مباشر

عاجل

راديو اينوما

ositcom-web-development-in-lebanon

لبنان يكتشف نفطه الأخضر من جديد

12-05-2023

مقالات مختارة

|

الراي

فورة «الهايكينغ»... لبنانيون يعودون إلى الطبيعة لاستعادة طبيعتهم قدرة اللبنانيين على التأقلم مع المستجدات رغم قسوتها مثيرة حقاً للعجب. فهم لا ينفكّون يستنبطون طرقاً للتحايل على الأزمات ووسائلَ للاستمتاع بما تقدّمه لهم الحياة. تُقفل دروب أمامهم فيشقّون دروباً أخرى لم تكن في الحسبان ويجعلونها سالكة وآمنة ومَصدراً جديداً للرزق، فكيف إذا كانت الدروب في قلب الطبيعة اللبنانية، تكشف عن كنوزها الخضر وخباياها التراثية؟

«الهايكينغ» أو السير في الطبيعة ضمن مجموعاتٍ، طريقةٌ مستحدَثة للابتعاد عن المشاكل اليومية والاستمتاع بسحر الأمكنة المفتوحة وفضاءاتها والجميلة، بكلفة بسيطة، وقد تحوّلت رياضةً رائجةً ومساراً يجمع بين السياحة البيئية والريفية والدينية.

لم يُثْنِهم غلاءُ سعر بطاقات السفر أو تأخُّر إصدار الجوازات وارتفاع كلفة قضاء العطلة خارج البلاد ولا ارتفاع سعر المحروقات وشحّ المال بين أيديهم عن السعي للاستمتاع بوقتهم وعطلاتهم بأفضل الطرق، لا بل كانت هذه العوامل دافعاً لهم للعودة الى الجذور وإلى حضن أرضهم الأم.

لبنان الأخضر الذي لطالما شكّل قُبْلَةَ السواح العرب كان مجهولاً من قبل الكثير من أبنائه ولا سيما جيل الحرب وما بعدها الذي أبعدتْه الظروف والإنقسامات عن مناطق لبنانية كثيرة كان يَسمع بها عبر نشرات الأخبار، لكنها بقيت خارج نطاق انتمائه الاجتماعي أو الطائفي. واليوم يبدو أن الظروف أحدثت مفعولاً عكسياً وجمعتْ اللبنانيين من كافة أطيافهم في أحضان طبيعة واحدة في مناطق مختلفة.

ظاهرةٌ تستحق التوقف عندها ولا سيما مع تَزايُد عدد «الغروبات» التي تعنى بـ«الهايكينغ» والسياحة البيئية بشكل مضطرد بحيث صارت عملاً مربحاً يدرّ الأموال على أصحابها وقطاعاً اقتصادياً مهماً يساهم في إنماء المناطق الريفية وتحسين وضع أهلها.

مواقع التواصل الاجتماعي تعجّ بإعلاناتٍ عن رحلات الى مناطق طبيعية باتت لها شهرتها. ومكاتب تنظيم هذه الرحلات تتزايد يوماً بعد آخَر ولا سيما أنها لا تحتاج الى تراخيص من أي جهة رسمية. بل يكفي أن يكون مُنَظِّمُ الرحلة عارفاً بطبيعة المنطقة التي يقصدها ومستكشفاً للمسارات الطبيعية التي يمكن للزوار أن يسيروا عليها، حتى يصبح قادراً على تنظيم رحلة تعود عليه بربح لا بأس به.

نجاح هذا القطاع وازدهاره اليوم في لبنان يعود الى أسباب عدة، وفق ما يقول رولان كامل، أحد منظمي الرحلات الناجحة، لافتاً إلى أن «اللبناني الذي بات يخشى استخدام سيارته الخاصة للمسافات الطويلة نظراً لارتفاع سعر الوقود وَجد في هذه الرحلات كلفةً أقلّ ومتعةً أكبر. فهو خلالها يعيش تآلفاً اجتماعياً مع أشخاص من فئات وأطياف مختلفة ويمارس رياضةً بأقل كلفة ممكنة ويستمتع بالخروج من ضغوط المدينة والعمل اليومي والأخبار السياسية والاقتصادية الى طبيعة هادئة جميلة تزوّده بالطاقة الإيجابية استعداداً لِما ينتظره في اليوم التالي».

ويضيف: «لا تخلو المشاوير من الترفيه والرقص والغناء أو من تناول الأطعمة الريفية في أجمل المناطق. بحيث لم يعد مستغرباً مطلقاً مشهد الناس وهم يرقصون في الباصات ويغنّون بأعلى صوت، الأمر الذي يستغربه الأجانب الذي يشاركون في الرحلات».

وهؤلاء، بحسب كامل، «يهوون هذا النوع من الرحلات التي تتيح لهم التعرّف إلى كل بقع لبنان لا سيما الخفية منها بكلفة زهيدة. وأعدادهم الى تزايد، لكنهم غالباً ما يفاجأون بالأجواء المرحة الترفيهية التي يوجِدُها اللبنانيون أينما حلّوا. يتوقعون رحلة صامتة هادئة فيتفاجأون بالغناء والموسيقى وحلقات الدبكة في كل استراحة، وبأجواء من الألفة والصداقة والمرح أثناء السير في الطبيعة وكأن الآتين من مناطق وخلفيات مختلفة يعرفون بعضهم البعض منذ زمن».

لا يُطلب من المشاركين سوى تسجيل أسمائهم مسبقاً في الرحلة عبر «واتساب» والحضور على الموعد عند نقطة الانطلاق.

المعدات بسيطة: حذاء رياضي وقبعة وعصا ومياه وواقٍ شمسي. من كل الأعمار يمكنهم المشاركة: أطفال وشباب وحتى متقدّمون في السن. بعض المكاتب يفرض مبلغاً إضافياً بسيطاً للتأمين الصحي وبعضها الآخَر يطلب من المشاركين حمْل بطاقات تأمينهم الخاصة معهم. الرحلات لا تخلو من بعض الحوادث لكن حتى اليوم لم تُسجل حوادث كبرى، ما يدل على حرص المنظّمين على سلامة كل المشاركين.

تتعدّد أنواع الرحلات وصعوبة المسارات. ثمة مسارات مخصَّصة للمبتدئين الذين يسعون وراء النزهة أكثر من السعي خلف الرياضة. وهناك مسارات صعبة تحتاج الى مهارات رياضية عالية المستوى. بعض الرحلات يكون ذات طابع ترفيهي سياحي كزيارة الآثار والمعالم الريفية والتاريخية والطبيعية في المنطقة مع وقفات استراحة وتَناوُل للغداء في المناطق المقصودة، مع فرص شراء المنتجات المحلية من أرضها. والأسعار تراوح بين 15 و35 دولاراً اميركياً تبعاً لبُعد المسافة عن بيروت أو لاعتماد وقفة غداء في مطعم أو في أحضان الطبيعة. لكن مهما يكن من أمر تبقى الأسعار أوفر بكثير من رحلة إفرادية على متن سيارة خاصة.

كثيرة هي المناطق التي باتت قُبْلَةَ السياحة الريفية وسط الجبال والوديان على ضفاف الأنهار والسواقي وفي الغابات والأحراج ومنها على سبيل المثال لا الحصر منطقة الجاهلية الشوفية، منطقة عميق البقاعية، نهر العاصي في شمال البقاع، عيون السمك في الضنية، بحيرة شوان في فتوح كسروان، وادي قنوبين في الشمال وبالوع بلعة الشهير في تنورين ونهر الحاصباني في الجنوب... إضافة الى مسارات رائعة لا تُحصى في كل المناطق.

وأدركت البلديات المحلية أهمية هذه الرحلات سواء للترفيه أو السير في الطبيعة، وبدأت تعمل على إنشاء مساراتٍ للمشي ضمن نطاق مشاعاتها مع ربْطها ببعض المعالم التاريخية أو التراثية حتى تتيح للزائر رحلةً واضحةَ المسار يمكنه خلالها السير بأمان والتعرف إلى معالم تراثية. كذلك بدأ شبان وشابات المناطق الريفية يتحوّلون إلى أدلاء سياحيين يشاركون في الرحلات ويسيرون مع المجموعات لإرشادهم الى المسارات لقاء بدل مادي، ما فتح فرصَ عملٍ لهم لم تكن متوقَّعة. وقد استفادت بعض الأنشطة الزراعية من هذه الرحلات ووجدت فيها متطوعين يساعدونها في قطاف مواسمها مجاناً. وصار منظمو الرحلات يعدّون رحلة مثلاً للمساعدة في قطاف الكرز أو الزيتون والتفاح والعنب، أو يوماً للمساعدة في عصر العنب أو نزع الأعشاب اليابسة من الأرض.

النتائج الإيجابية لهذه الفورة السياحية داخل لبنان أكثر من أن تُعدّ ويمكن تعميمها على قطاعات ريفية واسعة، وكأن لبنان استعاد من خلالها «نفطه الأخضر».

بدءاً من بيروت يمكن القول ان قطاع الباصات السياحية استعاد زخمه بعد توقُّف قسري منذ الحرب السورية التي مَنعت القطاع من تسيير رحلات نحو الأردن وتركيا أو سورية، فوجد في الرحلات الداخلية تعويضاً مثمراً عن الرحلات الخارجية شبه المقطوعة.

على الطريق نحو المناطق الريفية نقاط استراحة للفطور والراحة تُنْعِش كل الأعمال الصغيرة لا سيما الأفران التي لم تكن تحلم يوماً بأنها ستلقى هذا الإقبال. حتى أن بعضها تحوّل الى مؤسسات عملاقة تمتدّ على مساحات واسعة وتقدّم خدمات غذائية متنوعة لا سيما تلك الموجودة على الأوتوسترادات الرئيسية نحو الشمال أو الجنوب والبقاع وباتت محطات أساسية في كل رحلة.

في المناطق الريفية غالباً ما يتم الاتفاق بين منظّم الرحلة والجهات المحلية على التوقف في الساحات والأسواق ليتعرّف المشاركون عليها ويساهموا في تنشيط عملها من خلال شرائهم للمنتجات المحلية الغذائية والحرفية، ويندر أن يعود مُشارِكٌ في الرحلة الى منزله مساء دون أن يكون محمَّلاً بأصناف منها. أما قطاع المطاعم فحدِّث ولا حرَج، إذ أن هذه الرحلات أنقذت الكثير ممن كان على وشك الإقفال وساعدتْ في إزدهاره وتَحَوُّله من أكشاك صغيرة إلى مطاعم محترفة كبيرة.

ومع ازدهار المناطق ازدهر قطاع جديد هو بيوت الإيجار القصير الأمد كما بيوت الضيافة. فالأخيرة هي بيوت ريفية تم تحويلها الى فنادق صغيرة تؤمن المبيت للزوار في إطار ريفي جميل مع فطور تقليدي يستمتع به أبناء المدن والزوار الأجانب على حد سواء.

أما بيوت الإيجار القصير الأمد فظاهرة جديدة في لبنان تتيح استئجار بيت لمدة محدودة، لليلة او أكثر، لقضاء وقت بعيد عن زحمة المدن ومتاعبها، وبهذا يحظى الزائر بتجربة ريفية حقيقية كما يستفيد صاحب البيت من إيجارٍ بالعملة الصعبة بلا «وجع رأس» وقوانين.

هو ابتكار صائب، الكل فيه رابحون. ويبقى أن يجتذب هذا القطاع المزيد من الزوار ليس فقط من داخل لبنان بل من السياح العرب والأجانب لأنهم سيجدون في مناطق لبنان الريفية كل ما يطلبونه لرحلة سياحية ممتعة كأنها «خارج الزمن».

ositcom-web-development-in-lebanon

مباشر

عاجل

راديو اينوما