27-05-2023
صحف
|
الأخبار
للمرّة الثانية على التوالي، يتوجّه، غداً، 65 مليون ناخب تركي، بينهم 47 ألف ناخب جديد، لاختيار رئيس للجمهورية، بعدما فشل كِلا المرشّحَين، رجب طيب إردوغان وكمال كيليتشدار أوغلو، في تجاوز عتبة الخمسين في المئة في دورة الاقتراع الأولى التي جرت في 14 أيار الفائت. وستكون الأنظار مركّزةً، هذه المرّة، على نسبة الاقتراع، وما إذا كانت ستزيد عن سابقتها أم ستتراجع أم ستبقى عند حدود الـ87 في المئة، علماً أن نسبة التصويت لدى أتراك الخارج، والتي لم تعلَن رسمياً بعد، عرفت ارتفاعاً كبيراً عن الدورة الأولى، في ما قد يكون مؤشّراً إلى ارتفاع نسبة التصويت العامّة أيضاً.
أمّا في ما يتّصل بالمتنافسَين، فإن إردوغان يخوض السباق بميزتَين اثنتَين مقارنةً بكيليتشدار أوغلو، وهما: الأولى، أنه تَقدّم في الجولة السابقة على منافسه بخمس نقاط كاملة (49.52 مقابل 44.88 في المئة)؛ والثانية سيطرة «تحالف الجمهور» الذي يؤيّد زعيم «العدالة والتنمية» على البرلمان في انتخابات 14 أيار، بـ322 مقعداً مقابل 278 مقعداً للمعارضة. أيضاً، يتمتّع إردوغان، راهناً، بمعنويات عالية تحدوها بعض المؤشّرات، وأبرزها أنه على الرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة، ومن الخسائر البشرية والمادّية الهائلة التي أحدثها زلزال السادس من شباط، إلّا أن الرئيس المنتهية ولايته نال في المناطق المتضرّرة حوالى 60 في المئة من الأصوات، مقابل ما متوسّطه ثلاثون في المئة فقط لغريمه. ولربّما أمكن تفسير ذلك بعامل الانتماء المحافظ والقومي المتشدّد لغالبية الأتراك، ورفضهم العودة إلى نظام حكم يسيطر عليه العلمانيون، خصوصاً في ظلّ ما يحمله الإسلاميون من ذكريات سيّئة عن الأنظمة العلمانية وإجراءاتها القاسية بحقّهم. ومع أن كيليتشدار أوغلو يعكس صورة علمانية متسامحة ومنفتحة، إلّا أنها على ما يبدو لم تكن كافية لتمحو في سنوات عقوداً من القمع على أساس أيديولوجي. كذلك، فإن الوعود الكثيرة التي أغدقها إردوغان بإعادة إعمار مناطق الزلزال، والحملة التي رافقتها للترويج لكون زعيم «العدالة والتنمية» وحده القادر على إنفاذ تلك الوعود، فضلاً عن التعويضات التي صُرفت للمتضرّرين، مثّلت عاملاً أساسياً في تفوّق مرشّح «تحالف الجمهور». يُضاف إلى ما تَقدّم، أسبقية الحملة الانتخابية لإردوغان، والتي سوّقته بوصفه «الرجل القوي» الذي يقود «تركيا القوية»، إضافة إلى انتزاعه ما لا يقلّ عن 90% من الحضور في الإعلام الموالي، وهو ما لعب حتماً لمصلحته.
أمّا الآن، فقد نجح إردوغان في مراكمة عوامل نجاح إضافية، أوّلها التأييد النظري له من قِبَل المرشّح سنان أوغان، على الرغم من أن الأخير لا «يمون» سوى على جزء من الأصوات التي حصدها في الدورة الأولى ومقدارها خمسة في المئة تقريباً؛ وثانيها مناخ الإحباط الذي أحاط بحملة كيليتشدار أوغلو بعد ظهور نتائج الدورة الأولى. وعلى رغم هذه الميزات التفاضلية، لم يجد إردوغان بدّاً من تكرار تحذيراته من «التراخي» في الذهاب إلى صناديق الاقتراع، وأن تُغري نشوة النصر المحتمَل الناخبين بالتقاعس عن الإدلاء بأصواتهم.
أمّا بالنسبة إلى مرشّح المعارضة، فلا شكّ في أن نتائج الجولة السابقة، سواءً الرئاسية أو النيابية، أصابته بخيبة أمل كبرى، لكن ذلك لا يمنع الرجل من المراهنة على بعض العوامل، ومنها:
أوّلاً: ارتفاع نسبة التصويت العامّة، والذي قد يعني ازدياد نسبة التصويت الخاصة له.
ثانياً: إعلان زعيم «حزب النصر القومي»، أوميت أوزداغ، وقوفه إلى جانب كيليتشدار أوغلو، علماً أن الأوّل نال 2.25 في المئة من الأصوات في الانتخابات النيابية، وكذلك إعلان رئيس «حزب العدالة»، وجدت أوز، الذي حصد 0.22 في المئة في البرلمانيات، تأييده لمرشّح تحالف «الأمة». وإذ يشكّل الرجلان معاً تحالف «آتا» (الأجداد)، الذي كان مرشّحه للرئاسيات سنان أوغان، فإنه في حال التزمت قواعدهما بالتصويت لكيليتشدار أوغلو، فسترتفع حصّة الأخير بمقدار 2.50 في المئة على الأقلّ، لتبلغ 47.5 في المئة، هذا إن بقيت نسبة التصويت لصالحه على حالها، ولم تكن أكبر في الدورة الثانية. وكان كيلتشدار أوغلو وأوزداغ أعلنا، الأربعاء الماضي، اتّفاقاً من سبع نقاط يثبّت الطابع القومي التركي للدولة، ويشدّد على محاربة «حزب العمال الكردستاني»، واستمرار سياسة اعتقال رؤساء البلدية (الأكراد) «المتعاونين مع الإرهاب»، وإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم خلال سنة واحدة. وبينما يبدو واضحاً أن مرشّح المعارضة أظهر، من خلال الاتفاق المُشار إليه، تشدّداً مستجدّاً ضدّ الأكراد من أجل كسب بعض الأصوات من التيّار القومي، فهو استجلب بالتالي انزعاجاً كردياً ولا سيما ربطاً بمسألة الاعتقالات، وغامر بخسارة جزء من الأصوات الكردية التي نالها.
وعلى رغم ما تَقدّم، إلّا أن حزبَي «الشعوب الديموقراطي» و«اليسار الخضر» الكرديَين أعلنا، كما كان متوقّعاً، في بيان أوّل من أمس، أنهما سيواصلان العمل بكلّ قوّة لإسقاط إردوغان، داعيَين الناخبين إلى أوسع مشاركة في انتخابات الدورة الثانية. وجاء في البيان المشترك الصادر عنهما أن «خيارنا الأوّل والأخير هو خلع إردوغان». وفي الاتّجاه نفسه، دعا فايسي صاري سوزين، في صحيفة «يني أوزغور بوليتيكا»، المؤيّدة لـ«حزب العمال الكردستاني»، إلى «العمل بكلّ قوّة لإسقاط إردوغان في الدورة الثانية»، لافتاً إلى أن «80 في المئة من الأكراد أعطوا أصواتهم لكيليتشدار أوغلو، وقدّموا مساعدة عظيمة للديموقراطيين الأتراك، لكن مع ذلك فإن الأكراد لم يجدوا من الشعب التركي الدعم الكافي». واستخلص أن «الأكراد قاموا بما عليهم، وما سيحصل في الدورة الثانية مرتبط بالأتراك»، معتبراً أن «المهمّ إسقاط إردوغان، ومَن بعدها نَنظر في كلّ الأمور المتبقّية». والجدير ذكره، هنا، أن «حزب الشعوب الديموقراطي» الكردي تفاجأ بتراجع نسبة الإقبال على التصويت في صفوفه في الدورة الأولى، بل ونيله أقلّ من عشرة في المئة من الأصوات في الانتخابات النيابية بتراجع بثلاث نقاط عن قوّته السابقة؛ وهو لذلك ربّما سيحشد لرفع النسبة في الدورة الثانية.
في هذا الوقت، برز انتشار كمّ كبير من الملصقات الإعلانية والفيديوهات الممنتَجة، الموجَّهة ضدّ كيليتشدار أوغلو، في العديد من المدن التركية. وركّزت مضامين هذه المنشورات على «دعم» مرشّح المعارضة للإرهاب، وحمَل بعضها عبارتَي «صلاح الدين ديميرطاش سيخرج من السجن»، و«قوات الحماية الكردية في سوريا ليست منظّمة إرهابية». وتعليقاً على ذلك، أعلن أحد نواب «حزب الشعب الجمهوري» أنه اتّصل بمحافظ نيفشهر، حيث انتشرت الملصقات بقوّة، ودعاه إلى اتّخاذ إجراءات إزاءها، وحصل على وعد منه بإزالتها، لكن المحافظ لم يفِ بوعده كما قال الأوّل. وبينما نشرت العديد من الصحف صوراً لمَن قالت إنهم عمّال البلديات التابعة لحزب «العدالة والتنمية» وهم يقومون بلصق الإعلانات على اللوحات الكبيرة، رأى الكاتب محمد أوجاقتان، في صحيفة «قرار» المعارضة، أن تعليق ما سمّاها «إعلانات مفترية» على كيليتشدار أوغلو، هدفه «تسميم الذهنيات النظيفة للناس»، وتخويف المجتمع من عواقب رحيل إردوغان، في مقابل «إهمال أزمات البلاد الاقتصادية والفقر المنتشر». واعتبر أوجاقتان أن «مِثل هذه الإعلانات لا تليق بتحالف الجمهور، واستخدامها في انتخابات الرئاسة أمر مخزٍ».
وفي حين اتّهم كيليتشدار أوغلو، إردوغان، بتلفيق الفيديوهات، داعياً إيّاه إلى مناظرة تلفزيونية مفتوحة، حمّل الأخير «جبال قنديل» (أي قيادة حزب العمال الكردستاني) مسؤولية صنعها، علماً أن التأييد الكردي لمرشّح المعارضة لا يستقيم مع هكذا اتّهام. كذلك، اعترف الناطق باسم الرئاسة، إبراهيم قالين، بأن الفيديوهات ممنتَجة ومزيّفة، متبرّئاً في الوقت نفسه من المسؤولية عنها، فيما لم يُفتح أيّ تحقيق فيها. ويرى البعض أنه في حال وقوف السلطة وراء هذه الظاهرة، فإن الهدف منها القول للرأي العام إن من يؤيّد إردوغان من الأكراد هو المعتدل، الذي يمكن أن يكافأ. ولعلّ ما يعزّز تلك القراءة قول الكاتب محمد متينير، في صحيفة «يني شفق» الموالية، إن «حزب الشعوب الديموقراطي قد دخل البرلمان، وفي حال دعمه لإردوغان في الدورة الثانية يمكن ضمان إمكانية البدء بمرحلة جديدة».
على أيّ حال، «الانتخابات لم تحسَم بعد، وكلّ شيء ممكن: ربّما يربح إردوغان وبفارق، وربّما يربح كيليتشدار أوغلو وبفارق»، بحسب ما رأى الباحث المعروف في الإحصاء ورئيس مركز «كوندا»، بكر آغيردير. لكن الواقع يقول إن فوز إردوغان أقرب إلى المنطق، وبنسبة لا تقلّ عن 52 في المئة بحسب التوقّعات، ليكون رئيساً من جديد لتركيا لمدّة خمس سنوات إضافية. ومع ذلك، فمن غير المنطقي إغلاق باب المفاجآت وحدوث «معجزة» تجعل من كيليتشدار أوغلو رئيساً. وإلى أن يُحسَم الموقف، ليس أمام المراقبين سوى انتظار إعلان النتائج، والذي لن يتأخّر بعد وقت قصير من إغلاق الصناديق وبدء الفرز، على الرغم من الارتفاع المتوقّع في نسبة التصويت.
أخبار ذات صلة