24-07-2023
عالميات
|
INDEPENDENT عربية
ما الجديد؟
في 22 أبريل (نيسان) عام 2021 بعث 325 عضواً من الجمهوريين والديمقراطيين في مجلس النواب، برسالة إلى لجنة المخصصات يحثون فيها على التمويل الكامل للمساعدة الأمنية لإسرائيل من دون شروط إضافية، وأكدوا أن الكونغرس ملتزم بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لتل أبيب وقدرتها على الدفاع عن نفسها ضد التهديدات المستمرة، وأن هذه المساعدة هي إنفاق حيوي وفعال يعزز مصالح الأمن القومي الأميركي في منطقة صعبة للغاية، وأشار النواب إلى أن تقليص التمويل أو إضافة شروط على المساعدة الأمنية من شأنه أن يضر بقدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها ضد جميع التهديدات.
لكن مع تصدر إسرائيل عناوين الأخبار وإثارة الجدل حول التعديلات القضائية التي تبناها نتنياهو وحكومته اليمينية المتشددة، وتصاعد الاحتجاجات بشكل خطير في إسرائيل والتي يتردد صداها وسط اليهود الأميركيين والسياسيين الرافضين لها، عاد الحديث في الولايات المتحدة للتساؤل الحذر حول ما إذا كان الوقت قد حان لوقف أو على الأقل خفض المساعدات لأسباب عدة يرى البعض أن على رأسها الضغط على حكومة نتنياهو، الذي يقضي على أي أمل في حل الدولتين وهو "مصمم على تحطيم إسرائيل إلى ديكتاتورية فاسدة وعنصرية ستؤدي إلى انهيار المجتمع"، على حد تعبير رئيس الوزراء السابق إيهود باراك.
وبحسب الكاتب في صحيفة "نيويورك تايمز" نيكولاس كريستوف، فقد حان الوقت للتفكير في التخلص التدريجي من هذه المساعدات في المستقبل، لأنه ليس من المنطقي أن تقدم الولايات المتحدة مبلغاً ضخماً يبلغ 3.8 مليار دولار سنوياً إلى دولة غنية أخرى تبدد الموارد الشحيحة وتخلق علاقة غير صحية تضر بالجانبين، على رغم تأكيده أن ذلك لا ينبغي أن يحدث بشكل مفاجئ أو بطريقة تعرض أمن إسرائيل للخطر.
تغير الزمن
وما يجعل بعض الكتاب والأكاديميين والمسؤولين السابقين في الولايات المتحدة يثيرون قضية المساعدات مجدداً، أن الزمن والوضع قد تغيرا في المنطقة، وعلى رغم اعترافهم أن لدى تل أبيب مخاوف أمنية مشروعة، إلا أنها ليست في خطر التعرض إلى الهجوم من قبل جيوش جيرانها.
كما أن ما يقرب من ربع صادرات الأسلحة الإسرائيلية في العام الماضي ذهبت إلى دول عربية، ومن الناحية الاقتصادية فإن معدل دخل الفرد السنوي في تل أبيب (58270 دولاراً) أعلى من دخل الفرد في اليابان وبعض الدول الأوروبية، كما تمتلك الدولة العبرية اقتصاداً متقدماً ولا تمثل المساعدات الأميركية سوى أقل من 1 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي الذي وصل عام 2022 إلى 564 مليار دولار بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، وأصبحت المساعدات الأميركية عادة وشكلاً من أشكال التبعية أكثر من كونها حاجة حقيقية، بعدما أصبح لدى تل أبيب موارد أكثر من كافية لدفع ثمن أنظمة الأسلحة الأميركية.
التأثير في سياسة أميركا
هناك عامل إضافي يتعلق بتأثير هذه المساعدة في سياسة الولايات المتحدة، فقد كانت المساعدات الأميركية لتل أبيب قبل اندلاع حرب أوكرانيا العام الماضي، تستحوذ على حوالى 55 في المئة من إجمالي المساعدات الأميركية في جميع أنحاء العالم، وبالتالي فإن الأموال المتاحة لأغراض أخرى كانت محدودة للغاية، الأمر الذي يحرم الولايات المتحدة من القدرة على نشر برنامج المساعدة الخاص بها على نطاق أوسع إلى الدول التي هي في أمس الحاجة إليها، وعلى سبيل المثال، فإن المساعدة السنوية لإسرائيل البالغة 3.8 مليار دولار تعادل أكثر من 10 أضعاف ما ترسله الولايات المتحدة إلى دولة النيجر الأكثر اكتظاظاً بالسكان، وهي واحدة من أفقر الدول في العالم وتتعرض لهجوم من قبل الجماعات الإسلامية المتشددة.
وفيما تراجعت المساعدات الاقتصادية منذ التسعينيات حتى صارت معدومة تقريباً، زادت المساعدات الأمنية الأميركية لإسرائيل بنسبة 50 في المئة لتصبح عسكرية حصرية لا يمكن استخدامها إلا لشراء الأسلحة الأميركية، وهي ليست في حقيقة الأمر مساعدة كبيرة بقدر ما هي دعم من الباب الخلفي لشركات صناعة السلاح الأميركية، بحسب نيكولاس كريستوف.
لا نفوذ
ووفقاً لسفير الولايات المتحدة السابق لدى تل أبيب، دانيال كيرتزر، فإن الاقتصاد الإسرائيلي قوي ولا يحتاج إلى مساعدة، بينما المساعدة الأمنية تشوه الاقتصاد وتخلق إحساساً زائفاً بالتبعية في حين أن الحقيقة ساطعة في أن المساعدات لا توفر للولايات المتحدة أي نفوذ أو تأثير في القرارات الإسرائيلية حينما تستخدم القوة العسكرية وتنتهج سياسات تعارضها الولايات المتحدة، ما يجعل أميركا ينظر إليها على أنها "عامل تمكين للاحتلال".
اقرأ المزيد
هل تتأثر العلاقات الأميركية - الإسرائيلية بالخلافات المستجدة؟
ويعتبر كيرتزر الذي يعمل حالياً أستاذاً للشؤون العامة والدولية بجامعة برينستون، أن المساعدات الأميركية توفر مليارات الدولارات لإسرائيل بما يسمح لها بتجنب الخيارات الصعبة حول مكان إنفاق أموالها، بالتالي تسمح هذه المساعدات لتل أبيب بإنفاق المزيد من الأموال على السياسات التي تعارضها أميركا، مثل إنشاء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
شروط مقيدة
وبسبب توسيع إسرائيل المستمر للمستوطنات، طالب مرشحون ديمقراطيون للرئاسة في الانتخابات الأخيرة عام 2020، مثل بيرني ساندرز وبيت بوتيجيج وإليزابيث وارين بوضع شروط على هذه المساعدات، كما أظهر استطلاع للرأي أجري على اليهود الأميركيين أن الغالبية تؤيد استمرار المساعدات لكنها فضلت أيضاً فرض بعض القيود عليها حتى لا تستخدم في توسيع المستوطنات.
غير أن يوسي بيلين، وزير العدل الإسرائيلي السابق وهو حالياً أستاذ زائر في جامعة نيويورك، يرى أنه يجب أن تتخلى تل أبيب عن المساعدة الأميركية، وأنه يمكن استخدام الأموال بشكل أكثر فاعلية في أماكن أخرى، وكتب في موقع "ناشيونال إنترست" أن الوقت حان لتصل العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل إلى مرحلة النضج الكامل، كي تنتقل من علاقة المساعدة والتبعية إلى علاقة متبادلة حقيقية في الشكل والمنفعة من خلال إلغاء المساعدة الأمنية الأميركية لإسرائيل تدريجاً واستبدالها بعدد من الاتفاقيات الثنائية الملزمة التي تلبي المتطلبات الأمنية الأكثر أهمية لكلا البلدين.
مطلب يميني أيضاً
ولم يكن هذا المطلب من الليبراليين فقط، حيث جادل الكاتبان في مجلة "تابلت"، جاكوب سيغل وليل ليبوفيتز، بأن المساعدات تفيد الولايات المتحدة إضافة إلى مصنعي الأسلحة الأميركية، ذلك لأن جميع المساعدات العسكرية تقريباً لإسرائيل بخلاف ضمانات القروض، تتكون من ائتمانات تذهب مباشرة من البنتاغون إلى شركات تصنيع الأسلحة الأميركية، بينما يقوض ذلك صناعة الدفاع المحلية في تل أبيب وتضعف اقتصادها وتعرض استقلاليتها للخطر، مما يمنح واشنطن حق النقض (الفيتو) على كل شيء من مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى الاستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية، وأنه عندما تتدخل واشنطن مباشرة في الشؤون الداخلية لإسرائيل، كما تفعل هذه الأيام، فإن القادة الإسرائيليين الذين مارسوا الضغوط من أجل الحصول على هذه المساعدات، بما في ذلك نتنياهو، يجنون ببساطة ثمار جهودهم.
ويزود هذا الدعم المربح لصانعي الأسلحة الأميركيين، الكونغرس والبيت الأبيض بأداة للاستفادة من النفوذ على حليف استراتيجي رئيسي، حيث أصبح الجيش الإسرائيلي، ملحقاً للقوة الأميركية في منطقة حاسمة فقدت فيها الولايات المتحدة الرغبة في نشر القوة العسكرية، كما تعمل الاستخبارات الإسرائيلية كعيون وآذان لأميركا، ليس فقط في الشرق الأوسط، ولكن في المسارح الاستراتيجية الرئيسة الأخرى مثل روسيا وآسيا الوسطى وحتى أجزاء من أميركا اللاتينية.
ولهذا فإن البديل لهذه العلاقة غير المتكافئة القائمة على التبعية، من وجهة نظر سيغل وليبوفيتز، هو علاقة معاملات أكثر صراحة من شأنها أن تسمح لتل أبيب بالاستفادة اقتصادياً ودبلوماسياً واستراتيجياً من دون إنهاء المساعدة تماماً أو نهاية التحالف العسكري الأميركي الإسرائيلي، أو تبادل المعلومات الاستخباراتية، أو التجارة، أو أي تقارب متبادل بين البلدين، وبدلاً من ذلك، سيسمح لكلا الجانبين برؤية ما سيحصل عليه كل منهما مقابل شيء آخر، وقد يسهم في خفض الولع الأميركي الحالي بمعاملة الدولة اليهودية كقصة رمزية أخلاقية في الدراما النفسية السياسية الأميركية.
مقاومة متوقعة
غير أن هناك حجة مضادة مفادها أن أي تخفيض في المساعدات الأميركية، يمكن أن يُنظر إليها على أنها تراجع عن الدعم الأميركي الأمر الذي قد يشجع خصوم تل أبيب مثل إيران على مهاجمتها، بخاصة وأن الطبقة السياسية الإسرائيلية ترى أن المساعدة الأميركية ذات قيمة ليس لأنها صفقة جيدة لمجمع التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية، ولكن لأن ظهور التوافق الاستراتيجي الوثيق مع الولايات المتحدة يمثل تعهداً عاماً وملموساً، وأن قيمة هذه التعهدات لإسرائيل تستند إلى الاعتقاد بأن الأطراف الأخرى تؤمن بها ما يشكل رادعاً مفيداً للدولة العبرية.
كما أن الدعوات السياسية المنظمة المؤيدة لإسرائيل في أميركا تضع دعم المساعدة الأمنية الكاملة لها على رأس قائمة أهدافها السياسية، وهو ما اتضح في جمع توقيعات غالبية أعضاء مجلس النواب من الحزبين قبل عامين لرفض فكرة خفض المساعدات.
وعلاوة على ذلك، فإن بعض الجنرالات والسياسيين والمستثمرين والمثقفين السابقين في إسرائيل غالباً ما يكونون من خريجي الجامعات الأميركية النخبوية ويتمتعون بعلاقات قوية مع الشركات الأميركية والمنظمات غير الحكومية، ولا يتخيلون سيناريو آخر غير الولاء للأخ الأكبر عبر المحيط، فهم يرون واشنطن ليس فقط كحليف أساسي، ولكن كمركز لكل السلطات.
البديل المطروح
ومع ذلك، يرى البعض أنه يمكن التخفيف من خطر وقف أو خفض المساعدات الأميركية من خلال التعامل مع القضية على أنها مناقشة طويلة الأجل لمذكرة التفاهم الثنائية التالية بين الجانبين حول المساعدات، والتي من المقرر أن تبدأ بحلول عام 2028 وتستمر لمدة 10 سنوات، وذلك من خلال التوصل إلى اتفاقيات أمنية أخرى مع تل أبيب.
ويتفق مارتن إنديك، الذي شغل منصب سفير أميركا لدى تل أبيب لمرتين، في ضرورة توقيع اتفاقيات أمنية جديدة بين البلدين لأنه من الأفضل للعلاقة أن تقف إسرائيل على قدميها، في حين أن جيريمي بن عامي، رئيس مجموعة "جيه ستريت" الليبرالية المدافعة عن إسرائيل، يرى أن هناك محادثة جادة يجب إجراؤها قبل مذكرة التفاهم التالية حول أفضل السبل لاستخدام 40 مليار دولار من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، لكنه توقع مزيجاً من المشاجرة الحزبية والصراع السياسي، بينما دافع آرون ديفيد ميللر، الذي كان محللاً ومفاوضاً لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية لسنوات عدة، عن منع تقديم المساعدات إلى أي وحدات عسكرية ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، لكنه أوضح أنه مع وجود العلاقات الأميركية - الإسرائيلية في حالة جيدة حتى لو لم تكن أفضل، ستكون هناك مزايا لكليهما لرؤية المساعدة العسكرية تتلاشى بمرور الوقت
أخبار ذات صلة