27-07-2023
عالميات
|
INDEPENDENT عربية
كانت جلسة الاستماع التي عقدتها اللجنة الفرعية للرقابة والمساءلة في مجلس النواب الأميركي واحدة من أكثر جلسات الاستماع إثارة بحسب وصف أعضاء اللجنة، إذ إنها استمعت إلى شهادات أشبه بقصص الخيال العلمي أدلى بها مسؤولون وطيارون مقاتلون سابقون حول الظواهر الجوية المجهولة أو الأجسام الطائرة غير المحددة، التي يزعم فيها أحدهم وجود برنامج سري لوزارة الدفاع (لا يعلم به الكونغرس) لاسترداد مركبات تنتمي لغير البشر واستخدام الهندسة العكسية سعياً لإنتاج مثلها. لكن السؤال الذي يشغل كثيراً من المراقبين، هو لماذا استغرق الأمر نحو 20 عاماً قبل الوصول إلى المساءلة العلنية في الكونغرس؟ ولماذا أصبحت قضية الظواهر الغريبة المجهولة مسيطرة على الساسة الأميركيين؟
أمن قومي
في حين أن دراسة الأشياء الغامضة التي تحلق في الجو غالباً ما تثير الحديث عن الكائنات الفضائية القادمة من كواكب بعيدة أو ما يظهر في الأفلام السينمائية عادة تحت وصف "الرجال الخضر الصغار"، إلا أن دوافع أعضاء الكونغرس الأميركي من الديمقراطيين والجمهوريين في الفترة الأخيرة لإجراء مزيد من البحث والتدقيق في هذا الأمر، كانت تتعلق بالأمن القومي بسبب مخاوفهم من أن المشاهدات الغريبة التي تستعصي على التفسير، والتي لاحظها الطيارون على مدى سنوات طويلة، قد تكون مرتبطة بخصوم الولايات المتحدة مثل الصين وروسيا، أكثر من الادعاءات بأن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ربما تخفي مركبة فضائية غريبة عثرت عليها أو على أجزاء منها محطمة وتستخدم الهندسة العكسية سعياً وراء إنتاج مثيل لها.
ويعبر عن هذا القلق السيناتور ماركو روبيو، العضو الجمهوري البارز في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، الذي قال لموقع "ذا هيل" إنه يشعر بالقلق إزاء الآثار المترتبة على الأمن القومي، لأن هناك احتمالين فقط، الأول هو أن هؤلاء المبلغين عن وجود مخالفات إما يقولون الحقيقة أو جزءاً منها، والثاني أن لدى الولايات المتحدة مجموعة من الأشخاص الذين يستحوذون على تصاريح سرية للغاية ويشغلون وظائف مهمة في الحكومة لكنهم مجانين، وكلا الأمرين يمثلان مشكلة للأمن القومي.
غير أن رايان غريفز وهو أحد الطيارين السابقين الذين أدلوا بشهادتهم أمام لجنة الرقابة عن مشاهداته للأجسام المجهولة، أكد أنها تمثل مشكلة ملحة وحاسمة تتعلق بالسلامة والأمن القومي وضرورة مواجهة ذلك بالشكل المناسب والبحث العلمي.
شفافية الحكومة
لكن الأمر بدا بالنسبة إلى بعض أعضاء الكونغرس أنه يتعلق بشفافية الحكومة، وهو ما عبر عنه عضو مجلس النواب الديمقراطي غاريد موسكوفيتش، الذي أوضح أن الهدف الأساسي من جلسات الاستماع حول الظواهر الجوية المجهولة هو استكشاف ما تعرفه الحكومة، ولماذا لا تخبر به الشعب الأميركي، وعبر عن دهشته لمحاولة فصائل مختلفة في الحكومة منع جلسة الاستماع.
وربما لهذا السبب قاد زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر والسيناتور الجمهوري مايك راوندز تعديلاً أضيف إلى مشروع قانون الدفاع السنوي، الذي يتطلب رفع السرية عن السجلات الحكومية المتعلقة بالظواهر الجوية المجهولة، والكشف عنها ما لم يطلب ما يسمى بمجلس المراجعة أن تظل سرية.
وفي العام الماضي، عقدت لجنة فرعية للاستخبارات في مجلس النواب جلسة استماع مفتوحة نادرة حول برامج الظواهر الجوية المجهولة، إذ سعى المشرعون إلى إزالة وصمة التقارير عن المشاهدات للتأكيد على أنها مصدر قلق للأمن القومي، لكنها لم تفعل الكثير لتقديم تفسير لمئات الظواهر الطائرة المجهولة المسجلة.
وعلى رغم أن المجتمع المتحمس للأطباق الطائرة اعتبر ادعاءات مسؤول الاستخبارات السابق ديفيد غروش، وهو أبرز الشهود أمام لجنة الاستماع في الكونغرس، بوجود مركبة فضائية من غير صنع البشر استحوذت عليها الولايات المتحدة، بمثابة قنبلة مدوية. إلا أن الأمر لم يكن بهذه الطريقة مع جميع أعضاء الكونغرس، فقد أعرب رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي عن ثقته في أنه إذا وجدت الولايات المتحدة جسماً طائراً غامضاً، فإن وزارة الدفاع ستخبر الكونغرس بالأمر، لأنهم ربما يريدون طلب مزيد من الأموال، لكنه أشار إلى تأييده الشديد للشفافية والسماح للجمهور الأميركي بالاطلاع على كل ما لدى الكونغرس من معلومات.
الاعتقاد في الفضائيين
ومع ذلك لم يبق عدد من أعضاء الكونغرس مخاوفهم مركزة على أخطار الأمن القومي وعدم معرفة سبب مشاهدة الأجسام الطائرة المجهولة، بل يعترف بعضهم أنهم رأوا ما يكفي للاعتقاد بأن الظواهر الجوية المجهولة هي من أصل غير أرضي، إذ قال النائب الجمهوري تيم بورشيت عندما سئل عن احتمال أن تكون المشاهدات تقنية صينية أو روسية سرية "إنه إما شيء أتى من خارج كوكب الأرض، أو شيء صمم بهندسة عكسية لجسم جاء من خارج كوكب الأرض".
وطالما كان بورشيت مؤمناً بالكائنات الفضائية، إذ عبر عن اعتقاده لصحيفة "واشنطن إكسامينر" أن المبلغين الشهود أمام اللجنة يقولون الحقيقة، كما قال لبودكاست "إيفنت هوريزون" إن الحكومة على علم بالأطباق الطائرة منذ عام 1897، محذراً من التستر الحكومي، وإن أوضح أنه لا يمكن محاربة الفضائيين لأنهم أكثر تقدماً، مضيفاً أن المركبة الفضائية التي شوهدت على الأرض يمكنها "الطيران تحت الماء ولا تظهر أثراً حرارياً، ويمكن للمركبات الفضائية السفر لسنوات ضوئية أو بالسرعة التي رأيناها تتحدى الفيزياء كما نعرفها، ولهذا فإنهم لا يشكلون تهديداً لنا".
كما عبر النائب الجمهوري بايرون دونالدز أيضاً عن اعتقاده بأن الطائرات أو الظواهر المجهولة كانت من أصل غير بشري خارج كوكب الأرض، وأنه لا يعتقد أننا الوحيدون في الكون، وأنه يؤمن بنسبة 100 في المئة أن الحكومة الفيدرالية أخفت معلومات عن الشعب الأميركي.
ولكن في حين أن معظم التركيز حول الظواهر الجوية المجهولة ينصب على ما إذا كان مصدرها تكنولوجيا خطرة من خصوم مثل الصين أو روسيا أو من خارج الأرض، فقد أشار البعض إلى تفسير ثالث وراء المشاهدات، إذ أشارت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور غرين إلى أنها مسيحية تؤمن بالكتاب المقدس، وتعتقد بصراحة أنه ينبغي التساؤل عما إذا كان الأمر يتعلق بالمجال الروحي مثل نزول ملائكة من السماء.
وبينما لم تضف شهادة مسؤول الاستخبارات السابق الرائد المتقاعد ديفيد غروش أمام اللجنة الفرعية للرقابة والمساءلة في مجلس النواب، مفاجآت جديدة في عالم الظواهر الجوية المجهولة "يو أيه بي"، وهو المصطلح الرسمي الذي تستخدمه حكومة الولايات المتحدة بدلاً من المصطلح الأكثر شيوعاً وهو الأجسام الطائرة غير المحددة "يو أف أوه"، إلا أنه أصر على وجود البرنامج السري الذي تديره الحكومة الأميركية منذ عقود من دون علم الكونغرس، وأنها استحوذت على مركبة فضائية من أصل غير بشري وحاولت عكس هندسة الأجسام الطائرة المجهولة المحطمة، وأنه مُنع من الوصول إلى برامج الحكومة السرية لهذه الأجسام الطائرة، بل واجه وآخرون انتقاماً وحشياً للغاية نتيجة لمزاعمهم بسبب جهود الحكومة لإخفاء هذه المعلومات.
لكن البنتاغون نفى مزاعم غروش بالتستر، وقال بيان للمتحدثة باسم وزارة الدفاع، سو غوف "إن المحققين لم يكتشفوا أي معلومات يمكن التحقق منها لإثبات الادعاءات بأن هناك أي برامج تتعلق بحيازة مواد من خارج الأرض، أو القيام بهندسة عكسية لها كانت موجودة في الماضي أو موجودة حالياً"، ومع ذلك لم يتطرق البيان إلى الأجسام الطائرة المجهولة التي لا يشتبه في كونها من خارج كوكب الأرض.
وكان الشاهدان الآخران في جلسة الاستماع هما ديفيد فرافور، وهو طيار سابق في البحرية الأميركية تحدث عن مشاهداته لجسم غريب في السماء أثناء مهمة تدريبية في عام 2004، ورايان غريفز، وهو طيار بحري متقاعد ادعى أنه رأى الظواهر الطائرة المجهولة قبالة ساحل المحيط الأطلسي كل يوم لمدة عامين ضمن مشاهدات قال إنها ليست نادرة أو منعزلة، بل شاهدها طيارون عسكريون وتجاريون، وأن المشاهد كانت بشكل أساسي "لمكعبات رمادية داكنة أو سوداء داخل كرة صافية".
جلسات سرية مقبلة
وفي حين اعتبر بعض أعضاء الكونغرس أن الجلسة كانت مفيدة، إلا أن التوجه المقبل يتجه نحو إصدار تشريع من شأنه جمع مزيد من المعلومات، ولكن في جلسات سرية، إذ قال عضو الكونغرس الجمهوري غلين غروتمان، وهو رئيس اللجنة الفرعية للأمن القومي والحدود والشؤون الخارجية في مجلس النواب، "أعتقد أن عديداً منا سيتطلع إلى الحصول على بعض الإجابات في بيئة أكثر سرية، أفترض أن بعض التشريعات ستخرج لهذا الغرض".
ولا يبدو أن الجلسات المستمرة في الكونغرس حول هذه القضية المثيرة للجدل، تختلف عن سلسلة طويلة من جهود الكونغرس، التي بدأت قبل نحو عقدين من العمل التشريعي الرصين من الحزبين، للوصول إلى النقطة التي أصبح فيها البحث عن الظواهر الجوية المجهولة أو غير المحددة هو النمط السائد سياسياً، على رغم أن الادعاء الأخير حول وجود برنامج حكومي سري حول الظواهر الجوية المجهولة ووجود مركبة فضائية من غير صنع البشر، مثل مفاجأة صارخة لكثير من الأميركيين والمهتمين حول العالم.
تاريخ من البحث
يعود أول مقاطع فيديو حول الظواهر الجوية المجهولة إلى عام 2004 التي أصدرها البنتاغون في 2020، تظهر الطيار ديفيد فرافور يتتبع مركبة غامضة بقدرات تفوق بكثير قدرات طائرته، حينها قالت وزارة الدفاع إنها "تنشر مقاطع الفيديو لتوضيح أي مفاهيم خاطئة من قبل الجمهور حول ما إذا كانت اللقطات التي تم تداولها حقيقية أم لا"، لكن ظلت الظواهر الجوية التي لوحظت في مقاطع الفيديو توصف بأنها مجهولة أو غير معروفة.
وعندما أصدر البنتاغون مقطع فيديو ديفيد فرافور الذي كان قد تحدث عنه مع صحيفة "نيويورك تايمز"، مع فيديو لطيارين آخرين تم تسجيلهما في عام 2015، قدم زعيم الأغلبية الديمقراطية السابق في مجلس الشيوخ هاري ريد الثناء للبنتاغون، مؤكداً أن الولايات المتحدة تحتاج إلى إلقاء نظرة علمية جادة منعاً لأية تداعيات محتملة على الأمن القومي، وأن الشعب الأميركي يستحق أن يكون على علم.
غير أن اهتمام السيناتور هاري ريد كان من الناحية الواقعية يعود إلى عام 2007، حين شاهد فيديو فرافور بنفسه، ما دفعه إلى إنشاء برنامج سري بتمويل خاص لجمع وفحص مقاطع الفيديو الخاصة بالظواهر الجوية المجهولة، لكن بعد أن أصبح هذا المشروع عاماً، بدأ أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب واللجان والموظفون في متابعة هذه القضية، وكشفوا عن شبكة واسعة من الأفراد والجماعات كانت لديهم أفكار وقصص للمشاركة. وفي عام 2020 تضمنت الميزانية تمويلاً لفرقة العمل المعنية بالظواهر الجوية المجهولة أو غير المحددة، وتم توسيع المصطلح منذ ذلك الحين بدلاً من الأجسام الطائرة المجهولة حتى لا يشير إلى أصول أو أشياء من خارج كوكب الأرض، وتتمثل مهمة فريق العمل في اكتشاف وتحليل وفهرسة الظواهر الجوية المجهولة التي يمكن أن تشكل تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة.
وفي عام 2021، أصدرت فرقة عمل الظواهر الجوية المجهولة تقريرها الأول، الذي خلص إلى أن نتائجها ستندرج على الأرجح في "خمس فئات تفسيرية محتملة، ركام طائر جواً، وظواهر الغلاف الجوي الطبيعية، وبرامج تطوير الصناعة الأميركية، وأنظمة الخصم الأجنبية، واحتمالات أخرى لم يقدم التقرير أي تكهنات في شأنها.
وفي عام 2022، أعلن الجيش أنه اكتشف 510 من تقارير الظواهر الجوية المجهولة منذ إطلاق برنامج السيناتور ريد من بينها 119 منذ صدور تقرير 2021.
ولكن في عام 2022، وفر قانون أصدره الكونغرس حماية للمسؤولين الذين يقومون بالكشف المرخص به حول الظواهر الجوية المجهولة، وحماية من الانتقام للمبلغين عن المخالفات، الذي استفاد منه ديفيد غروش في الكشف الذي أبلغ به عدداً من الصحف والمواقع قبل أن يدلي بشهادته أمام لجنة المراقبة بالكونغرس.
وعلى رغم جلسة الاستماع الأخيرة في الكونغرس، تظل مزاعم غروش غير مدعومة بأي دليل مادي يدعم عمليات استرداد قامت بها الحكومة الأميركية لمركبات فضائية من خارج كوكب الأرض، ومع ذلك، كانت حقيقة أنه قدم شكوى رسمية إلى المفتش العام لمجتمع الاستخبارات، التي قال إنه قدم لها ساعات من المعلومات السرية المسجلة التي تم نسخها إلى مئات الصفحات، كما أفاد الصحافيان ليزلي كين ورالف بلومنتال في موقع "ديبرييف" في شهر يونيو (حزيران) الماضي، مثيرة للجدل الذي لا ينقطع في الولايات المتحدة.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار