06-06-2023
مقالات مختارة
|
النهار
هذا الكلام يثبته أصحاب مشاغل في بيروت يتحدثون عن دوافع هذه الظاهرة، وما يقدّمه الفن والأشغال اليدوية من راحة نفسية لممارسيها. كذلك، يضفي العامل الاجتماعي في هذه المساحات عاملاً إيجابياً نفسياً أيضاً، يكمل التجربة كلّها، بحيث يشعر المرء بأنه في مكان منفصل عن الواقع، بوجوده بين أشخاص جدد يتعرّف إليهم وفنون جديدة يتعلّمها ويبدع فيها، وألوان يضيع بينها.
غادة شابة في الـ28 من العمر أحبّت إدخال تغيير إلى حياتها ولجأت إلى أحد المشاغل لتعلّم النحت بالفخّار. "التجربة كانت ممتعة جداً، شعرت بعدها بأنّني فجّرت طاقة سلبية في المنحوتة التي قمت بها للمرة الأولى في حياتي"، تقول غادة. ونوت مذّاك المثابرة على "هذه الهواية الجديدة".
من جانبها، تصف كريستال حداد، صاحبة مشغل يدوي لتعليم مختلف أنواع الأشغال اليدوية وعلى رأسها صناعة الشموع، في حديثها لـ"النهار"، ما تقدّمه من جلسات عمل يدوي للزبائن بأنّه "علاجي". ففي ظل التوتر الذي نعيشه، ووسط الأزمة الراهنة، ينسى المرء كم هو شخص مبدِع، "الشعور بإمكانية خلق شيء من الصفر يجعله يشعر بالرضى وهذا الشعور كافٍ لتعزيز شعوره النفسي إيجابياً"، تقول حداد.
كذلك، الانفصال عن الواقع الخارجي وتركيز التفكير في العمل اليدوي وتحرير الفكر من جميع الأفكار الأخرى، يكفي لأن يتحرّر الشخص من التوتر ولو لفترة مؤقتة. في هذا الإطار، يختار الشخص الألوان والأشكال التي يعبّر من خلالها عن حالته النفسية. ومن خلال استخدامه للزيوت الطبيعية في صنع الشمع، يشعر بالاسترخاء.
إلى جانب العمل اليدوي، تذكر حداد أنّ جوّ المشغل بحدّ ذاته يضفي عامل عزل عن العالم الخارجي، عبر التواصل مع أشخاص جدد بأعمار متنوّعة، وتجربة أجواء مرحة. ويرتاحون في هذه المساحة حيث يشعرون بأنّهم أحرار في صنع ما يريدون وتناول الطعام والمشروبات، ويدخلون كلّ إلى عالمه الخاص لاكتشاف نفسه.
وفيما فتحت حداد مشغلها في عام 2018، تلحظ الإقبال الكبير من الناس إليه بعد الأزمة الاقتصادية. ولدى سؤالها الزبائن لأول مرة عن دافعهم في تجربة هذه الأشغال، يكون جواب معظمهم "تحرير أنفسنا من الضغوط وتمضية وقت وحدنا والتعرّف إلى أشخاص جدد". وبينما يتّخذ معظمهم من هذا النوع من الأشغال ملجأ لتفريغ طاقاتهم السلبية، بينما يلجأ إليه آخرون لاكتساب مهارات في تعلم أشغال جديدة قد يحوّلونها إلى أعمال خاصة.
من جهتها، تتحدّث نور تنّير، من مؤسّسي مشغل لتعليم دروس في الأشغال اليدوية، لـ"النهار"، عن "التشافي من خلال الفن". هناك بحوث علمية عديدة خلُصت إلى مدى قدرة الإنسان على التعبير عمّا بداخله وتفجير طاقاته بالأشغال اليدوية أكثر من الكلام. وتخبر أنّ زوج شريكتها في المركز هو معالِج نفسي، وينصح كثيرين من مرضاه باللجوء إلى الفنون والأشغال اليدوية لعلاج أنفسهم.
تنّير هي مهندسة داخلية، أطلقت المشغل عام 2018، لإدراج دروس جامعية جديدة في عالمي التصميم والفنون للمبتدئين والمحترفين. وتؤكّد أنّ "العمل عبر اليدين أمر علاجي ويعود بالراحة النفسية على فاعله". وتذكر نور أنّه "قطعاً بعد الأزمة، باتت الأشغال اليدوية ملجأ للراحة النفسية وأصبح الإقبال عليها متواصلاً ويكبر". وهناك توجّه كبير من الناس إلى الأمور الحرفية لتحويلها إلى مشاريع صغيرة خلال انتشار كورونا وما بعدها.
بعد انتشار كورونا، وبعد الأزمة، أصبح الإقبال على هذه الأشغال اليدوية أكثر ممّا يمكن تصوّره، تفيد رانيا حطيط، مدرّبة أشغال يدوية. وتورد لـ"النهار" أنّ الناس كانوا بحاجة إلى تجربة هذه الفنون بعد الإغلاق التام في البلاد، وما رافقه من أزمة اقتصادية وضغوط نفسية نتجت عنها. وتروي حطيط أنّها عندما فتحت المشغل في عام 2018، كان الهدف منه تعليم الأطفال. لكنّها تحوّلت عن ذلك إلى تعليم الكبار للتحرّر من مسألة القيود التي يفرضها الأهالي عليهم. ومع الأزمة عام 2019، تحوّل الهدف من هذا المشغل، وذهب باتجاه آخر، و"هذا الاتجاه هو ما أوجده الناس بسبب حاجتهم إلى مثل هذه الأمكنة بعد الأزمات التي توالت"، بحسب حطيط.
لذلك، تبسّط حطيط ورش "التوجيه لا التعليم، فالفن لا يُعلَّم"، قدر الإمكان، بحيث لا تُفرض قيود على الزبائن. فهي لا تعطي صفوفاً كيلا تلزمهم، بل تتركهم يطلقون العنان لما يريدون سواء في رسومهم أو منحوتاتهم، وجميع أشغالهم اليدوية، فذلك يشعرهم بالرضى وبراحة أعصابهم.
وكل زبون يدخل المشغل، يخرج بعمل فنّي قام به للمرة الأولى في حياته، يشعر بالرضى بأنّه قادر على الإبداع، وبذلك يكون قد اكتشف نفسه وهذا الأمر بحد ذاته يعطيه حافزاً وعاملاً نفسياً إيجابياً، وفق حطيط.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار