20-03-2023
صحف
|
الأخبار
وعلمت «الأخبار» أن ميقاتي سيبلغ الجانب القبرصي بأن المطلوب الآن التحاور تمهيداً لإعادة التفاوض بعد استتباب الأوضاع الدستورية في لبنان وانتخاب رئيس للجمهورية كون التفاوض في المعاهدات الدولية من صلاحيات الرئيس، كما أن الحكومة ليست في صدد إصدار أي مراسيم كونها تناقش الأمور «الملحة» ضمن إطار تصريف الأعمال، فيما مجلس النواب في حال انعقاد لانتخاب رئيس للجمهورية وغير قادر على التشريع.
عملياً، نحن أمام مرحلة جديدة تخرج لبنان من الفخ الذي وقعت فيه حكومة السنيورة عام 2007 (أو أوقعت نفسها). كما أنه يشكّل استدراكاً للاستعجال الذي أبدته الحكومة القبرصية، بعد توقيع اتفاق الترسيم مع العدو، في تشرين الثاني الماضي، عندما زار وفد قبرصي بيروت على وجه السرعة للبحث في تعديل الحدود البحرية بناء على الخط 23. يومها، جارى بعض المسؤولين اللبنانيين الاستعجال القبرصي، انطلاقاً من الحماسة للانتهاء من ملفات الترسيم. فأعلنت الرئاسة اللبنانية «التوصل إلى صيغة اتفق على تنفيذها وفق الإجراءات القانونية المتبعة المتعلقة بتعديل الحدود البحرية» بين البلدين. وأعلن نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب «الاتفاق مع قبرص على تعديل الحدود البحرية الجنوبية بين البلدين، وفق الخط 23»، لافتاً إلى أن «التعاون مع قبرص ليس كالتعاون مع إسرائيل، الدولة العدو»، باعتبار أن قبرص «دولة صديقة» كما أكد الرئيس السابق ميشال عون أثناء استقباله الوفد، و«لا حاجة لوجود وسيط بيننا، وهذا ما يجعل مهمتنا سهلة في إزالة الالتباسات الناشئة».
لا وجود لاتفاقية مع قبرص
ولكن، بعيداً من حسن نيات المسؤولين اللبنانيين المتلهّفين لبدء لبنان استثمار ثرواته البحرية، ثمة ثلاثة أسئلة أساسية ينبغي التوقف عندها:
أولاً، هل هناك أساساً اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص حتى نعمل على «إزالة الالتباسات الناشئة» فيها؟
في 11 تشرين الثاني 2006، بدأت في قبرص مفاوضات لترسيم الحدود البحرية مع لبنان، قادها عن الجانب القبرصي وفد من ثمانية خبراء مثّلوا الوزارات المعنية (كالدفاع والخارجية والنفط وغيرها…)، وعن الجانب اللبناني موظّفان اثنان في وزارة الأشغال العامة هما المدير العام للنقل البري والبحري المهندس عبد الحفيظ القيسي والخبير في شؤون النقل البحري في الوزارة حسان شعبان، وفي غياب حتى موظف عن الخارجية اللبنانية لتسجيل محاضر الجلسات. في 17 كانون الثاني 2007، بعد شهرين اثنين فقط من «التفاوض»، تم التوصل إلى «اتفاق» أسّس لـ«الخطيئة الأصلية» التي أدّت إلى تشابك الخطوط في ما بعد، وضيّعت على لبنان مساحات من مياهه الاقتصادية الخالصة وسنوات من المفاوضات مع العدو. رُسم خط الترسيم مع قبرص من النقطة 1 جنوباً (مع فلسطين المحتلة)، وهو ما أسّس للخط رقم 1 الذي رسّمه كيان العدو مع لبنان، إلى النقطة 6 شمالاً (مع سوريا). واعتُمدت آلية خط الوسط في ترسيم الخط بين لبنان والجزيرة القبرصية
أولاً، ثمة ملاحظتان يجدر التوقف عندهما تنسفان مبدأ وجود اتفاقية ترسيم مع الجزيرة من أساسه، وتسمحان بالقول بأن ما يسمى اتفاقية ليست دستورية ولا شرعية:
1 – بحسب المادة 52 من الدستور، «يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولا تصبح مبرمة إلا بعد موافقة مجلس الوزراء (…) أما المعاهدات التي تنطوي على شروط تتعلق بمالية الدولة والمعاهدات التجارية وسائر المعاهدات التي لا يجوز فسخها سنة فسنة، فلا يمكن إبرامها إلا بعد موافقة مجلس النواب». في ما يتعلق بالاتفاقية مع قبرص، لم يُدِر الرئيس السابق إميل لحود عملية التفاوض كما تنصّ المادة بوضوح، بل تولاها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة الذي يتبع له القيسي سياسياً. كما لم تُحَل الاتفاقية على مجلس النواب لإبرامها حتى يومنا هذا.
2 – في 11 تشرين الثاني 2006، بالتزامن مع بدء المفاوضات على الترسيم مع قبرص، قدّم الوزراء الشيعة في حكومة السنيورة استقالاتهم، ما أفقدها ميثاقيتها وشرعيتها ودستوريتها. وتم التوصل إلى الاتفاقية في ظل هذه الحكومة نفسها ما يجعل كل ما ينتج منها من دون قيمة قانونية أو دستورية.
رُبّ قائل بأن هذه قضية خاسرة لأن لا شأن للقبارصة بالانقسامات اللبنانية، وأنهم، منذ 2007، يتعاملون على أساس اتفاقية موقعة مع لبنان، وفق مبدأ إستوبل (Estoppel principle)، أو ما يعرف بـ«مبدأ عدم التناقض إضراراً بالغير»، ما يجعل الموقف اللبناني ضعيفاً قانونياً في حال أراد تعديل المرسوم 6433/2011 لتصحيح حدوده البحرية مع قبرص.
يقوم هذا المبدأ القانوني على إغلاق باب الرجوع عن أي قول أو فعل أو سلوك، وأن رضا أي طرف عن أمر ما أو سكوته عنه أو قبوله به صراحة أو ضمناً، يعتبر حجة عليه تمنعه من نقضه أو إنكاره. وبالتالي، فإن سكوت لبنان عن لا دستورية الاتفاقية مع قبرص طوال 15 عاماً يحول دون إنكارها. غير أن الاجتهاد الدولي وضع شرطين أساسيين لتطبيق هذا المبدأ، يكفي نقض أحدهما لاعتباره غير موجود:
– الأول، أن يكون القرار المتخذ واضحاً بعدم إجازة تعديله أو مراجعته، وهذا شرط لا ينطبق على تعديل المرسوم 6433 لأن المادة الثالثة منه نصّت بوضوح على أنه «يمكن مراجعة خط الحدود البحرية وتحسينه وتعديل لوائح إحداثياته في حال توافر بيانات أكثر دقة، وعلى ضوء المفاوضات مع دول الجوار المعنية».
– الثاني، ما يمنع لبنان من تعديل المرسوم بالاستناد إلى Estoppel principle هو أن تكون الجهة المعارضة للتعديل (قبرص في هذه الحالة) قد قبلت بالاتفاق وبنت مصالحها على هذا الأساس ما يجعل أي تعديل يلحق الضرر بها. وهذا الشرط لا ينطبق على قبرص لأسباب عدة:
– ببساطة، لم تقبل قبرص بالاتفاقية. يشير العميد الركن المتقاعد خليل الجميّل في كتابه «إشكالية ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وقبرص» (دار صادر، 2022) إلى أنه خلال المفاوضات الرسمية الوحيدة بين لبنان وقبرص، في نيقوسيا عام 2011، شرح الجانب اللبناني أن اتفاق الترسيم بين قبرص وإسرائيل تسبب بضرر للبنان كونه اعتمد النقطة الثلاثية رقم 1 (الحدود اللبنانية – القبرصية – الفلسطينية) غير النهائية، ولأن اتفاق 2007 بين لبنان وقبرص ينص على أن على كل طرف أن يراجع الآخر في أي اتفاقية تتعلق بهاتين النقطتين. فأوضح الجانب القبرصي أن الاتفاقية بين لبنان وقبرص لم تصدّق بعد وأن من حق الطرف القبرصي الدخول في مفاوضات مع إسرائيل، وأقر أن الاتفاقية مع لبنان تتضمن إمكانية التعديل بعد تصديقها.
– الاتفاقية لم تُصدّق وهي غير سارية المفعول علماً أن البند الثاني من المادة الخامسة ينص على أنه «يصبح هذا الاتفاق ساري المفعول عند تبادل الطرفين وثائق الإبرام».
– تعلم قبرص أن لبنان لم يبرم الاتفاقية ولا يمكنها بناء مصالحها على أساس اتفاقية غير نافذة.
– لم ترسّم قبرص حدودها رسمياً مع لبنان، بل عيّنت حدود بلوكات النفط التي تدعي ملكيتها وهذا لا يعد ترسيماً.
– لبنان لن يضرّ بمصالح قبرص في حال إعادة التفاوض لأن أي تنقيب لم يبدأ في البلوكات القبرصية 3 و9 و13 القريبة من الخط مع لبنان كونها متنازعاً عليها مع «جمهورية شمال قبرص التركية».
– على العكس، فقد أضرت قبرص بمصالح لبنان وفق مبدأ إستوبل عندما اعتمدت في ترسيم الحدود مع العدو الإسرائيلي النقطة رقم 1 بدل النقطة 23 في 17 كانون الأول 2010، على رغم تبلّغها أن لبنان عدّل هذه النقطة قبل خمسة أشهر في 14 تموز 2010. أدى ذلك إلى اعتماد العدو النقطة رقم 1 لرسم الخط 1 وضيّع على لبنان مساحة واسعة من مياهه، قبل أن يسترد اتفاق تشرين الثاني الماضي معظمها.
خطأ في منهجية الترسيم
ثانياً، هل أن حلّ الالتباس القائم بين لبنان وقبرص، بعد اتفاق الترسيم مع العدو، منحصر فقط بإزاحة النقطة الثلاثية بين لبنان وقبرص وفلسطين من النقطة 1 إلى النقطة 23؟
تبيّن مراجعة اتفاقية الترسيم بين لبنان وقبرص التشابه الشديد بينها وبين الاتفاقية التي عقدت بين قبرص ومصر عام 2003، ما يثير تساؤلات حول سبب استعجال المفاوضين إلى حد الاستعانة بنص اتفاقية سابقة وإسقاط الإحداثيات اللبنانية عليها، من دون الاستعانة بخبراء ترسيم ومكاتب دولية متخصصة. ما جرى عملياً هو اعتماد خط الوسط بين البلدين وفق النقاط المتساوية الأبعاد، والتي تعطي لبنان أقل بكثير من حدوده المائية. وقد أعدّ مركز الاستشارات القانونية والأبحاث (كان يديره السفير سعد زخيا) في الخارجية اللبنانية، عام 2014، دراسة تتبنى وجهة نظر أخرى بناء على قرارات صادرة عن محكمة العدل الدولية. إذ اعتمدت المحكمة في تعيين المناطق الاقتصادية الخالصة، ليس فقط على منهجية خط الوسط بين الدول، بل أخذت في الاعتبار التحديد المنصف للحدود، استناداً إلى طول الشاطئ، مع أخذ الظروف الخاصة في الاعتبار. وخلصت الدراسة يومها إلى أن لبنان خسر 2643,85 كيلومتر مربع، لأن الاتفاقية لم تأخذ في الاعتبار اعتماد فرق طول الشاطئ بين البلدين ومنهجية الترسيم المنصف ومبدأ التناسب. يعني ذلك، باختصار، أنه لا ينبغي اعتماد خط الوسط بين جزيرة محاطة بالمياه من كل الجهات وبلد له عمق بري (عدم الإنصاف). ويعني مبدأ التناسب واحداً من أمرين: الترسيم بناء على الاتجاه العام للشاطئ مع اعتماد معيار التناسب. في هذه الحال تكون النسبة 1,83 للبنان مقابل كل كيلومتر لقبرص ما يعني أن لبنان خسر 2643,85 كيلومتر مربع في الترسيم الحالي، فيما الحل الثاني يقوم على الترسيم وفق طول اتجاه الشاطئ مع تعرجاته واعتماد معيار التناسب وتكون النسبة هنا 1,59 للبنان مقابل كل كيلومتر لقبرص، ما يعني أن لبنان خسر 1600 كيلومتر مربع.
ثالثاً، هل قبرص «دولة صديقة» فعلاً؟
في ما يتعلق بـ«الصداقة» القبرصية، تنبغي الإشارة إلى أن الجزيرة «الصديقة» فتحت أراضيها، منذ عام 2017 أمام جيش العدو وسلاحه الجوي لإجراء تدريبات سنوية على غزو لبنان، في أي مواجهة مستقبلية مع حزب الله، بسبب تشابه الجغرافيا بين البلدين. بحسب صحيفة «إسرائيل هيوم» (2019-12-06): «قبرص نسخة عن لبنان: الجبال، النباتات، ضرورة العمل بين مدنيين»،. إضافة إلى «العلاقة الاستراتيجية العميقة التي تربط بين البلدين على كل المستويات». آخر هذه التدريبات جرت في أيار الماضي، ضمن مناورة «مركبات النار» الضخمة، وشاركت فيها أكثر من 50 سفينة وطائرة هليكوبتر، وآلاف من مقاتلي ألوية الكوماندوس والمظليين والهندسة، ومن القوات البحرية والجوية. الخبير العسكري يوآف زيتون الذي حضر المناورات كتب في «يديعوت أحرونوت» أن «مناورات قبرص تشمل الاستعداد لحرب واسعة النطاق لمحاكاة ساحة معركة مثل لبنان، وشملت غارات جوية على تجمعات حزب الله وأصوله العديدة في وسط وشمال لبنان، بما في ذلك مقاره الرئيسية، ونقاط تمركز كتائب الرضوان، وإعداد وحدات النخبة لمداهمات في عمق أراضي العدو».
وإذا كان لبنان الرسمي، السياسي والعسكري، لم يحرّك ساكناً منذ سنوات لطلب توضيحات من نيقوسيا، فإن هذا لا يلغي أن قبرص تشارك في التخطيط لشن حرب هجومية على لبنان، ما يخرجها من دائرة «الدول الصديقة» ويجعلها أقرب إلى الدول المعادية. فأن تفتح دولة أراضيها أمام دولة أخرى للتدرب على الاعتداء على أراضي دولة ثالثة تربطها بها علاقة «صداقة»، مخالفٌ لأبسط مبادئ الديبلوماسية والقانون الدولي، وينبغي ألا يعفي الدولة المضيفة من تحمل تبعات المشاركة في التخطيط والتدريب على الاعتداء
لذلك، ينبغي في حال بدء أي مفاوضات جديدة مع قبرص أخذ التموضع القبرصي إلى جانب العدو في الاعتبار، والحذر من عدم الوقوع مجدداً في الفخ الذي أوقعت فيه حكومة السنيورة لبنان عام 2007، والاستفادة من المعطيات الجديدة التي ولّدها اتفاق الترسيم مع العدو استناداً إلى قوة المقاومة ورسائلها العملية واستعدادها للذهاب إلى الحرب. إعادة التفاوض مع قبرص لا تعني فقط تغيير النقطة رقم 1 إلى النقطة رقم 23، بل إعادة النظر بالاتفاق من أساسه. رُبّ قائل بأن لبنان «يخترع» مشكلاً، والواقع أن لبنان يرد على مشكل وضعته قبرص فيه عندما لم تراعِ مصالحه. وقد يكون هناك من يجادل بأن الموقف اللبناني صعب قانونياً. ولكن، حتى لو صحّ ذلك، ليس على لبنان الاستسلام، بل تثبيت ربط نزاع مع قبرص فوراً، وصولاً إلى إعلان المنطقة متنازعاً عليها، وليُفتح باب الوساطات الدولية، والوقت هنا لمصلحة لبنان أيضاً لا لمصلحة قبرص والغرب المتلهف على بدائل للغاز الروسي. كما من مصلحة لبنان، أيضاً، أن تفهم «الصديقة» قبرص أن هذا البلد شديد الانزعاج من فتحها أجواءها وبحرها وأراضيها للعربدة الإسرائيلية ضده، وأن هذا السلوك قد يضرّ بمصالحها الوطنية.
في 10 تشرين الثاني عام 2006، عندما توجّه القيسي وشعبان إلى قبرص للتفاوض على اتفاقية الترسيم، سمحت السلطات القبرصية بدخول شعبان، كونه يحمل جواز سفر كندياً، فيما احتُجز القيسي الذي كان يحمل جواز سفر خاصاً بعض الوقت في المطار للتحقيق عن سبب زيارته، قبل أن يتوسّط سفير لبنان ميشال خوري لدى السلطات القبرصية للسماح له بالدخول!
توضح هذه الحادثة الفارق بين «الاستلشاق» الذي تعاملت به الجزيرة – الصغيرة والمقسّمة – مع لبنان عندما فاوض من موقع ضعف، وبين الخشية التي تعامل بها العدو الإسرائيلي – النووي والمسلح حتى الأسنان – مع هذا البلد بمجرد أن لوّحت مقاومته باستخدام القوة لاسترجاع حقوقه، ما دفع إلى تدخل رئيس القوة العظمى الأولى في العالم شخصياً لحل هذا الملف
أي دور لـ«جو»؟
بعد صدور توصيات اللجنة الوزارية بإعادة التفاوض مع قبرص، أرسل العميد البحري المتقاعد جوزف سركيس توصية إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي برفض ما خلصت إليه اللجنة، مشيراً إلى أن إعادة التفاوض مع قبرص لا تستند إلى أسس قانونية، وأن الموقف اللبناني ضعيف. وبعد أخذ وردّ، قرّر ميقاتي المضي في توصيات اللجنة. غير أنه يُخشى دائماً من تأثير سركيس الذي يعمل مستشاراً لرئيس الحكومة، علماً أنه يتردد أنه عُيّن في منصبه هذا بطلب أميركي للتنسيق بين ميقاتي والمسؤولين الأميركيين.
و«جو» سركيس هو «أحد أكثر الأفراد تميزاً من الناحية المهنية بين من عملت معهم في الوساطة». و«جو»، هو الاسم الذي يطلقه تحبباً الوسيط الأميركي السابق في ملف الترسيم البحري بين لبنان والعدو الإسرائيلي فريدريك هوف على سركيس. الديبلوماسي الأميركي السابق روى، في مقال في مجلة «نيوز لاينز» (4 كانون الأول 2020)، كيف أقنع «جو» واللواء الركن عبد الرحمن شحيتلي، في اجتماع في السفارة الأميركية في لندن في نيسان 2012، بـ«خط هوف» الشهير بناء على إحداثيات الضابطين، ما أدى إلى ولادة خط وسطي بين النقطتين 1 و23، قضم 45 في المئة من المنطقة المتنازع عليها، قبل أن يستعيدها اتفاق الترسيم الذي اعتمد الخط 23. وعلى رغم أن شحيتلي كان رئيس الوفد، إلا أن هوف الذي أشاد بـ«الكفاءة المهنية» للوفد العسكري، يعطي أهمية أكبر لـ «جو» الذي «لم يستغرق كثيراً من الوقت لإقناعه بالمنطق الذي عملنا وفقه، واقترح جو أن أزور بيروت للقاء رئيس الوزراء».
بعيداً من أن إشادة مسؤول أميركي تكفي وحدها لإثارة الشكوك، إلا أن عمل «جو» في ملف الترسيم ومشاركته في غالبية اللجان التي شكّلها لبنان لدرس هذا الملف يثير كثيراً من علامات الاستفهام، خصوصاً أنه من الفاعلين في تأسيس الخلل الذي ضيّع على لبنان سنوات من التفاوض، وضيّع الخط 29، وأقنع – أو كاد – كل المسؤولين اللبنانيين بقبول «خط هوف»، قبل أن يتمكن لبنان من إنقاذ ما يمكن إنقاذه بإقرار الخط 23.
في تموز 2010، وقبل صدور المرسوم 6433/2011 بأكثر من عام، أُبلغت الأمم المتحدة بالخط 23، من دون إبلاغها بالحدود الغربية مع قبرص، والشمالية مع سوريا، التي كانت جاهزة بموجب تقرير صدر عام 2009. في تموز 2011 لم يعترف العدو الإسرائيلي بالخط 23 ورسّم حدوده داخل المياه اللبنانية بالخط رقم 1، قاضماً 860 كيلومتراً مربعاً من المنطقة الاقتصادية اللبنانية.
وبدلاً من قيام الحكومة بتعديل إحداثيّات الخط 23 جنوباً بالخط 29 بناءً على تقرير صدر من المكتب الهيدروغرافي البريطاني (UKHO) في آب 2011، أي بعد حوالي شهر من إعلان إسرائيل للخط 1، صدر المرسوم 6433، متجاهلاً التقرير البريطاني. التقرير الذي طلبته حكومة ميقاتي لم يُعرَض على مجلس الوزراء، بل أحاله مستشار ميقاتي جو عيسى الخوري، بشكل شخصي، إلى سركيس واللواء عبد الرحمن شحيتلي للبتّ به، علماً أن تبنّي هذه الدراسة كان سيفضح الخطأ المرتكَب عام 2010 بالتسرّع بإبلاغ الأمم المتحدة بالخط 23.
في عام 2012 شُكِّلت لجنة برئاسة عبد الحفيظ القيسي وعضوية سركيس وممثّلين آخرين لبعض الوزارات المعنيّة، وبدلاً من العودة عن الخطأ والسير بالخط 29 والحصول على المساحة الإضافية التي تُقدَّر بحوالي 1400 كيلومتر مربّع، تمّ تجاهل التقرير البريطاني مرّة أخرى، وجرى إعداد تقرير آخر يمهِّد للسير بخط هوف، أي التراجع عن الخط 23 لمصلحة الإسرائيلي، وخسارة لبنان لمساحة تُقدّر بحوالي 350 كيلومتراً مربّعاً.