13-03-2023
مقالات مختارة
|
اينوما
وبين كثرة الـ"كليشيهات" الدبلوماسيّة المرحّبة بالاتفاق بين السعوديّة وإيران برعاية صينيّة، مقاربةٌ حذرة روّضت حصان اليوفوريا وأعادته إلى حظيرة القراءة الرصينة.
اقتناص صيني
لا اتفاق دوليّ، عادةً، وليد عدمٍ بل نتيجةً حتميّةً لـ"عجْنة" عوامل داخليّة وخارجيّة.
فعديدة هي المستجدّات الّتي طرقت و دوزنت عقارب ساعة الشرق الأوسط على التوقيت الصيني.
بداية، عزّزت سياسة الولايات المتّحدة الأميركيّة في الشرق الأوسط مخاوف حلفائها، ما دفعهم للبحث عن شريكٍ، لا بديلٍ، يدعّم أمنهم.
فبدءاً من الانسحاب الأميركي من المنطقة إثر التطوّرات الأفغانيّة الّتي جعلت حلفاء واشنطن يشكّكون بصلابة وديمومة التزام إدارة بايدن بأمنهم، فالتشدّد الأميركي في اتفاقات بيع السلاح بظل سياسة الحزب الديمقراطي، الى مقاربة الملف الإيراني بشكل عام، جميعها عوامل دفعت بحلفاء واشنطن، للتَشمير عن سواعدهم الدبلوماسيّة والانكباب على تأمين شريك يضمن الاستقرار، وعلى رأس هؤلاء، المملكة العربيّة السعوديّة الّتي ركزت نصب عينيها تنفيذ استراتيجيّتها "رؤية 2030" وما يحتّم ذلك من استقرار أمني لتحقيق النمو الاقتصادي المطلوب.
بالتوازي، يحاول أخصام واشنطن اقتناص فرص الـ"power vacuum" في الشرق الأوسط، برصاص اقتصادي تارة، و برصاص دبلوماسي تارة أخرى. ومع غرق القيصر الروسي بالمستنقع الأوكراني أكثر فأكثر، وجدت بكين ضالّتها!
وللصين مصالح مباشرة في المنطقة عامة والخليج خاصة، إذ يعتاش تنّينها الاقتصادي على النفط الّذي تستورد معظمه من الخليج رغم "الطحشة" الروسيّة على سوقها النفطي عقب الحرب الأوكرانيّة. لذلك، غرز التنين أنيابه الاستثماريّة في الأسواق الخليجيّة حتّى بات في طليعة الشركاء الاقتصاديّين.
تحوّل إيراني
وبين زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينغ "الى الرياض منذ حوالى ثلاثة أشهر، و بين توقيع اتفاقيّة الشراكة الاستراتيجيّة بين "بكين" و"طهران" كثمرة لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للصين، تطوّراتٌ سرّعت نضوج طبخة العلاقات الشرق أوسطيّة على الرغم من تحريكها تباعاً منذ العام 2021، طوراً بملعقة عراقيّة وطوراً بملعقة عمانيّة من دون نتيجة.
عمليّاً، وبقراءة لطيَات البيان الثلاثي، الموقف السعودي تجاه إيران لم يتغيّر. إذ إنّ الشرط الأساسي للرياض، والّذي لطالما عبّرت عنه بياناتها، هو تقويض النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو ما تضمّنه البيان بوضوح: "ويتضمن تأكيدهما (إيران والسعوديّة) على احترام سيادة الـدول وعـدم التدخل فـي شؤونها الداخلية". وصيغة الجمع هنا تقطع الشك باليقين إذ لم يقل البيان "الدولتين"، لحصر المبدأ بهما.
أبعد من ذلك، تضمّن البيان "تـفـعـيـل اتـفـاقـيـة الـتـعـاون الأمني بينهما، الموقعة في 222 - 01 - 142هـ، الموافق 2001-04-17م"، وفق البيان عينه، وهو اتفاق وُقّع بين الطرفين إبّان رئاسة "محمد خاتمي" لإيران، المعروف باعتداله قبل أن ينسفه "الحرس الثوري".
إذاً، ما الّذي دفع حكومة إيران المتشدّدة للتسليم بالشرط السعودي والعودة الى اتفاق وقّعه المعتدلون على مضض؟
بالواقع، أُسر النظام الإيراني بالأشهر الأخيرة بين فكي كماشة: من جهة، يعجز نظام الملالي عن التعامل مع أزمته الاجتماعيّة الداخليّة، إذ استنفد معظم وسائله المعهودة لإسكات المعارضين من دون نتيجة بين قمع وإعدامات وبلطجة، وسجون....... فخداع إعلامي و"عفو" ملغوم، ومع تصاعد الضغوط الدوليّة في ما خصّ الملف النووي ، من حكومة اليمين المتطرّف في إسرائيل ،إلى السخط الغربي المتزايد ،إلى تحليق المسيّرات المعمّمة فوق التراب الأوروبي.
حافلة الاتفاق تسير بحقل ألغام
ويخضع تكتيك إيران للهروب إلى الأمام لامتحان صارم حُدّد سقفه الزمني بشهرين، وعلى رأس التزاماتها الملف اليمني الذي يعتبره السعوديّون مسألة أمن قومي مباشر، وما بعد ذلك من ملفات أخرى معقّدة في المنطقة قد يستلزم حلّها سنوات إذا توافرت النوايا والظروف المناسبة وتداولت الصحف مطلب تخفيض التمويل الإيراني لحزب الله في لبنان.
فهل تتخلّى إيران فعلاً عن دورها الإقليمي الّذي يشكّل العمود الفقري إيديولوجيّاً وأمنيّاً لصمود نظام "الملالي "بذاته؟
على صعيد آخر، لا تزال الصين بعيدة عن الحلول مكان الولايات المتّحدة كضامن للأمن الخليجي والسعودي، فرعايتها هذه لا تتعدّى إطار الرمزيّة ، إذ تتمتّع الصين بشبكة علاقات اقتصاديّة واسعة مع طهران والرياض، إلّا أنّ طبيعة صراع النفوذ بين الطرفين: أمني-سياسي ،لا تجاري. بالمقابل، تحافظ أميركا على تواجد عسكري مباشر في المنطقة ،من خلال الأسطول الخامس والأسطول السابع اللذين يشكلان ضمانة عسكريّة لأمن الخليج العربي.
بالإضافة إلى ذلك، حافظت الولايات المتّحدة على شراكة استراتيجيّة استخباراتيّة مع السعوديّة على مدى عقود، فباتت تتخطّى الخلافات المرحليّة. تالياً، فإنّ الاتفاق بين السعوديّة وإيران بضمانة صينيّة لن يتخطّى إطار العلاقات بحدّ أدنى، وصلاحيّته تنتهي مع انتفاء مصلحة أحد الأطراف.
في المحصّلة، قد يؤدّي التقارب الظرفي بين الرياض وطهران إلى اتّفاقات داخليّة مؤقّتة في دول الشرق الأوسط، فحذارِ من "سكرة" اليوفوريا وما بعدها من "فكرة" التنصل الإيراني من التزاماتها فيما بعد.
سعاد الرامي/باحثة في السياسة السعودية
شربل زيناتي/باحث في العلاقات الدولية
أخبار ذات صلة
عالميات
اسرائيل ردت على ايران..
أبرز الأخبار