في انتظار ما ستؤول إليه نتائج الجمعية العمومية غير العادية لجمعية مصارف لبنان المقرّرة في الخامسة عصر أمس للنظر في مصير الإضراب حيث ستُطرح سيناريوهات عدة على طاولة البحث، ومنها تعليق الإضراب لفترة إضافية، أو العودة إلى الإضراب، أو غيرهما من الخيارات، مع ترقب الدخان الذي سيخرج من اجتماع مجلس القضاء الأعلى وما إذا كان أبيضَ أم أسود، في موازاة المذكرة التي سلمتها القاضية غادة عون لكل من مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود وما سيكون ردّهما على مضمونها.
وعلمت "المركزية" في السياق، أن الاتجاه غداً يميل إلى تمديد جمعية المصارف فترة تعليق الإضراب إفساحاً في المجال أمام الحكومة لمزيد من المشاورات لتسوية الوضع القضائي مع المصارف بهدف توحيد المعايير القضائية سواسية على الجميع، وهو المطلب الرئيسي للجمعية.
في غضون ذلك، وكما كان متوقعاً، تحرّك حاكم مصرف لبنان رياض سلام عبر اجتماع المجلس المركزي، للجم تحليق الدولار الجنوني في السوق السوداء حيث لامس الـ90 ألف ليرة، قبل أن يُصدر الحاكم مساء أمس بياناً حمل قرارات عدة بناءً على المادتين ٧٥ و٨٣ من قانون النقد والتسليف، وأبرزها "تدخّل مصرف لبنان بائعًا الدولار الأميركي النقدي وشاريًا الليرة اللبنانية النقدية على سعر ٧٠،٠٠٠ ل.ل للدولار الواحد، اعتباراً من اليوم الخميس"... فهبط الدولار في السوق السوداء من 90 ألف ليرة إلى 80 ألفاً دفعة واحدة.
هذا التدخل اللافت لسلامة ولو موقت، جاء تعويضاً عن لا مبالاة السلطة السياسية اتجاه ما يدور على الساحة النقدية وتأثيراته المقلقة على الوضعين الاقتصادي والاجتماعي. فماذا في تداعيات قرارات حاكم البنك المركزي الأخيرة؟
رئيس دائرة الأبحاث المالية والاقتصادية في بنك بيبلوس الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور نسيب غبريل يوضح لـ"المركزية" أن "الهدف الأول والأساسي لقرارات سلامة أمس، لجم تدهور سعر صرف الليرة في السوق الموازية، من خلال استقطاب الليرة النقدية من الأسواق مقابل تأمين دولارات نقدية في السوق. والهدف الثاني يكمن في تقليص الهامش بين سعر صرف الدولار الأميركي على منصّة "صيرفة" وسعر صرف الدولار في السوق الموازية".
ويُضيف: لا يدّعي مصرف لبنان أن تلك القرارات تشكّل الحلّ الجذري لمسألة سعر صرف الدولار في السوق الموازية، بل هو إجراء كبقية الإجراءات المتخذة منذ منتصف كانون الأول 2021 عندما أصدر مصرف لبنان التعميم الرقم 161 ونجح من خلاله إلى حدّ ما، في الحفاظ على منع تدهور سعر صرف الليرة لفترة طويلة من العام 2022.
ويرى أنه "يُفترض أن يكون هناك غير مصرف لبنان للبحث عن الحلول لهذا الواقع. فمصرف لبنان يتخذ قرارات تتعلق بالنقد لكنه لا يستطيع اتخاذ قرارات تتعلق بالموازنة والنمو". ويشير إلى أن "مصرف لبنان هو المؤسسة العامة المدنية الرسمية التي تتخذ القرارات للجم جنون السوق الموازية، في مقابل شلل مجلس النواب بسبب عدم انتخاب رئيس للجمهورية، وكذلك الحكومة التي لا تزال منذ الانتخابات الماضية في مرحلة تصريف أعمال".
"يَحورون ويَدورون ويَعودون إلى مصرف لبنان ليتخذ الإجراءات للجم سعر الصرف" يقول غبريل "الجميع يعلم أن سعر الصرف في السوق الموازية هو اصطناعي، حتى عندما كان يساوي 60 ألف ليرة... فهو بالتالي ليس مقونناً وغير شفاف ويخضع للمضاربين ومستغلي الاستحقاقات السياسية وتجار الأزمات .... وصولاً إلى الطلب المتزايد على الدولار من خارج الحدود اللبنانية. وإلا لا يوجد سبب تقني واقتصادي يؤدي إلى هذا التراجع الحاد في سعر صرف الليرة".
ويذكّر غبريل بأن "لدى مصرف لبنان أولوية الحفاظ على احتياطيه من العملات الأجنبية، وعلى المؤسسات الأخرى تحمّل مسؤوليّتها أيضاً واتخاذ قرارات مماثلة لا أن تصبّ كلها في مسؤولية البنك المركزي".
ويشدد على وجوب "أن يكون الهدف ليس فقط لجم ارتفاع سعر صرف الدولار وحسب، بل وقف إلغاء الاعتماد أو اللجوء إلى السوق الموازية. وذلك لا يتم إلا من خلال إعادة استعادة الثقة التي تؤدي إلى إعادة تدفق الأموال لتأمين السيولة الكافية في الاقتصاد اللبناني".