مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

23 سنة من "إنكار" التحرير

24-05-2023

مقالات مختارة

|

نداء الوطن

الإحتفال بالذكرى الثالثة والعشرين لتحرير الجنوب العام ألفين يستدعي التبصّر في ما آلت إليه الأوضاع والتساؤل عن سبب عدم استفادة لبنان من هذا الإنتصار، بدل التباهي بالإنجازات، وبالقدرة على صنع المزيد من الانتصارات، في وقت يرزح البلد الذي يراد له أن ينتصر على أميركا وإسرائيل، تحت ثقل أزمة سياسية واقتصادية تكاد تلغي وجوده.

ما من بلد في العالم حقّق اندحار الاحتلال عن أراضيه، إلا ونَعِم بمرحلة جديدة من الازدهار والنموّ والاستقرار الداخلي لأنّ الغزاة حرموه منها، بحكم اقتطاعهم أجزاء من السيادة الوطنية، ولأنّ المواجهة مع الغزو تكون قد استنزفت قدراته الوطنية. هذه الحقيقة التاريخية ثبتت صحّتها في كل العالم، لكنّها لا تنطبق على لبنان، الذي استمرّ يعاني من «احتلالات» من نوع جديد، تحت خيمة سيطرة قوى ميليشياوية، بعضها يتبع مصالح خارجية، لها طموحات وأطماع تستيقظ هي الأخرى في سياق الصراع على مقاليد السلطة ليس فقط على الصعيد اللبناني بل على الصعيد العربي أيضاً. كان يفترض أن تشهد مرحلة ما بعد زوال الاحتلال الإسرائيلي العام ألفين قفزة في الوضع الاقتصادي، في الجنوب خصوصاً، وعلى الصعيد اللبناني عموماً. ومع أنّ البلد شهد بعض الاستثمارات لكن الذي حصل أنّ منطق اقتصاد الحرب بقي مهيمناً على الساحة اللبنانية، بعد انكفاء إسرائيل تحت ضربات المقاومة، كأنها كانت تراهن على أن يستدير «حزب الله» نحو الداخل، وأن تمعن سوريا في وضع يدها على القرار السياسي اللبناني ومصادرته.

بل إنّ رموز الاحتلال السوري اغتنموا فرصة مغادرة جيش إسرائيل، من أجل الإمعان في العبث بإدارة البلد كما لو أنّ إسرائيل لم تنسحب منه، فازدهروا هم وجيوبهم بدلاً من أن يزدهر البلد الذي انقشعت عنه غيمة الاحتلال. كانت مصالح النظام السوري تفرض إبقاء لبنان ورقة تفاوضية في يده مع أميركا ودول الغرب، والأمر نفسه مع إيران. كلا البلدين تصرّفا على أنّ الاحتفاظ بنفوذهما عامل قوة لهما في أي تفاوض مع واشنطن.

من ينسى اعتبار دمشق في حينها، وقبيل الانسحاب الإسرائيلي ببضعة أيام أنّ هذا الانسحاب «مؤامرة» كما جاء على لسان وزير خارجية النظام فاروق الشرع؟ اقتضى إدراك الفريق الحاكم في سوريا أنّ الانسحاب الإسرائيلي مقدمة لانسحابه هو من مركز القرار اللبناني بدءاً بإعادة انتشار القوات السورية في البقاع، توصيف من يطالب بذلك، على أنه «متآمر». وهذا ما لم يحتمله فريق من اللبنانيين حالف السوريين و»حزب الله» إبّان مرحلة الاحتلال، مراهناً على أن إخراج إسرائيل سيجعل ما كان يُطلق عليه في ذلك الوقت «خاصرة سوريا» اللبنانية، آمنة، بحيث لم تعد بحاجة إلى البقاء في لبنان.

من هؤلاء الحلفاء والأصدقاء لدمشق، الرئيس الراحل رفيق الحريري، ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط. والأول كان أقنع صديقه الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك ببذل جهده لدى القيادات المسيحية لربط انسحاب الجيش السوري بالانسحاب الإسرائيلي مقابل إصرارها على وقف انتهاك دمشق السيادة وفرضها مشيئتها في السلطة. تحوّل الحريري وجنبلاط، إلى متهمين بالتآمر، بعد تلاقيهما مع سائر القيادات المطالبة بعودة القوات السورية إلى ما وراء الحدود.

وكان الانسحاب السوري نحو البقاع الذي نص اتفاق الطائف على أن يتم بعد ستة أشهر من حلّ الميليشيات، من عام 1990 قبل أن تلح عليه القيادات المسيحية ثم القيادات الإسلامية بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2000، ولم يتحقق إلا على دماء الحريري عام 2005.

التوصيفات نفسها نسمعها منذ سنوات حيال من يعترضون على استمرار سلاح «حزب الله» مستقلاً عن الدولة، بموازاة استخدامه وسيلة للتحكم بالسلطة السياسية وبالتحالفات التي تتيح الهيمنة على الحكم، من أجل تطويع البلد كساحة. ومهما قيل عن توجيه السلاح من أجل تحرير ما بقي محتلاً في مزارع شبعا، بعد إفشال محاولات استرجاعها بتخلٍ سوري عن إلحاقها بالجولان، فإنّ هذا الغطاء لم يقنع أكثرية اللبنانيين بأن الصيغة الراهنة لاستقلالية السلاح عن الشرعية هو لتحرير هذه البقعة.

لا يترك قادة «الحزب» مناسبة للتأكيد أنّ غياب التوافق اللبناني على استمرار السلاح بصيغته الراهنة، يعني أنّ وظيفته إخضاع البلد لمقتضيات موقع ودور محور الممانعة في سياق مشروع إيران الذي يتعدّى لبنان على الصعيد الإقليمي. ولأنّ هذا هو جوهر الهدف من وراء الاحتفاظ بالسلاح يحتاج «الحزب» إلى التذكير المتواصل بانتصارات محور الممانعة، وبات يحتاج أيضاً إلى القيام بالمناورات بالذخيرة الحية لإثبات فائض قوته على اللبنانيين، و»ثبات» طهران على «الجهوزية» للدفاع عن نفوذها في سوريا، وفي لبنان، وأنّ اتفاق بكين لا يغير شيئاً في وظيفة ترسانته.

«الحزب» يتصرف منذ تحرير الجنوب كأن إسرائيل لم تنسحب بعد، ويُخضع البلد لهذا الإنكار.

ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما