04-07-2023
عالميات
|
الأخبار
أشعلت تطوّرات الشهور الفائتة في هذه البقعة بالذات، وفي محيطها القريب، الضوء الأحمر لدى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وتحديداً «الشاباك»، الذي رفع توصية إلى المستوى السياسي، يطلب فيها - سريعاً - تدشين حملة عسكرية واسعة في شمال الضفة. لكن قيادة الجيش الإسرائيلي عارضت مقترح «الشاباك»، واعتبرت أنه ليس ثمّة داعٍ لتدشين عملية واسعة، قد تستجلب تهديدات أمنية كبرى، وخسائر في الأرواح. بدورهما، جادل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن يوآف غالانت، بأن الظروف السياسية التي يعيشها الكيان، على المستوى الداخلي في ظل الأزمة السياسية المتفاقمة، وعلى المستوى الخارجي حيث العلاقات مع الولايات المتحدة غير مستقرّة، لا تسمح بشنّ عملية واسعة في الضفة، ستعرّض حكومة تل أبيب لضغوط شديدة حال تنفيذها.
إلا أنه خلال الأسبوعين الفائتين، وبعد أخذ وردّ بين أقطاب القرار السياسي والأمني، وعلى وقع «الكمين» الذي تعرّضت له قوات الاحتلال في مخيم جنين أخيراً على يد مقاتلي «سرايا القدس»، وبعده العملية الفدائية في مستوطنة عيلي، والتي قُتل فيها 4 مستوطنين، وتبنّتها «كتائب القسام»، جرى الاتفاق على شنّ حملة من «الإجراءات المكثّفة» في المخيم تحديداً، تحت مسمى «البيت والحديقة»، تفوق حملة «كاسر الأمواج» التي كانت تهدف الى إحباط المقاومة في الضفة، ولا ترقى إلى عملية «السور الواقي» في العام 2002، خلال الانتفاضة الثانية. وفي حين لا تبدو العملية الجارية حملة عسكرية شاملة، إلا أن ذلك لا يعني أنها ستنتهي خلال ساعات، بل ستسغرق على الأقل يومين، وفقاً لتطورات الموقف الميداني، والضغوط السياسية. وأكثر من هذا، قد يكون ما جرى أمس، المرحلة الأولى فقط، ما يعني أن ثمّة مراحل ثانية وثالثة وربما أكثر، تختلف فيها طبيعة الأهداف وأساليب العمل، وقد تفصل بينها فترات زمنية، خصوصاً أن العدوان يبدو من النوع الذي يطول تنفيذه، ويتحول إلى سياسة عمل دائمة وروتينية لفترة محددة، كما هو الحال مع «كاسر الأمواج». لكن الأكيد حتى الآن، أنه من اليوم فصاعداً، لن يكون استخدام الطائرات المسيّرة والمروحية في شمال الضفة أمراً محظوراً لدى العدو، بل سيصبح خياراً حاضراً دائماً، لتنفيذ اغتيالات، أو إحباط عمليات، أو تدمير منشآت.
وافتُتحت عملية «البيت والحديقة» بهجوم جوي على مقرّات يتجمّع فيها المقاومون في مخيم جنين، ثم اندفعت القوات الإسرائيلية إلى داخل المخيم، وسيطرت على مبانٍ كان يستخدمها المقاومون للتجمّع أيضاً، ولإنتاج وتخزين الأسلحة والعبوات، بحسب زعم العدو. وفي خلال ذلك، عملت قوات الاحتلال على جمع المعلومات الاستخبارية، وإجراء تحقيقات ميدانية مع معتقلين، بحيث يكون من الممكن عبر هذه التحقيقات الوصول إلى المزيد من المقاومين، وأيضاً المخازن ومراكز التجمّع. وتزامناً مع تنفيذ هذه المهمة، دخلت جرّافات العدو إلى أحياء المخيم الجانبية، وعملت على هدم بعض الجدران وحفر الطرقات وتخريبها، للحؤول دون انفجار عبوات بالجنود، ومنع زرع عبوات جديدة. وطوال يوم أمس، لم تقع اشتباكات عنيفة بين المقاومين وقوات الاحتلال، التي لم تكن قد توغّلت بعد إلى قلب المخيم، بل بقيت على أطرافه بعدما حاصرته وعزلته. لكن استثُني من تلك الحالة محيط مسجد تحصّن فيه مقاومون، بينما حاصرهم جنود العدو، وقصفوهم بالطائرات المسيّرة. واستمرّت الاشتباكات هناك 5 ساعات، لكن بعد دخول قوات الاحتلال إلى المسجد، وجدت أن المقاومين قد غادروه عن طريق أنفاق تحت الأرض.
وفي حصيلة اليوم الأول، وحتى ساعات المساء الأولى، كان جيش العدو قد هاجم نحو 20 هدفاً محدّداً مسبقاً في مخيم جنين ومحيطه، فيما سُجّل سقوط 9 شهداء و50 مصاباً بينهم 10 حالتهم خطيرة، غالبيتهم نتيجة الضربات الجوية، إضافة إلى شهيد في البيرة برصاص الاحتلال. كما أعلنت سلطات الاحتلال اعتقال 20 فلسطينياً لإجراء مزيد من التحقيقات معهم، واستجواب حوالي 70 آخرين ميدانياً. كذلك، كشف جيش العدو عن عدد من العبوات الناسفة المزروعة في باطن الأرض، ومخازن ذخيرة ومواد متفجّرة، ومشاغل لإنتاج العبوات البدائية، إضافة إلى منصّة بدائية لإطلاق الصواريخ. وفي المقابل، أعلن إصابة جنديين من جنوده، واحد بنيران المقاومين، وآخر بنيران صديقة.
وفي ساعات الليل، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، إن العملية «ستستمرّ طالما اقتضى الأمر ذلك»، مضيفاً أنه «في الأشهر الأخيرة ، أصبحت جنين ملاذاً للإرهاب. لسنا مستعدّين لقبول هذا، ونحن نضع حداً له. لا توجد أماكن محصّنة للإرهاب. ليس في غزة ولا في الضفة الغربية ولا في أي مكان». لكن يوسي يهوشع، المراسل العسكري في «يديعوت أحرونوت»، رأى أن «الضربة الاستباقية في جنين، لم تكن ناجحة بقدر ما تمّ التهويل والترويج لها»، مضيفاً أن «عملية عسكرية واحدة في جنين، لا تكفي للقضاء على (المقاومة هناك)، يجب شنّ سلسلة عمليات هجومية»، مشدداً على أهمية «عدم المفاخرة بإنجازات الجيش في جنين، وإنهاء العملية بأسرع وقت ممكن، لأن الساعات القليلة القادمة حاسمة للغاية». وفي الاتجاه نفسه، نبّهت دراسة نشرها «معهد دراسات الأمن القومي»، تزامناً مع العملية، إلى أهمية أن لا يكون عنوان العملية «استعادة الردع»، لأن «استعادة الردع ليست هدفاً عملياً، كونها غير قابلة للقياس». واعتبرت الدراسة أنه «من الممكن أن تؤدّي العملية العسكرية في جنين إلى تحسّن أمني على المستوى التكتيكي، ولكن ليس من المؤكّد أنه سيستمر لفترة طويلة».
أخبار ذات صلة