23-07-2023
محليات
|
المدن
جلسة الاستماع للمحقق العدلي
يمكن القول إن الجواب الوحيد على هذه الأسئلة، مرتبط ومقرون بجلسة الاستماع للقاضي طارق البيطار (المحقق العدلي المكفوفة يدّه عن تحقيقات المرفأ منذ كانون الأول 2021)، من قبل الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، القاضي حبيب رزق الله، الذي عيّنه رئيس مجلس القضاء الأعلى، القاضي سهيل عبود منذ حوالى الشهر.
حتى الساعة، لا تزال هذه الجلسة السّرية مجهولة الموعد والتّاريخ. خصوصاً أن من شأنها تغيير المنعطف المقبل الذي سيخوضه ملف تفجير المرفأ، في حين أن نتائجها وفي كل الحالات التي سنذكرها، من المتوقع أن تكون "خضّة" مُحتملة للشارع اللبناني، وخصوصاً للمعنيين بهذا الملف، سلبية كانت أم إيجابية.
وعليه، سيكون أمام القاضي المُكلف بالاستماع للبيطار ثلاث خيارات:
الخيار الأول
واقعياً، من المعلوم أن رزق الله تمكن من تكوين فكرة أوليّة عن ملف إدعاء المدعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات على البيطار بجرم "اغتصاب السلطة واستغلال مركز". وبالتالي، من الممكن أن يعتبر أن الاجتهاد القانونيّ الذي قام به البيطار يحمل جانباً من الصواب ما يمكّنه من الاستناد على معطياته والعودة إلى متابعة التحقيقات المتعلقة بملف تفجير المرفأ، متجاهلاً دعاوى الرد المرفوعة ضده. وبهذه الحالة يعتبر رزق الله أن البيطار لم يرتكب جرم اغتصاب السلطة، ويحقّ له العودة إلى متابعة تحقيقاته، لاستكمال القرار الاتهامي المنجز منه حوالى 540 صفحة، والذي تبقى منه حوالى 150 صفحة، ليصبح جاهزاً.
الخيار الثاني
عملياً، قد يعتبر رزق الله، اجتهاد البيطار القانونيّ باطلاً، وما كان من المفترض أن يرجع المحقق العدلي إلى متابعته القضائيّة لجلسات الاستجواب. وبالتالي، سيؤكد رزق الله أن الاجتهاد الذي اعتبر فيه البيطار أن "المجلس العدلي هو هيئة مستقلة موازية للهيئة العامة لمحكمة التمييز، وأي قرار ينص على تنحية المحقق العدلي هو إلغاء لموقع تم إنشاؤه بموجب مرسوم وزاري، وأن المحقق العدلي لا يحتاج إلى إذن لملاحقة المدعى عليهم لكونه أساساً مفوضاً بهذه المهمة"، هو اجتهاد باطل، غير صحيح، ولا يمكن تنفيذه أو التقيد به.
وبالتالي، سيثبت رزق الله كلام عويدات بأن البيطار تجاوز الصلاحيات المنوطة به، وواقع كف يدّه عن الملف. وبهذا الخيار، سيُتهم البيطار باغتصاب السّلطة، ما يترتب عن ذلك إجراءات عقابيّة بحقه. قد تكون استناداً للمادتين 392 و 393 من قانون العقوبات اللبناني، والتي ستكون عقوبتها الحبس. خصوصاً أنه جاء في مادة 393 من قانون العقوبات "من زاول دون حق مهنة خاضعة لنظام قانوني عوقب بالحبس ستة أشهر على الأكثر وبغرامة 50 ألف ليرة إلى 400 ألف ليرة لبنانية".
الخيار الثالث
ممكن أن يعتبر رزق الله، أن بعضاً من اجتهاد البيطار القانوني، منطقياً وصحيحاً، وجزء آخر غير منطقي. بهذه الحالة، يسمح للبيطار بالعودة إلى الملف لكن وفق شروط وضوابط معينة، يحدّدها رزق الله.
وبناءً على ما ذكر أعلاه، في حال قرر رزق الله، سجن البيطار على اعتبار توافر جرم اغتصاب السلطة، وهو الأمر المستبعد بشكل كبير، ستكون ظاهرة قضائيّة غير مسبوقة، وستثير موجة غضب في الشارع اللبناني، ولدى أهالي ضحايا التفجير على وجه الخصوص.
أما في حال عاد البيطار إلى عمله في الملف، فستشكل عودته نقطة مفصلية لجهة جلسات الاستجواب التي قد يجريها مع كبار القضاة والسياسيين والأمنيين، وهنا لا بد من الإشارة إلى احتمال غير بعيد أن تتكرر أحداث مشابهة لما حصل في "معركة" الطيونة أو ما حصل بين البيطار وعويدات بداية هذا العام. وفي كلا الحالتين، من المتوقع، أن يتحرك الشارع اللبنانيّ دعماً للبيطار واستنكاراً لمحاولات إبعاده عن الملف وطمس الحقيقة، أو رفضاً لاستجواب بعض الشخصيات السياسية في هذا الملف، علماً أن الأخيرة من شأنها تأجيج الشارع مرة أخرى.
في الواقع، من المهم اليوم الأخذ بالاعتبار أنه في حال تحقق الخيار الأول، وصدر القرار الاتهامي عن البيطار، فإنه بحاجة لأن يحول للنيابة العامة التمييزيّة للاطلاع عليه وإبداء الرأي، ونظراً للشرخ والتباعد في وجهات النظر الحاصلة بين الجهتين، فالمؤكد حتى الساعة أن القرار سيرفض وستمتنع النيابة العامة التمييزية عن استلامه من البيطار، ما يعني أن عرقلة الملف ستستمر إلى حين إيجاد أي مخرج قانوني آخر، أو عبر عقد أي اتفاق بين البيطار والنيابة العامة التمييزية، كي تعود الأمور إلى ما كانت عليه في السابق.
لا نخفي أن قضية المرفأ -أكان شعبياً أو قضائياً- قد اتخذت منحى مماثلاً لواقع السياسة اليوم في لبنان، من جهة غياب الأفق الواضح للمرحلة المقبلة، وفقدان الشفافية والمصداقية في أي قضية كبرى. لذلك، هذا الملف قد يبقى متخبطاً بين الكيديات ومحاولات الطمس الممنهجة والمقصودة، ليصبح شبيهاً بباقي الملفات القضائيّة الحساسة التي حكم عليها بالدفن. ولا شك أن هذه القضية ستسجل بصمة سوداء ضخمة بحق الدولة اللبنانية، خصوصاً بعد المطالبة بتحقيق دولي وبعد تدخل بعض الوفود الأوروبية في هذه القضية، ومناشدات أممية لاستكمال التحقيق. فالخيارات التي ذكرناها أعلاه هي دليل واضح على التشتت الحاصل قي هذا الملف، وتباعد وجهات النظر التي من شأنها تفجير الشارع اللبناني في أي لحظة، بيد أن ضريبة المماطلة لن يدفعها سوى أهالي الضحايا والجرحى، الذين يواجهون الموت بشكل يومي منذ عام 2020.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار