05-08-2023
مقالات مختارة
|
نداء الوطن
سناء الجاك
سناء الجاك
بداية، يصرّ على تسمية جريمته "انفجاراً" وليس "تفجيراً"، ويروِّج أنّ السبب هو حادث مؤسف ناتج عن التّلحيم امتدّت شرارته إلى مفرقعات مكدّسة، فكان ما كان من تدمير لبيروت. ويسترسل في الطّرح "المبسّط" لظروف جريمة العصر، ويصوّرها وكأنّها وليدة الفساد والفوضى وسوء الإدارة، ولا متهمين بعينهم يجب أن يتمّ التحقيق معهم وتوقيفهم ومحاكمتهم ومعاقبتهم.
ويشطح المجرم وأبواقه، حتى يكاد يتهم ضحايا فوج الإطفاء بعدم الخبرة والإهمال من خلال تسرّعهم بفتح باب العنبر رقم 12، ما سمح للأوكسيجين بمفاقمة الشّرارات وتحويلها إلى قنبلة قاربت بمفاعيلها ما تسبّبت به القنبلة النووية على هيروشيما.
وهذا الطرح "المبسّط" هدفه إخراس أهالي الضحايا وإلزامهم بالاكتفاء بلعن النظام والسلطة والفساد والإهمال والكفّ عن المطالبة بالحقيقة الفعلية، وفرض "معزوفة التلحيم" عليهم.
وكان قد بدأ الترويج لها من اللحظة الأولى لجريمة العصر، والإيحاء بأنّ نصف كمية النيترات التي كانت في العنبر لم تستخدم في براميل النظام الأسدي لإبادة الشعب السوري، وإنّما طارت إلى البحر. المهم أنها طارت ولا لزوم لمعرفة أوسع.
هذا ما يجب أن يتضمّنه القرار الظني، كما تمّت صياغته وفق توجيهات المجرم الذي سعى منذ اللحظة الأولى إلى عرقلة التحقيق وشلّ أي تطور يمكن أن يؤدي إلى كشف ملابسات الكذب الممنهج، وصولا إلى إطلاق سراح جميع الموقوفين على ذمّة التحقيق عبر إجراءات وقحة وسيناريو ركيك، لا هدف له إلا القضاء على الحقيقة والعدالة.
وجهود المجرم هذه، لا تزال تستفزّ "أهالي الضحايا"، فهم ليسوا "عوائل الشهداء"، وأحبّتهم ليسوا "شهداء" قرّروا حمل أكفانهم ومواجهة الموت فداء لقضية يؤمنون بها. ومأساتهم لا تحتمل الصراعات المذهبية والسياسية، كما في قضايا الاغتيالات، التي يمكن ان تخلق أجواء انقساميةً بشأنها.
ولم تدفع وقاحة المجرم الصقور في صفوف الأهالي إلى الإحباط، فهم يتجدّدون في عنادهم على رفضهم طمس الحقيقة وقتل العدالة، مقابل العمل لإبقاء التحقيق مشلولا بحجّة أنه خاضع لمتآمرين يسيِّسون القضية بغية ربطها بالأحداث الإقليمية، تماماً كما استفزّهم استبعاد المجرم فرضيّة توجيه أصابع الاتهام إلى إسرائيل، واعتبار مثل هذا الاتهام يهدف إلى التآمر عليه وإحراجه.
وخيبة الأهالي من تواطؤ السلطة عليهم خدمة للمجرم منذ لحظة إدخال النيترات إلى المرفأ، حفّزتهم ليتحوَّل الصقور منهم إلى محقّقين استقصائيين وباحثين في مجاهل ما جرى وما تضمّنته ملابسات الكذب الممنهج. أما المفارقة فهي في أن جهود هؤلاء كشفت حقائق بديهية ومعطيات جليّة وكفيلة بنسف فرضيات حقيقة المجرمين المصنوعة في دهاليزهم.
وفي حين كان المطلوب منذ لحظة التفجير أن تضيق مساحة الأمل لدى الأهالي خاصة، واللبنانيين عامة، بالوصول إلى معرفة الحقيقة، تبيّن أن جراحهم شكّلت رافعة لغضبهم وإصرارهم على عدم الاقتناع بدفن العدالة مع أحبتهم، كما يريد المجرم، وكما نجح في مراده مرّات ومرّات.
وفي حين لا يزال المجرم يراهن على الوقت ليتحوّل التحقيق في جريمة العصر إلى ملف منسي في أحد أدراج وزارة العدل، يبقى أمل ضئيل بأن القضية لن تموت ما دام صقور أهالي الضحايا يرفضون "معزوفة التلحيم" ويتابعون حمل لواء البحث عن الحقيقة والمطالبة بالعدالة، ومواجهة المجرم والمتواطئين معه داخلياً ودولياً، في إصرارهم على تقويض التحقيق وعرقلته بوقاحة... وربما يتوصّلون إلى انتزاع تحقيق دولي في أسباب التفجير، وتحديد هوية المسؤولين ومحاسبتهم... حينها يتحوَّل الرابع من آب إلى يوم احتفال بتحقيق العدالة وليس يوم حداد رسمي
أخبار ذات صلة
مقالات مختارة
بعد ثلاث سنوات... المنظومة تُعيد لبنان إلى العزلة