04-04-2023
صحف
|
الأخبار
شهدت الأسابيع الأخيرة من العام الفائت رحلات عودة طوعية للنازحين السوريين إلى لبنان، بعدما نظّم الأمن العام اللبناني لوائح اسمية للراغبين بالعودة إلى قراهم وبلداتهم في المحافظات السورية، منجزاً بمؤازرة أمنية للجيش اللبناني أكثر من رحلة عودة انطلقت من مخيمات عرسال. ورصدت وسائل الإعلام انتقال العائلات السورية من عرسال إلى قرى القلمون الغربي: فليطا، المعرّة، رأس المعرة، يبرود، قارة والجراجير، عبر معبر الزمراني، على متن آلياتهم من شاحنات، وسيارات رباعية الدفع وجرارات زراعية.
عودة تباينت فيها مواقف أهالي البلدة. ففي الوقت الذي استبشر فيه الكثيرون خيراً، وخصوصاً أن بلدتهم تضمّ ما يزيد على 80 ألف نازح سوري، يتوزّعون على 160 مخيماً، و3500 وحدة سكنية مستأجرة، كان هناك من وقف معترضاً وصفاً واحداً إلى جانب موظفي مفوّضية الأمم المتحدة لشؤون النازحين السوريين، ولعب دوراً أساسياً في ثني النازحين عن المغادرة إلى قرى القلمون الآمنة. ويعيد الناشط محمد، أحد أبناء البلدة، سبب الاعتراض على مغادرة السوريين «إلى مصلحة المعترضين أنفسهم، لأنهم خافوا أن تتضرّر مصالحهم المالية التي نشأت وقامت على ظهور السوريين، من إيجارات أراض للمخيمات أو سكن أو محالّ تجارية، بالإضافة الى تعهدات نقل صرف صحي ونفايات ومياه للشرب وغيرها من الأشغال التي نبتت وتفرّعت نتيجة الوجود السوري، بالنظر إلى المردود المالي بالدولار الأميركي من المفوّضية السامية لشؤون النازحين السوريين والجمعيات الدولية».
اليوم، عادت الصرخة لترتفع داخل البلدة، إذ تشير المعطيات إلى «عودة العائدين» من السوريين إلى عرسال «بشكل دوري وأكثر من طبيعي»، عدا استمرار رحلات النازحين السوريين، المقيمين في مخيمات عرسال، شبه الشهرية بين عرسال وقراهم في القلمون الغربي والقصير. يؤكد أحد وجهاء البلدة لـ«الأخبار» أن رحلات العودة التي نظّمها الأمن العام وفق لوائح اسمية ينبغي «إعادة النظر فيها والتدقيق فيها جيداً ومقارنتها مع لوائح المستفيدين من المفوضية، فالسوريون الذين تم ترحيلهم، أو القاطنون في عرسال، يصولون ويجولون بين قراهم وعرسال دون حسيب أو رقيب، بقصد الاستمرار في الاستفادة المالية من المفوّضية». ويشدّد الرجل على أن ما تحدث عنه محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، منذ أيام، عن أن هناك 20 إلى 30 عائلة تم ضبط أفرادها وهم يحاولون النزوح من الأراضي السورية إلى لبنان، ليس إلا «خبرية بسيطة، فعمليات المرور تسير بشكل طبيعي بين حدود عرسال وقرى القلمون الغربي».
ويكشف أحد أعضاء المجلس البلدي المنحلّ في عرسال لـ«الأخبار» أن هناك أكثر من 500 عائلة سورية تتنقّل بحرية ما بين قرى القلمون السوري والقصير في محافظة حمص وعرسال، وتحديداً قبل موعد استحقاق قبض المساعدات من المفوّضية وذلك «للبصم على البصامة في صالة المختار التي اعتُمدت من قبل المفوضية للحصول على تأكيد على هوية كلّ نازح قبل تسليمه مساعداته المتنوعة، وفي هذا دليل واضح على أن المفوضية لم تشطب أسماء من سجّلت أسماءَهم في رحلات العودة».
يحرص أهالي البلدة على العلاقة الطيبة مع الأجهزة الأمنية، والتأكيد على عدم التقليل من جهودها المبذولة، إلا أنهم في المقابل يناشدون إعادة تنظيم عودة النازحين وضبط عمليات عودتهم. ويؤكد أحد أعضاء المجلس البلدي المنحلّ في عرسال لـ«الأخبار» أنه، ومع بداية مراحل العودة الطوعية هناك سوريون «نعرفهم شخصياً يعودون مع كلّ شهر عند أوقات القبض، ويمرون عبر حواجز الجيش بشكل طبيعي، وليسوا بحاجة إلى التهريب عبر المعابر التي تربط عرسال بقرى قارة والجراجير ورأس المعرة وغيرها. كلّ ما نطلبه من الأجهزة الأمنية التنظيم والتنسيق من أجل منع عمليات المرور تلك، لأن عرسال لم تعد قادرة على تحمّل أعباء النزوح القاسية وعمليات المزاحمة التجارية للبنانيين بأكثر من 2400 محل تجاري لسوريين داخل عرسال في ظل عدم ترتّب أيّ أعباء عليهم».
يشكو العراسلة من «المزاحمة والمنافسة التجارية غير المتكافئة الفرص، بين من ينازع من أجل تأمين لقمة العيش ودفع فواتيره من كهرباء ومياه وصرف صحي، وبين من يتقاضى مساعدات مالية وغذائية وتدفئة، ولا يدفع أي فاتورة»، يقول رجل خمسيني من عرسال بكثير من الاستياء.
عمليات التنقل للسوريين لا تقتصر على قرى القلمون الغربي وعرسال، وإنما تتوسع لتشمل سوريين من ريف ومدينة القصير في محافظة حمص السورية، يتنقلون ما بين خيمهم في عرسال وبلداتهم في القصير عبر معبر «حيدر» في بلدة حوش السيد علي ـ الهرمل، «وهم أنفسهم الذين تذرّعوا سابقاً بأنهم يحتاجون إلى ضمانات من الدولة السورية للعودة، فكفى تلاعباً لتنفيذ أجندات دولية من قبل المفوضية والجمعيات والهيئات الدولية، وإلا فإن الأمور ستأخذ منحى تصاعدياً قد يطيح الجميع وخصوصاً أن الضائقة المعيشية في عرسال قد بلغت حداً لا يمكن أن تُحمد عقباه» بحسب أحد الناشطين من أبناء البلدة.
السوريون من جهتهم، ينفون عمليات الانتقال ما بين الأراضي السورية واللبنانية. يؤكد شاويش أحد مخيمات السوريين لـ«الأخبار» أن «السوريين يتوجهون من المخيمات الى غرفهم الزراعية، سواء في أراضي عرسال أو القلمون ويعودون أدراجهم». أما عن الاتهامات بشأن سرقة الكهرباء، والتي أثيرت خلال الاجتماع الأمني الذي عُقد في البلدة نهاية الأسبوع الفائت، فهي «غير صحيحة لأنهم يدفعون كهرباء لصاحب العقار المؤجر للمخيم. فليطالبوا المؤجّر الذي رفع سعر متر أرض المخيم إلى 7 دولارات يتقاضاها من المنظمات الدولية، ويفرض السعر الذي يناسبه».
بلغت حالة التململ في عرسال ذروتها وبدا ذلك واضحاً من الاجتماع الذي عقده بشير خضر محافظ بعلبك الهرمل مع قادة أجهزة أمنية في عرسال نهاية الأسبوع الفائت في مركز البلدية، والذي جاء نتيجة الشكاوى من مخاتير وفاعليات وأهالي بلدة عرسال، وشدّدوا فيه على المطالبة بوقف مزاحمة اليد العاملة السورية للعمال اللبنانيين، ووقف عمليات نزوح العائلات السورية، والتحقيق في سرقة الكهرباء وغيرها من الشكاوى. وأكّد خضر «قيام الأجهزة الأمنية بدورها وتنفيذ حواجز 24/24»، موضحاً أن «الأمن العام لا يستطيع ترحيل أيّ نازح من تلقاء ذاته، فهناك قضاء وقانون، والمطلوب تفعيل مسألة الأمن الاستباقي لأن الوضع لم يعد يُحتمل».
وفي ما يخصّ عمليات سرقة التيار الكهربائي في المخيمات، أوضح خضر أن «صاحب الأرض المؤجرة هو الذي يسرق التيار الكهربائي ويعود ليبيعها للنازحين السوريين، وهذا الموضوع ستتم معالجته من خلال دفع مستحقات الكهرباء».
عادت عمليات تهريب السوريين إلى لبنان بشكل ملحوظ منذ أشهر، ما دفع بوحدات من الجيش إلى تنفيذ حواجز وكمائن في سهول وجرود عدد كبير من قرى البقاع الشمالي حيث يتم توقيف المهربين والعائلات النازحة. وقد أكّد المحافظ بشير خضر، بعد اجتماعه مع الأجهزة الأمنية، خبر توقيف 20 إلى 30 عائلة سورية كانت تحاول الوصول إلى عرسال من سوريا. في المقابل، يؤكد مسؤول أمني لـ«الأخبار» أن عمليات النزوح الجديدة «بدأت بعد الزلزال الذي ضرب تركيا والشمال السوري، حيث تزايدت عمليات التهريب بشكل ملحوظ، ويتم توقيف من يقع في قبضة الأجهزة الأمنية»، كاشفاً أن المهربين «يتقاضون ما بين 200 و600 دولار أميركي عن كل فرد، وقد تمكّنت الأجهزة الأمنية من توقيف أفراد عصابات تهريب مع آلياتهم وتواصل العمل لمنع عمليات التهريب بشكل كامل».
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار