26-02-2023
عالميات
|
INDEPENDENT عربية
وتابعا، "لقيت منظمات المجتمع المدني وجماعات حقوق الإنسان التي ظهرت خلال 30 عاماً على انهيار الاتحاد السوفياتي نهاية مفاجئة، في وقت أصبحت الجماعات القومية التي ينظر إليها دائماً على أنها جماعات الهامش في مركز المسرح".
وذكر تقرير الصحيفة الأميركية أن "تلاميذ المدارس أصبحوا يجمعون العلب الفارغة من أجل إشعال الشموع للجنود في الخنادق على طول جبهات القتال ويتعلمون دروساً عن الدور الذي لعبته روسيا دائماً في تحرير الإنسانية من القوى العدوانية التي تحاول الهيمنة على العالم"، ونقل عن سيرغي شيرنشوف الذي يدير مدرسة خاصة في مدينة نوفوسيبيرسك بسيبيريا قوله إن "المجتمع خرج بشكل عام عن المسار وقلبوا الأفكار عن الخير والشر".
أضاف شيرنشوف الذي كان واحداً من مديري المدارس الخاصة الذين تحدثوا ضد الحرب أن "فكرة دفاع الروس عن بلدهم سهلة الهضم والتصديق، بخاصة عند خلطها بواحدة من الفصول العاطفية في تاريخ البلد وهي الحرب العالمية الثانية"، وتابع "حملة إشعال الشموع للجنود في جبهات القتال أصبحت شعبية لدرجة أن من يتساءل عنها في المدارس يتهم بالتواطؤ مع الغرب والمشاعر النازية".
وبدت رواية بوتين عن الحرب بأنه خاضها ضد الغرب الذي دعم النظام النازي المسيطر على أوكرانيا واضحة في متحف النصر بموسكو، حيث نظم معرض بعنوان "ناتوزية" الذي أكد فكرة محاولة "الناتو" الهيمنة على العالم، وهناك معرض آخر وهو "النازية في الحياة اليومية" حيث عرضت قطع أخذت من كتيبة آزوف الأوكرانية اليمينية المتطرفة كدليل على الإبادة التي يتعرض لها الروس في أوكرانيا.
هل تضررت صورة بوتين؟
وفي وقت يقدر المسؤولون الغربيون مقتل نحو 200 ألف جندي روسي خلال العام الماضي في المعارك، يبقى رهان الداخل على حال اقتصاد البلاد الذي لم يعان مصاعب كبيرة كما توقع كثير من المحللين الغربيين عند بداية الحرب، إذ لم تنجح العقوبات الغربية في تغيير مستوى معيشة الروس، حتى بعد مغادرة الماركات الغربية.
يقول بريجع في حديثه إلينا، "لم تتغير صورة القيصر في عقول الروس حتى الوقت الحالي، إذ لم تظهر بعد التداعيات الكبيرة على الاقتصاد الروسي"، موضحاً "لم نر انتشار جوع في روسيا أو نقصاً في الطعام أو غياب بضائع في الأسواق، كل شيء موجود، بحسب اعتقادي فإن شيئاً لم يتغير في حياة الأفراد"، ويضيف، "نعم هناك أصوات معارضة لبوتين لكن خافتة أو ضعيفة بسبب التضييقات والملاحقات من جانب الأجهزة الحكومية"، مردفاً "لا تزال استطلاعات ومؤشرات كثيرة تتحدث عن أن الغالبية من الروس يدعمون العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا".
ووفقاً لاستطلاع "ليفادا"، وهو مركز استطلاع آراء روسي مستقل، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، فإن 81 في المئة من الروس فوق عمر 55 سنة لديهم مشاعر سلبية تجاه الغرب، وبالنسبة إلى هؤلاء تتأرجح أوكرانيا بين كونها عدواً متحالفاً مع الغرب وجزءاً من روسيا، تعيش منذ عام 2014 في ظل حكومة غير شرعية وتعاني الهوية الأوكرانية المصطنعة التي فرضها متعصبون قوميون في أوكرانيا ومن قبل الغرب الذي يشجع هؤلاء المتعصبين.
يقول روسلان سليمانوف في حديثه إلينا، "تمكنت الحكومة الروسية من وأد معظم الانتقادات التي تواجه العملية العسكرية في أوكرانيا، إذ ألقي القبض على كثير من الأشخاص بسبب ما تعتبره الحكومة أنشطة مضادة للحرب ولوحق كل من ينشر آراءه على شبكات التواصل الاجتماعي لانتقادها"، موضحاً "منذ أن تولى بوتين الرئاسة عام 2000، استندت شرعيته إلى شعبيته ومكانته بين النخبة وإلى قدرته على بث الخوف في صفوف منتقديه ومعارضيه وذلك لا يزال قائماً حتى الآن".
هل أضرت الحرب بصورة "القيصر" في الداخل الروسي؟
بوتين يؤمن بأنه في الجانب الصحيح من التاريخ وإحكام السيطرة على المجتمع وصمود الاقتصاد أمام العقوبات الغربية يؤخر رهانات التغيير
أحمد عبد
في الاتجاه ذاته كتب أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد الأميركية ستيفن والت في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، أن إدارة الرئيس جو بايدن كانت تأمل في أن التلويح بفرض "عقوبات غير مسبوقة" على روسيا سيردع بوتين عن الحرب، وكانت تعتقد بأن تلك العقوبات ستفلح في خنق آلته الحربية وإثارة السخط الشعبي عليه وإجباره على التراجع، لكن الرئيس الروسي كان مقتنعاً عندما أقدم على الحرب بأن بإمكان بلاده تجاوز تلك العقوبات بأمان، وثبت أنه على حق حتى الآن.
ويشير والت إلى أنه على رغم أن تداعيات العقوبات على المدى البعيد ربما تكون أشد قسوة على روسيا فإن بوتين كان محقاً في تقديره أن العقوبات وحدها لن تحسم نتيجة الصراع على المدى المنظور، منوهاً بأن بوتين أصاب عندما قدر أن الشعب الروسي سيتحمل كلف الحرب الباهظة وأن الانتكاسات العسكرية في أوكرانيا لن تؤدي إلى إطاحته.
في المقابل ووفق تحليل حديث لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، يواجه بوتين استياء متزايداً من جانبين، فالقوميون الروس يقولون إنه كان يجب أن يتصرف بشكل أكثر جذرية للاستيلاء على كييف، بينما يعتقد فصيل آخر من ذوي الميول الليبرالية بأن "الحرب خطأ فادح"، معتبرة أن الرئيس الروسي "بحاجة إلى نصر عسكري كي يظل في الحكم".
ونقلت الصحيفة عمن وصفتهم بأفراد من داخل النخبة الروسية قولهم "في روسيا لا يوجد ولاء كامل"، موضحة "بدأ بوتين حربه بنوع من الغطرسة والحماسة على أمل تغيير النظام العالمي، لكن مع الانتكاسات التي تكبدها جيشه وبشكل متكرر، تراجع موقعه العالمي وأدى ذلك إلى اتهامه بجرائم ارتكبتها قواته، جعلته يرد بتقوية سيطرته في الداخل واستخدم الحرب لتدمير المعارضة، أو لهندسة مجتمع مغلق يعيش رهاباً ومعادياً لليبراليين والقيم الغربية، بخاصة الديمقراطية".
ووفق "واشنطن بوست" فإن "الموالين لبوتين يرون أنه لا يمكنه الخسارة وهذا بسبب القوة النووية والطاقة النفطية وثروة البلاد الهائلة والعدد الكبير من الجنود الذين يمكن رميهم في ساحة المعركة"، لكن رجال الأعمال والنخبة في مؤسسات الحكم "يعتبرون أن موقع القيصر كرئيس محفوف بالأخطار، إذ تزداد المخاوف والشكوك من طريقة إدارته للحرب وأساليبه. وبالنسبة إلى كثير من النخب، قامر بوتين بالتقدم الذي حققته روسيا على مدى الأعوام الـ30 الماضية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. إلا أن رؤية بوتين لروسيا تخيف كثيراً من الأوليغارش ومسؤولي الدولة الذين يتحدثون في ما بينهم أن الحرب كانت خطأ كارثياً وفشلت في تحقيق أي هدف، لكنهم يعانون الشلل والخوف والتزموا الصمت".
ونقلت الصحيفة عن بوريس بونداريف، الدبلوماسي الروسي الوحيد الذي استقال من منصبه احتجاجاً على الحرب قوله "بين النخبة التي يعرف أفرادها أن الحرب كانت خطأ، هناك من لا يزالون خائفين من عمل أي شيء بأنفسهم"، والسبب كما يقول "لقد تعودوا على بوتين وأنه يقوم بكل شيء".
وتتابع الصحيفة "يواجه بوتين الآن حنقاً من الصقور القوميين الذين يرون أنه كان يجب السيطرة على كييف والليبراليين الذين يعتقدون بأن الحرب كانت فكرة خاطئة. ولهذا أحاط نفسه بدائرة من المتشددين وقضى على المعارضين وشدد من قبضة الأجهزة الأمنية"، مضيفة "يرى الموالون للكرملين أن الطريق للنصر هو زيادة عدد الجنود في الميدان وتعزيز الإنتاج العسكري، وهذا خيار مناسب لشخصية بوتين، لكن أحداً لا يعرف مدى نهاية الحرب وما يمكن اعتباره نصراً. ويرى بعضهم أنه قد يرضى بضم الأجزاء في لوغانسك ودونيتسك وهما المنطقتان اللتان دعمت فيهما روسيا الانفصاليين، لكن آخرين يعتقدون بأنه لم يتخل عن حلمه باحتلال كييف".
وبالنسبة إلى بوتين، فإن الحرب على أوكرانيا محاولة لتصحيح ما اعتبره "أخطاء تاريخية"، فهو يرى أن أوكرانيا كانت دائماً "تابعة لروسيا"، لكن لا أحد يعرف حقاً الهدف العسكري الحالي للهجوم الروسي على أوكرانيا، أو ما قد يعتبره بوتين "نصراً".
وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أعلن الرئيس الروسي التعبئة العسكرية "الجزئية"، إذ تلقى مئات آلاف جنود الاحتياط، وهم مدنيون، استدعاءاتهم، لكن كثراً تجاهلوا النداء، فبقي بعضهم مختبئاً في روسيا وبعضهم الآخر فر منها، ووفق تقديرات غير رسمية، غادر نحو مليون روسي البلاد منذ بداية الحرب.
هل من "تحولات سياسية"؟
على وقع استمرار الحرب في الجارة السوفياتية السابقة من دون أفق واضح أو مؤشرات حتى اليوم إلى قرب انتهائها لمصلحة أحد الأطراف، أو حلحلتها بمفاوضات سياسية أو دبلوماسية، تتباين التقديرات في شأن احتمالات حدوث تحول في الداخل الروسي أو تغيير في المشهد على المديين القريب والمتوسط.
وتقول آنا بورشفسكايا وهي زميلة "آيرا وينر" في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في حديثها إلينا، "هناك عدد من الآراء المختلفة داخل روسيا، لكن السلطة تتركز بشكل رئيس في يد نخبة صغيرة لديها جذور قوية مع جهاز الاستخبارات السوفياتي السابق (كي جي بي)، ومن بينهم من هم أكثر تشدداً من بوتين"، مضيفة، "ربما يكون الرهان على الأوضاع الاقتصادية الأقرب في إحداث التغيير".
وبحسب بورشفسكايا التي عملت سابقاً مع المجلس الأطلسي ومعهد بيترسون للاقتصاد الدولي وشغلت وظيفة محللة في شركة متعاقدة مع الجيش الأميركي في أفغانستان، "على رغم أن العقوبات الغربية لم تأت بعد بنتائجها المرجوة على الاقتصاد الروسي ولا على المواطنين العاديين، إلا أنه ومع مرور الوقت ربما نجد تأثيراتها الضخمة على الآلة الصناعية العسكرية الروسية بشكل كبير"، مضيفة "تأثير العقوبات بدأ بالفعل، لكنه يحتاج إلى مزيد من الوقت".
ووفق ما كتب أندريا كيندال وتايلور مايكل كوفمان في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، فإنه "منذ حرب بوتين في أوكرانيا تعاظمت قوة المؤسسات الأمنية الروسية، لا سيما جهاز الأمن الفيدرالي، خليفة جهاز الاستخبارات السوفياتي (كي جي بي) وازداد رسوخها. وكلما ازداد اعتماد بوتين على القمع للاحتفاظ بسيطرته على الوضع، اضطر إلى منح هذه الأجهزة مزيداً من الصلاحيات. وعليه، فالأجهزة الأمنية التي تغذت تاريخياً بأفكار معادية للولايات المتحدة والغرب، مهيأة للحفاظ على نفوذها. وما لم يحصل تغير كبير في أوساط النخبة الحاكمة، ستبقى روسيا على موقفها الصدامي هذا".
وتابعا، "ربما تواجه روسيا بوتين تحديات متزايدة، بيد أن الكرملين سيحاول أن يتأقلم مع هذا الوضع، وعلى وجه الخصوص، كلما زاد شعور بوتين بالضعف، نظراً إلى انكماش قوات روسيا التقليدية في أوكرانيا، رجحت كفة الاعتماد على الطرق غير التقليدية من أجل تحقيق أهدافه. ووقوع الكرملين في ورطة عسيرة تحد من خياراته، لا تشعره بالندم على محاولته زعزعة استقرار أعدائه بوسائل خارجة عن المألوف أحياناً، وفي مجالات مثل الأسلحة البيولوجية أو الكيماوية أو السيبرانية أو الذكاء الاصطناعي".
في المقابل، ووفق ما كتبه أحد المقربين من الكرملين، فيودور لوكيانوف رئيس تحرير مجلة "روسيا في السياسة العالمية" والمدير العلمي لمنتدى "فالداي"، فإن "بوتين يبقى واثقاً باعتقاده بأنه يحقق مهمته التاريخية لوضع كييف تحت سيطرة موسكو"، مشيراً وفق ما نقلته تقارير روسية إلى أن الرئيس الروسي بدا مرتاحاً عندما أجاب عن أسئلته في منتدى "فالداي" الذي عقدت نسخته الأخيرة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حول الحرب الروسية في أوكرانيا، قائلاً، "كان واثقاً ومرتاحاً كما لم يكن من قبل. يبدو أنه متأكد بنسبة 200 في المئة أن ما يفعله وما تفعله روسيا ضروري لا مفر منه وأننا على الجانب الصحيح من التاريخ".
أخبار ذات صلة