03-08-2023
مقالات مختارة
|
نداء الوطن
الكتل السياسية تهرب من مسؤولياتها وتترك نواب الحاكم وحدهم في مواجهة الناس والمودعين والرأي العام
عودة التهديد بالإستقالات ممكنة جداً على ان تلقى قنبلة الفراغ الإضافي القاتل بوجه السياسيين المتحايلين
المنظومة ورغم التناقضات بين بعض أطرافها غضّت الطرف عن رياض سلامة وتشفي غليلها اليوم بنوابه
نواب حاكم مصرف لبنان في موقف لا يحسدون عليه اطلاقاً. فهم اليوم امام احد اكبر التحديات منذ اندلاع الازمة: الاستمرار في مد الحكومة بالحد الادنى المطلوب من الدولارات لزوم حاجة ماسة لمرافق عامة معينة في آخر الشهر الحالي وذلك من دون انتظار تغطية قانونية، او تنفيذ تهديد وقف ذلك الامداد بانتظار اقرار مشروع قانون قرض في مجلس النواب يؤمن التغطية لنواب الحاكم اذا صرفوا مما تبقى من الاحتياطي الالزامي اي ما تبقى من اموال المودعين.
مصادر مطلعة اكدت ان نواب الحكم يعلمون ان هناك حوالى 50 مليون دولار لا بد منها لحاجات الجيش والقوى الامنية وادوية مدعومة للفقراء ومحروقات لهيئة اوجيرو كي لا يتوقف امداد سنترالاتها بالطاقة وإلا تتوقف الشبكة عن العمل. وعلمت نداء الوطن ان عقد الاستقراض ليس مفتوحا بالمطلق. بل فيه بند يسمح لنواب الحاكم او المجلس المركزي لمصرف لبنان بايقاف تحويل الدولارات الى الحكومة اذا لم تنفذ الشروط المقرونة بالعقد، لا بل المطلوب السير وفق اجندة زمنية واضحة لتنفيذ الشروط واي تأخير فيها يجعل نواب الحاكم يشهرون «كارت» ايقاف تنفيذ تحويلات القرض... وللمثال، فان المطلوب في شهر آب الحالي اقرار قانون القرض الى جانب مشروع قانون الكابيتال كونترول وموازنة 2023.
أسئلة بحاجة لأجوبة
وعلى النواب تحمل مسؤولياتهم، والا فانهم في مواجهة ازمة خاصة بنفقات القوى الامنية والادوية وشبكة الاتصالات، فهل هم غير عابئين بالأمن وبالفقراء وبشبكة الانترنت؟ وهل هم الذين لطالما غضوا الطرف عن تصرفات رياض سلامة يحلمون اليوم فقط بالاقتصاص من نوابه واظهار انفسهم بمظهر الحريص على اموال المودعين اكثر من غيرهم، علماً بانهم ينتمون لكتل سياسية كبرت وترعرعت على حساب تلك الودائع؟ وهل هم غير معنيين بما تبقى من رمق في هذه الدولة التي تفشل أكثر يوماً بعد يوم؟ وتشير المصادر الى ان نواب الحاكم يتحملون مسؤوليتهم، وهم يصرفون تلك الملايين المطلوب اعادتها الى الاحتياطي لاحقاً، فهل يتحمل النواب مسؤوليتهم التاريخية؟ وهل يلتقطون فرصة هذا الاستحقاق لاقرار جملة القوانين الاصلاحية الواردة بين شروط نواب الحاكم، وهي: الكابيال كونترول وهيكلة المصارف ومعالجة الفجوة المالية واعداد موازنة 2024 قبل نهاية العام. وتلك الشروط اكثر من لازمة وضرورية للوصول الى الاتفاق النهائي مع صندوق النقد وبدء تنفيذ مشروع انقاذي للبنان. وتوضح المصادر ان ما عجزت عن فرضه كتل نيابية وقوى سياسية تناكفت مع غيرها وعطلت مشاريع القوانين الاصلاحية، قد يستطيع نواب الحاكم فرضه اذا حصلت صحوة اصلاحية ووقفة ضمير قبل فوات الاوان، والا فان خطراً سيلحق بالمجلس المركزي الذي قد يشهد استقالات منه نهاية هذه الشهر او الشهر المقبل اذا اجبرت الحكومة مصرف لبنان على الصرف من الاحتياطي بلا قانون. كما ان وسيم منصوري نفسه والذي على عاتقه اليوم لعب دور الحاكم قد يعود الى التهديد بالاستقالة... ويفعلها ليترك الفراغ في سدة السلطة النقدية، وبالتالي يضع السياسيين مجدداً امام هذا الاستحقاق الخطير!
وتسأل المصادر لماذا لا نطلق ورشة عمل حكومية برلمانية مفتوحة ومتواصلة الاجتماعات لطرح الحلول واجتراح المخارج لهذه الازمة المستجدة بقوة؟ هل استقال الجميع من ادوارهم ولم يبق في الميدان الا نواب حاكم مصرف لبنان فقط؟ هل المطلوب انتحار جماعي ام ان المصلحة الوطنية تقتضي السير بما يجب السير به باقتناص فرصة تاريخية قد لا تتكرر؟
طرح إستفزازي
في المقابل هناك من يستفز النواب ليقول لهم انتم أصحاب مقولة «الودائع مقدسة» و»الودائع محميّة» و»رافضي الاقتطاع من الودائع ـhaircut»، أمام اختبار حقيقي اليوم، وسط تأكيد نائب حاكم مصرف لبنان الاول وسيم منصوري على عدم التوقيع على أيّ صرف لتمويل الحكومة إطلاقاً خارج قناعاته وخارج الإطار القانوني لذلك، على «أن يحصل تعاون قانوني متكامل بين الحكومة ومجلس النواب والبنك المركزي ضمن خطّة متكاملة تكفل أن تُعاد الأموال»، مضيفاً: «ننظر إلى فترةٍ انتقاليّة قصيرة تسمح بتمويل الدولة بموجب قانون».
وبالتالي، فان مجلس النواب الذي عطّل القوانين الاصلاحية المطلوبة منذ بدء الازمة في 2019 ولغاية اليوم متذرّعا بشعارات وأسباب وحجج مختلفة، سيكون امام خيارين: إما التشريع رسمياً بالمسّ بالتوظيفات الالزامية اي ما تبقى من اموال المودعين لمواصلة تمويل عجز الدولة، وهو الامر الذي سيعرّضه لمواجهة مع المودعين وحملة سندات اليوروبوندز وممثلي صندوق النقد الدولي، او مواجهة الضغط الشعبي الذي قد يتمثل بتظاهرات واعتصامات من قبل موظفي القطاع العام احتجاجاً على عدم تأمين رواتبهم، وقد يتحوّل إذا لزم الامر الى فوضى اجتماعية بتأجيج من الزعماء السياسيين، لتبرير توجههم نحو اقرار قانون اقراض الدولة 1,2 مليار دولار من اموال المودعين بهدف احتواء الفوضى الامنية.
مجلس النواب الذي أقرّ طوال الفترات الماضية قوانين لمنح سلفات خزينة بمليارات الدولارات لتمويل عجز الكهرباء من دون اي إصلاح في هذا القطاع، لن يغصّ اليوم باقرار قانون لاستقراض 1,2 مليار دولار اضافية وتسجيلها كدين عام اضافي على الدولة اي بما نسبته 6 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، وفقاً لما ذكره نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، الذي اكد ان هذا النهج يتعارض مع خطة الحكومة ومع توصيات صندوق النقد الدولي التي تشدد على ضرورة تحقيق استدامة في الدين العام والتي من المفترض ان شروط نواب الحاكم تتماشى معها.
لا للتشريع حتى انتخاب رئيس
في هذا الاطار، اكد النائب غسان حاصباني ان موقف حزب القوات من التشريع واضح وهو رافض له تحت أي ذريعة كانت قبل انتخاب رئيس للجمهورية، مشدداً على ان الحلول الملتوية مرفوضة وان الرهان على الضغط الشعبي لمواصلة تمويل عجز الدولة غير واقعي لان التمويل عاجلاً ام آجلاً سيتوقف عند نفاد احتياطي البنك المركزي. وقال لـ»نداء الوطن» ان طلب الاستقراض هو طلب شكلي وليس جوهرياً «وكما اشترى رياض سلامة الوقت لمدّة 30 عاماً، سيشترونه لمدة 6 أشهر اضافية ولكن بشكل قانوني!».
وسأل: إذا كان التعويل على سداد الدولة للمبالغ التي ستقترضها اليوم، لماذا لم تلجأ الى سداد ديونها منذ 30 عاماً لغاية اليوم؟
وبالتالي، اعتبر حاصباني ان اقراض الدولة سيكون بمثابة وهبها تلك الاموال لان الجميع يعلم ان لا قدرة للدولة خلال 18 شهراً على تسديد تلك القروض. اضاف: ماذا سيحصل في حال اقراضها 1,2 مليار دولار ولم تستطع سدادها واحتاجت الى اقراض اضافي ومتواصل من دون اي حلّ سياسي؟
«كيف ما بَرَمْت آكِل كفّ»!
اما النائب آلان عون فاوضح ان التيار الوطني الحر بصدد مناقشة موضوع اقرار قانون الاستقراض ولم يتخذ بعد موقفاً بشأنه «إلا اننا لا نميل نحو هذا التوجّه، إلا اذا توفرت ضمانات بامكانية اقرار القوانين الاصلاحية الاخرى بالتوازي اي الخطة الاقتصادية كاملة». معتبراً ان الاعتماد المطلق من قبل الدولة على مصرف لبنان لتمويل عجزها من دون أي جهود لزيادة ايراداتها، امر لم يعد مقبولاً وعلى حدّ تعبير منصوري، فان حاجة الدولة للتمويل لن تنتهي إلا ان اموال احتياطي البنك المركزي ستنفد»، وبالتالي لا يمكن مواصلة السير بالنهج نفسه لانه لا يهدف سوى الى شراء الوقت، 6 أشهر ومن ثم عام وعامين الى حين نفاد الاحتياطي.
واشار عون لـ»نداء الوطن» الى انها معضلة ستضع النواب بمواجهة مع القطاع العام من جهة ومع المودعين من جهة اخرى، مهما كان قرارهم بالنسبة لقانون الاستقراض، واصفاً الوضع بالقول: «كيف ما بَرَمْت آكِل كفّ»!
عدم زيادة الشعب فقراً
من جهته، رأى النائب بلال عبدالله ان بين الاجراء المالي التقني النقدي السليم وانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية تحديداً، هوّة كبيرة تستوجب مناقشتها ودراسة كيفية معالجتها من قبل مجلس النواب. وسأل: في حال أدى عدم تشريع الاقتراض وتحرير سعر الصرف ووقف صيرفة وما الى ذلك، الى انهيار سعر الصرف الى 500 الف ليرة، من يتحمّل تلك المسؤولية؟ نواب الحاكم فقط؟ هذه هي الهوّة الملزم مجلس النواب بمناقشتها.
واكد عبدالله لـ»نداء الوطن» ان الهاجس الاساسي اليوم لتكتل اللقاء الديموقراطي عدم زيادة الشعب فقراً وبؤساً. لافتاً الى ضرورة وجود سلّة اجراءات من قبل الحكومة والبنك المركزي للمحافظة على الحدّ الادنى من الاستقرار النقدي الى حين انجاز الاستحقاق الرئاسي والاتفاق على الاصلاحات الجذرية التي لا يمكن ان تقرّها حكومة تصريف اعمال او نائب حاكم بنك مركزي او مجلس نواب عاجز عن التشريع بوجود شريحة رافضة للتشريع.
التحدي الكبير الواجب استدراكه
بدوره، اعتبر النائب فادي علامة ان مجلس النواب امام تحدّي تسيير شؤون الدولة والقطاع العام في مقابل الحفاظ على اموال المودعين، «وهو الامر الذي يجب ان يتكامل ضمن خطة اقتصادية مالية يجب تطبيقها في مرحلة معيّنة». مشيرا لـ»نداء الوطن» الى انه «لو كانت البلاد تمرّ في ظروف طبيعية وتسير وفقاً لخطة اقتصادية واضحة وتجبي الايرادات المطلوبة لخفض عجز الدولة وتمرّ بمرحلة نمو، لكنّا وافقنا على مشروع الاقتراض لفترة مرحلية على ان تتم اعادة تلك الاموال. إلا انه في ظل الركود الاقتصادي الحالي وتعثر المصارف وعدم تطبيق شروط صندوق النقد الدولي، هناك تحدٍّ كبير يجب ان نستدركه مع الاخذ بالاعتبار ضمان استمرارية القطاع العام». واكد علامة انه «لا توجد امامنا خيارات عديدة وبالتالي إذا استطعنا السير بخطة مرحلية ضمن فترة زمنية محددة تشمل ضبط الانفاق وزيادة الايرادات، يمكننا السير بموضوع الاستقراض».