10-07-2023
صحف
|
الأخبار
رفع العدو من احتمالات التصعيد في مواجهة الساحة اللبنانية بعد إجراءاته لضم القسم الشمالي اللبناني من قرية الغجر: عمليات التسييج ووضع جدران إسمنتية حول البلدة داخل الأراضي اللبنانية، تفتح الميدان على أكثر من احتمال، وخصوصاً أنّ بيان إدانة الإجراءات الصادر عن حزب الله واضح في دلالته إلى تصعيد مقبل، وإن تعذّر من الآن الحديث عن مستوى مثل هذا التصعيد وحدوده.
والحديث عن قرب نشوب حرب بين إسرائيل وحزب الله قديم، ويتجدّد دورياً منذ سنوات طويلة، وإن كان هذه المرة مختلفاً عن السابق في منطلقاته وفي احتمالات حدوث الحرب، ويشبه إلى حد كبير التصعيد الذي كاد يتسبّب بمواجهة واسعة على خلفية الخلاف على الحدود البحرية العام الماضي.
ولا خلاف في أن العامين الماضيين، وربما أبعد من ذلك، كانا مشبعين بالاحتكاكات بين المقاومة والعدو على طول خط الجبهة، وما وراءه، بين أحداث أُعلن عنها وأخرى لا تزال مخفية عن الجمهور. لكن معظمها كان احتكاكاً استفزازياً موضعياً لا يدل على توجّهات عدائية للحرب، سواء لدى المبادر إليها أو من يتلقّاها.
إلا أن عدداً من الأحداث كان لافتاً، أخيراً، وكافياً ليكون سبباً للمواجهة، في حال كانت مطلوبة من أحدهما وفي حال كان ينتظر فرصة إخراجها إلى حيّز التنفيذ، وهو ما لم يحدث إلى الآن.
من الحوادث المسجّلة ما يعلن وما لا يعلن، وهو أيضاً معطى يتوافق مع إرادة اللاحرب وإن كان لا يلغيها: تعدٍّ وتجاوزٌ للحدود، «تعليم» طرف على آخر، احتكاك مادي تخللته مشادة وتضارب بالأيدي وصفعات، سحب سلاح وتوجيهه من دون إطلاق نار، أو إطلاق نار ترهيبي في الهواء يتبعه رد متناسب، فيما محاولات ترهيب المدنيين، وتحديداً من الجانب الإسرائيلي، عبر الصراخ وتوجيه السلاح وفي أحيان إطلاق نار في الهواء وإلقاء قنابل دخانية، باتت سمة فعل العدو، إلى أن ارتدع عنها.
في الموازاة، سجلت أحداث وخروق وازنة نسبياً، أُعلن عن القليل منها وبقي أكثرها خافياً. لكن، في كل مرة كان الجانبان يقتربان من المواجهة، حتى ولو محدودة وموضعية، كان أحد الطرفين يتراجع وينكفئ، وتحديداً من كان يتسبّب بالحادث. لكن، كما يبدو، مسار التحول والتراجع في هذه المعادلة بات هو السائد أخيراً في موازاة ارتفاع وزن الاحتكاكات ودلالاتها.
وفقاً لما يرد في إعلام تل أبيب، لم تعد قوة الرضوان التي يقال إنها تنتشر على طول الحدود مع فلسطين المحتلة، مؤلفة من بضع عشرات أو مئات ممن يقول العدو إنهم قاتلوا في سوريا ونُشروا على الحدود أو بالقرب منها بعد انتهاء مهماتهم هناك. إذ تشير التقارير العبرية إلى عدد من الألوية وإلى أكثر من 15 كتيبة. المهمة واضحة: الردّ الدفاعي على الاعتداءات البرية وصدّها، واجتياز الحدود في الحرب المقبلة، ونقل المعركة إلى أرض العدو.
قوة كبيرة كهذه من شأنها أن تعبّر عن نفسها بأفعال ميدانية تتعلق بأمنها، كالرصد والمراقبة وإجراءات الحماية والكمائن وتأسيس مواقع نظامية ومتنقلة مع جهد لوجستي يتناسب مع انتشارها في الميدان، فيما لا تنقطع عن المناورات والتدريبات، انطلاقاً من طبيعة مهمتها واختصاصها.
في المقابل، سعت إسرائيل مع انتشار قوة الرضوان إلى ما أمكن لتصعيب مهمتها في حال طُلب منها اجتياز الحدود وفقاً لما هو مخطط له. وهي إجراءات وقائية من شأنها أن تصعّب المهمة، لكنها لا تلغيها، كالكشف كما تقول إسرائيل عن أنفاق، أو تبديل الشريط الشائك بعوائق إسمنتية، وعمليات تجريف وتغيير في طبيعة الأرض.
سبقت كل ذلك وواكبته إلى الآن، سياسة إطلاق التهديدات والوعيد بالدمار والأذية، والإعلان عن تدريبات ومناورات تنتهي دائماً بنجاح مبهر! لمواجهة خرق الرضوان، وبين الحين والآخر الإعلان عن وسيلة قتالية ما واعتبارها سلاح «يوم الدين» في أي مواجهة مقبلة.
بين التهويل والتهديدات وبين الأفعال فارق كبير جداً. وهو ما ثبت أكثر من مرة في العامين الأخيرين في أكثر من حادثة كبيرة أو صغيرة، سجلت بين الجانبين. لكن، هل يسري ذلك على الغجر؟ وماذا عما هو دون الحرب؟ وما هو الفعل الذي لا يستتبع بالضرورة مواجهة؟ وماذا عن مواجهة محدودة لا تقود إلى حرب واسعة؟ وهل يسع الميدان أن يستوعب مواجهة أيام قتالية من دون أن ينزلق إلى ما هو أشمل وأوسع؟
في ما يرتبط بالمرحلة، المفارقة واضحة: كانت إسرائيل تبحث في المتغيرات التي من شأنها أن تضغط على حزب الله لمنعه من الرد على اعتداءاتها أو إلى أن يرد شكلياً، لكن بما يسمح للعدو بتغيير قواعد الاشتباك. إلا أن المهمة الآن باتت مختلفة، والعدو يبحث في المتغيرات التي تدفع حزب الله إلى تجاوز قواعد الاشتباك، للرد بما لا يتناسب ويزيد عن أي عدوان إسرائيلي تجاه الساحة اللبنانية وما يرتبط بها من ساحات، ناهيك عن المبادرة ابتداء.
وما تبحث عنه طاولة القرار في تل أبيب لا يقتصر على المتغيرات في الساحة اللبنانية، بل امتد أيضاً إلى الداخل الإسرائيلي الذي بات مشبعاً بالأزمات، وهو ما يعد متغيراً مناسباً لدفع حزب الله إلى التحرك ضد إسرائيل، كون متغير الأزمات يدفعها إلى الانكفاء والامتناع عن المبادرة وعن الرد.
المعضلة لدى صانع القرار الإسرائيلي هي في كيفية تغيير قناعات حزب الله بأن تل أبيب مقيدة اليد تجاه أي مواجهة بينية، وإقناعه بأنها جاهزة لتفعيل قدراتها العسكرية، تحديداً في الرد على ما تسميه «استفزازات» الحزب، فهل ينجح في مسعاه؟ النتيجة موضع شك كبير جداً. واحدة من المعضلات الإسرائيلية هي أن ما يقنع حزب الله ويدفعه إلى تغيير تقديراته بأن إسرائيل منكفئة عنه، هو أن يقدم العدو على استعراض للقوة وتفعيلها في لبنان، سواء بالمبادرة إلى ذلك أو رداً على «الاستفزازات». إلا أن هذه المبادرة لا تلغي أبداً أنّ إسرائيل غير معنية بالتصعيد في مواجهة الساحة التي يكمن فيها منسوب مرتفع من الإيذاء إن تسببت هي في إثارتها، ما يعني أن الحل هو سبب في زيادة المشكلة، وهي معضلة إسرائيلية مركّبة ومتداخلة.
قبل أيام صدر عن وزير حرب العدو يوآف غالنت حديث تهديدي موجه للبنان، وإن كان - للمفارقة - يعزّز من تقدير واقع الانكفاء الإسرائيلي عن الساحة اللبنانية. فتعليقاً على صاروخ أطلق على «الأراضي الإسرائيلية» من لبنان، قال غالنت إنه «في مواجهة أي انتهاك لسيادتنا وتحدّ لوجودنا في بلادنا، سنرد في المكان والزمان اللذين نختارهما، وبطرق علنية وسرية». وهو حديث تهديدي يدعو إلى الطمأنة نسبياً، وإن كان المقصود منه «ترهيب» الطرف الثاني، إلا أنه يظهر محدودية الخيارات الإسرائيلية المتطرفة في وجه لبنان.
إلا أن ما ورد، رغم سلامة مقدماته، لا يتوافق ولا يفسر إجراءات إسرائيل في الغجر؟ فهل اختلف موقفها وباتت جاهزة للرهان والمجازفة؟ الأسئلة لا تنقطع.
في المقابل، يقدّر حزب الله حدود الفعل الذي يقضي إلى مواجهة وذاك الذي لا يفضي إليها، رغم أن في تقديراته بعض الجرأة. إلا أن معظم إجراءاته وأفعاله تستند إلى مشروعية الفعل ومبدأ الرد على اعتداءات. جزء كبير من الحوادث والاحتكاكات التي بادر إليها جاءت رداً على أفعال إسرائيلية عدائية، مع مخاطرة بين الحين والآخر، بما تسمح، ويرى هو أنها تسمح به، قواعد الاشتباك و«المتغيرات»، سواء في لبنان أو في إسرائيل.
واحدة من ميزات موقف حزب الله تجاه الغجر أن أي فعل سيبادر إليه ضد العدو، يبقى في دائرة الرد على اعتداء صارخ للسيادة اللبنانية، وهو فعل لبناني يتناسب، مهما كان متطرفاً، على فعل إسرائيلي اعتدائي كبير جداً، ويضفي شرعية على فعل المقاومة، ويبرر موجباته، والتوثب إلى تنفيذه. فهل تبقى الأمور على ما هي عليه من دون الانزلاق إلى مواجهة؟
تسييج القسم اللبناني من الغجر لا يلغي لبنانية هذه المنطقة. لكنه قد يتسبب بإلغاء، أو السماح بتجاوز، قواعد الاشتباك وخرقها بتطرف.
وبناءً عليه، يمكن القول اليوم: نعم، لكنها نعم نسبية إزاء ارتفاع احتمال نشوب الحرب، وهو ما لا يجب أن يتجادل فيه اثنان، رغم أن الحرب نفسها، ما زالت غير حتمية.
تصدّرت قرية الغجر المحتلة المشهد السياسي والإعلامي في الأيام القليلة الماضية بعد انتهاء إسرائيل من أعمال ضمّ القسم اللبناني منها إلى الأراضي السورية المحتلة بواسطة سياج حديدي. لكنّ الغجر، التي بدأت القوات الإسرائيلية أعمال ضمّ جزئها اللبناني منذ العام الماضي، تُعتبر بؤرة قابلة للاشتعال نظراً إلى عوامل عديدة أهمها ضمّ القسم اللبناني منها بالقوة، ما جعله محتلاً ويخضع لـ«جهود ومساعي التحرير».
حتى حزيران 1967، كانت الغجر تُعتبر سورية، وخاضعة بالفعل للإدارة السورية، ويحمل سكانها الجنسية السورية، وكانت حكومة دمشق تفكر في تغيير اسمها إلى «المثلث» لأنها تقع على حدود ثلاثة بلدان: سوريا ولبنان وفلسطين. في حرب الأيام الستة، وفي العاشر من حزيران 1967 تحديداً، احتلت القوات الإسرائيلية القرية التي لم تكن قد سقطت قبل ذلك، خصوصاً أن الجيش الإسرائيلي عندما احتل هضبة الجولان السورية لم يدخل الغجر معتبراً إيّاها أراضيَ لبنانية بحسب الخرائط البريطانية التي كانت في حوزته. بعد أشهر من ذلك، دخلت القوات الإسرائيلية القرية ووضعتها تحت إدارتها، وفي عام 1982 منحت إسرائيل جنسيتها لأهالي الغجر الذين صاروا يُعتبرون «مواطنين إسرائيليين على أراضي العدو». وانسحبت إسرائيل من شمال الغجر عام 2000 عندما أنهت احتلالها للجنوب الذي استمر 22 عاماً، لكنّ لبنان لم يستعد سيادته إلا على تخوم القرية، قبل أن تعاود إسرائيل احتلالها مرة أخرى خلال حرب تموز 2006، ولم تنسحب منها. ومنذ عام 1978 حتى عام 2000، بقيت عملية البناء والتمدد العمراني مستمرة، حتى غطّت الجزء اللبناني من الغجر.
اليوم، أكملت إسرائيل استفادتها من الواقع الذي ساهمت في صنعه في الغجر، إذ بات التداخل السكاني - العمراني هناك عاملاً مساعداً لتل أبيب في تضييع هوية الأرض من جهة، ومعرقلاً للجهود الرسمية اللبنانية المقابِلة من جهة أخرى. فيما رسمت الأسلاك الشائكة حول القسم اللبناني من الغجر، مشهداً غامضاً حيال مستقبل الهدوء الحذر الذي كان يلفّ المنطقة.
تتصرّف قيادة العدو على أساس أن هناك مساراً جديداً انطلق على الجبهة الشمالية، وأن حزب الله يتصرّف كمن انتقل إلى مستوى مختلف من التعامل مع الوضع على الأرض. ويأخذ قادة العدو في الحسبان ما يصفونه بـ«جرأة» حزب الله على القيام بأمور غير آبه بردّ فعل إسرائيل، ما يعكس اختلالاً في موقف تل أبيب من تطورات الساحة الشمالية. وفي هذا السياق، تحوَّلت الخيم التي نصبها حزب الله في منطقة مزارع شبعا إلى معضلة جدية تواجه حكومة العدو ومؤسسات القرار الأمني في كيانه. علماً أن الإسرائيليين يحرصون على إخفاء التقديرات والمواقف المتداوَلة داخل المؤسستين السياسية والأمنية، في محاولة لتقديمها كما لو أنها مُجمعة على قراءة واحدة وقرار واحد، للتخفيف من وطأة الانكفاء المفروض عليها في مقابل تحدّي الخيم.
وبحسب متابعين، فإن «الأداء المنضبط للمستويين السياسي والأمني يكشف عن المأزق، وأن العدو حاول في بادئ الأمر تفادي هذا التحدي عبر إبقائه خارج الأضواء. لكن مع خروجه إلى العلن تحوّل إلى تحدّ مركّب بعدما دخل العامل الداخلي الإسرائيلي على خط المواقف والتفاعل معه». وقال هؤلاء إن «التعتيم على هذه القضية وإبقاءَها بعيداً عن الواجهة السياسية والإعلامية لم يعودا خياراً في المرحلة الحالية. وفي المقابل، من الصعب تأجيل البحث فيها إلى أمد مفتوح، خصوصاً إزاء مخاطر إقدام قوات الاحتلال على محاولة إخلاء الخيم بالقوة». وأشاروا إلى أن «بقاء الخيمتين في أراض سيادية (وفق الخطاب الرسمي الإسرائيلي) سيحوّلها إلى سابقة يتم الاستناد إليها في أكثر من اتجاه أمني وردعي وسياسي. وبالتالي، يخشى العدو من تحوّل انكفائه عن ملف الخيمتين إلى محطة انطلاق نحو تمدّدهما لاحقاً، أو تكرار هذا النموذج في أكثر من بقعة لبنانية تحتلها إسرائيل بما فيها تلك التي تمتد على الخط الأزرق».
وشرح المتابعون أن «العنوان الأبرز في هذه القضية يتعلق بمعادلة الردع القائمة، إذ شكّلت خيم حزب الله محطة إضافية في تعزيز صورة ردعه، مقابل تآكل صورة الردع الإسرائيلي». ولفت هؤلاء إلى أن هذا الملف شكّل «تحدياً مباشراً لحكومة بنيامين نتنياهو التي تواجه المأزق الداخلي الذي تصاعد أخيراً».
يشار الى ان قوات الاحتلال أعلنت انها ستجري مناورات عسكرية في سهل الحولة والجولان المحتل، في المنطقة الشمالية، ابتداء من ليل امس حتى الخميس المقبل. وسيتم اغلاق طرقات رئيسية في المنطقة.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار