياسي للقوات وسعد الحريري منذ 2005 بالأساس، كان يصب في اتجاهين مختلفين: اتجاه القوات نحو مواجهة محور الممانعة وعدم الرضوخ او التطبيع معه تحت اي طائل، واتجاه الحريري للتنازل والتراجع تحت ادنى ضغط.

 

هذان الاتجاهان اديا مع الوقت الى تضاعف وجود القوات في المعادلة النيابية والوطنية، وتراجع الحريري في هذه المعادلة، وهذا لا دخل له بالعلاقة الثنائية او بالتجاذب بين القوات والحريري، إنما بالعلاقة الثنائية بين القوات ومحور الممانعة من جهة، والحريري وهذا المحور من جهة ثانية، بحيث ان التطورات اللاحقة اثبتت صحة المقاربة القواتية تجاه محور الممانعة، لحدّ الآن.

 

وبما انه لا وجود لشيء اسمه "ثنائي ماروني" الا في مخيلّة ماكينة الضخ المهترئة، لذلك فإن كل الاستنتاجات التي ساقها الكاتب ياسين شبلي انطلاقاً من هذه التسمية، هي باطلة كونها قامت على معطى خطأ.

 

فالكاتب يتجاهل ان الفراغ الرئاسي الذي يُرجعه "للثنائي الماروني"، كان فراغاً حاول احد اطراف هذا الثنائي المزعوم سدّه بالانتخاب، ثم عبر المطالبة بجلسات انتخابية متتالية، فيما الطرف الثاني من هذا "الثنائي" كان مشاركاً كامل المواصفات مع الثنائي الشيعي في انتخاب الاوراق البيضاء والأشباح، وفي تطيير نصاب الجلسة الثانية لانتخاب الرئيس.

 

فهل يصح، انطلاقاً من ذلك، اطلاق تسمية الثنائي الماروني، على ما هو "خلافي وطني، وليس فقط ماروني، بين فريقين سياسيين حزبيين؟ وكيف استطعت ان تجمع فعلين متناقضين في تسميةٍ تآلفية انسجامية ثنائية واحدة؟    

امّا بعد، اذا كان الكاتب، بعد هذا العرض الخنفشاري، الذي يمزج فيه شبعان برمضان،  يحاول بالتلميح والباطنية تهديد المسيحيين من مغبّة خسارة مواقعهم الدستورية، اذا لم "يخرجوا من شرنقتهم الى رحاب الوطن الأوسع"، فإن هذا النوع من الكلام والتهديدات، وهذه الاسطوانة الممجوجة حول "رحاب الوطن الأوسع" وسراب والوطن الأضيق، سبق ان اجترتها الدعاية العروبية ودعاية المنظمات طيلة ستينات وسبعيات القرن الماضي، لمجرد انتزاع المواقع والصلاحيات وايجاد وطن بديل، وتحويل كل اللبنانيين تبعاً لذلك الى مواطنين درجة ثانية لصالح رئيس دولة الفاكهاني والعرقوب حينها، ولاحقاً رئيس نظام البعث في سوريا.

 

فيا سيد ياسين شبلي، ليس بتزوير الوقائع والتاريخ، ولا بالفوضى والغوغائية في الكتابة يمكن لك او لسواك تخييرنا بين التخلي عن ارادتنا الحرة او التخلي عن مواقعنا الدستورية، لأن منطق الفرض الأعوج هذا هو ما اوصل لبنان الى الحروب والفوضى والخراب في السابق، وهو ما ارجع اصحاب هذا الشعار الى نقطة الصفر لمجردّ انه وبعد مرور 33 سنة على نهاية حرب لبنان، عادوا الى الصفر في الحديث عن الموضوع ذاته.

 

ليس اي طرح سياسي ودستوري راقٍ سواء كان اسمه الفدرالية او اللامركزية المالية هو الذي يوصل لبنان الحروب، إنما هذا المنطق الأعوج الذي ساد في لبنان قبل الحرب وتسبب في غشعالها، واستمر بعد عام 1990 وتسبب في انهيار الدولة اليوم.

 

قالها بطريرك الاستقلال الثاني وصانع مصالحة الجبل، غير المشكوك بوطنيته ونزاهته واعتداله وترفعّه، مار نصر الله بطرس صفير: "اذا خيّرونا بين العيش المشترك او الحرية، سنختار الحرية"....

وعندها ستخبزون بالأفراح!!                

ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما