بينما في الواقع، إنّ بري المسؤول عن الدعوة الى جلسات انتخابية، ينكفئ عن تأدية واجبه هذا، بحجة أن لا مرشح معلناً أمّن الأكثرية اللازمة لانتخابه. معادلة بري هذه تعطّل العملية الانتخابية الديموقراطية الدستورية، والواقع ينفي «حججه»، بحسب مصادر سياسية معارضة. ففريق الممانعة هو الذي عمد إلى عرقلة نصاب الجلسات الانتخابية، وبري من أقفل المجلس، فيما فريق المعارضة دأب على المشاركة في كلّ الجلسات التي عُقدت واقترع لمرشح واحد. فضلاً أنّه دعا ولا يزال على دعوته إلى جلسات انتخاب متتالية.
«الثنائي الشيعي» يصوّب على الخلاف المسيحي- المسيحي والماروني- الماروني تحديداً، فيما أنّه عملياً يتخطّى الاتفاق المسيحي والماروني تحديداً على رفض انتخاب فرنجية رئيساً. فلماذا لا يبدأ «الثنائي» باحترام هذا التوافق المسيحي على رفض فرنجية ويسحب دعمه له تمهيداً لفتح باب التوافق أو التقاطع المسيحي- المسيحي والوطني على أسماء أخرى؟ وهل إذا توافق المسيحيون والموارنة على مرشح واحد يصل إلى القصر الجمهوري من دون موافقة المسلمين؟ وهل إذا اتفق رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل على مرشح رئاسي يؤمَّن النصاب والأكثرية اللازمين لانتخابه؟ وهل أنّ الخلاف في البلد مسيحي - مسيحي لأسباب سلطوية أم أنّه وطني بين مشروعين يضمّ كلّ منهما أفرقاء مسيحيين ومسلمين؟ وبالتالي هل المطلوب إلغاء التعددية السياسية المسيحية وإجراء تسوية سلطوية لإيصال أي رئيس بمعزل عن حاجة البلد الفعلية؟ وهل إنّ المسلمين من سنّة وشيعة ودروز متفقون على مرشح واحد لرئاسة الجمهورية؟
هذه الأسئلة تحمل الإجابات عليها، بحسب مصادر معارضة، وتشير إلى ان مكمن «العقدة» الرئاسية الحقيقية، بين أيدي بري و»حزب الله». فكلّ القوى السياسية البارزة أبدت انفتاحها على أكثر من ترشيح، وسبق أن طرح رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط سلّة من 3 أسماء، وأبدى جعجع تأييده لانتخاب قائد الجيش إذا توافرت عوامل وصوله إلى سدّة الرئاسة الأولى وأبدى انفتاحه على أسماء أخرى تحمل صفتي السيادة والإصلاح. حتى باسيل طرح أكثر من اسم. فيما لا يزال «الثنائي الشيعي» الفريق الأوحد المتمسّك بمرشح واحد، وأعلن جهاراً، أنّ مرشحه الأوّل والثاني والثالث هو سليمان فرنجية، كما أكد نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم.
وأبلغ «الثنائي» هذا القرار إلى الموفد القطري وقبله الى الفرنسيين وكلّ من يتحرّك على الخط الرئاسي، داخلياً وخارجياً. كذلك إنّ الخلاف الماروني – الماروني تاريخياً، إن وُجد تعددياً، لم يحُل دون أن يتحوّل لبنان سويسرا الشرق، ولم يحُل دون إنجاز الانتخابات الرئاسية ضمن مواعيدها الدستورية، إلّا عندما تحكمت الممانعة بالقرار السياسي في لبنان، بحسب المصادر نفسها. بل إنّ الخلافات المارونية - المارونية أدّت في المحصّلة إلى انتظام مؤسساتي غير مسبوق والى بناء مؤسسات.
هذا في المسار الرئاسي، أمّا في المضمون، فتقارب المعارضة، لا سيما منها «القوات اللبنانية»، الانتخابات الرئاسية، على أنّها مدخل إلى إعادة بناء مداميك الدولة وليست «انتخابات للانتخابات» لإنهاء الفراغ الرئاسي فقط، ما يعني إبقاء لبنان في مستنقع الفشل والانهيار والعزلة. وحيال هذه النظرة السياسية يكمن الخلاف مع باسيل. فلو أنّ هناك اتفاقاً بين المسيحيين حيال الخطأ الاستراتيجي المتعلّق بـ»حزب الله»، لن تكون هناك عقدة من الاجتماع مع باسيل.
وتقول مصادر «القوات»: «التقينا تحت سقف واحد في بيت عنيا ونلتقي تحت سقف واحد في البرلمان. ليست هذه المشكلة، بل في مشروع «حزب الله» السياسي. وباسيل لا يزال يتحدث بـ»المقاومة»، فيما هي التي خربت لبنان وعزلته وأسقطت الدولة. ولا يزال باسيل يعتبر أنّ خلافه مع «الحزب» أنّه يضع الدولة أولاً ثمّ المقاومة و»الحزب» يضع المقاومة أولاً ثمّ الدولة».
وتوضح أنّ المشكلة المسيحية - المسيحية ليست سلطوية، وطالما لا يزال باسيل عند إصراره على «الخط المقاوم» لا يُمكن بناء الدولة. هذا في حين أنّ البلد لا يزال يعيش تداعيات الأحداث في عهد الرئيس ميشال عون، الصفحة التي لا يُمكن أن تُطوى بلحظة، ليس فقط على مستوى ممارسة العهد في الدولة، بل أيضاً جرّاء كارثية التحالف مع «حزب الله» الذي أوصل الدولة الى الانهيار. وبالتالي، جرّبت «القوات» الاتفاق مع عون، معوّلةً على بناء الدولة، لكن عهد عون انساق في اتجاه الدويلة، وانطلاقاً من هذه التجربة، لا يُمكن التفاهم أو التوافق مع فريق متمسّك بمصطلح المقاومة والثقة منعدمة فيه بناءً على تجارب سابقة. لذلك المشكلة ليست في أي لقاء مسيحي، ويُمكن الالتقاء، لكن انطلاقاً من أنّ أي تحالف يجب أن يكون مبنياً على مواجهة المنظومة والسلاح.