في حديث إعلامي مع قناة "الجديد" اللبنانية في 21 فبراير (شباط) الجاري كشف رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي عن تفاصيل لقائه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والمحادثات التي دارت بينهما. تحدث ميقاتي بإسهاب عن تفاصيل لقائه للمرة الأولى، وقال "التقيت الأمير محمد بن سلمان، وتحدثنا عن الملف اللبناني، وكان اللقاء جيداً، وعلى الصعيد الشخصي تحدث معي بخطاب جميل، لكنه ميز بين الحديث الشخصي وموضوع لبنان". وأضاف "أنا معجب جداً بشخصية الأمير محمد بن سلمان، حيث عشنا ثورات في الشرق الأوسط، تسببت في الخراب، كما حدثت في بعض الدول ثورات خفية، لكن الأمير محمد بن سلمان أحدث ثورة حقيقية من فوق، إذ أجرى الإصلاحات اللازمة، وأظهر الحداثة في السعودية، حيث أحدث تغييراً لا يوصف". وتابع "من يذهب إلى السعودية ويعرف التغيير الذي حدث فيها سيفاجأ بالتغيير غير المعقول، بخاصة أن معظم المواطنين السعوديين هم من جيل الشباب الذين دخلوا الحداثة والتكنولوجيا، بكل معنى الكلمة، بالتالي السعودية بلد عظيم مع هذه القيادة القائمة".
وفيما يتعلق بالمساعدات السعودية للبنان، قال ميقاتي "الأمير محمد بن سلمان يتحمل حالياً هم اليمن، وهناك فريق من لبنان يخطط ويتآمر ضد السعودية في اليمن، ومصدر الخطر من لبنان، لذلك فإن ولي العهد السعودي لن يكون مستعداً للمساعدة إذا استفاد هذا الفريق من المساعدة". وأكد أنه "في الجانب الإيجابي يمكن أن يفهم من خطاب الأمير محمد بن سلمان أنه مستعد لمساعدة المحتاجين والمستشفيات والمجتمعات الاجتماعية في لبنان من خلال الصندوق السعودي - الفرنسي. أما الدولة، فطالما أن (حزب الله) يقدم مساعدات عسكرية لمن يعارض السعودية في اليمن، فلن تكون هناك مساعدة".
الاتصال الثلاثي
في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2021 نقلت وكالة الأنباء السعودية "واس" أن اتصالاً ضم كلاً من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع السعودي والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، لمناقشة الملف اللبناني جاء ذلك عقب تشكيل الحكومة اللبنانية الحالية برئاسة ميقاتي، 10 سبتمبر (أيلول) 2021. وجرى الاتصال أثناء وجود الرئيس الفرنسي في جدة، وذكرت مصادر دبلوماسية حينها، أن الاتصال بين الجانبين ناقش سبل مساعدة لبنان للخروج من أزمته ودعم الحكومة الجديدة، في ظل تعهدها بالقيام بإصلاحات. ونقلت "واس" عن ميقاتي أنه أبدى خلال الاتصال "تقدير لبنان لما تقوم به السعودية وفرنسا من جهود كبيرة للوقوف إلى جانب الشعب اللبناني". وكان بيان سعودي - فرنسي مشترك قد صدر خلال زيارة ماكرون وأكد "ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بإجراء إصلاحات شاملة، لا سيما التزام اتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان، وأن تشمل الإصلاحات قطاعات المالية والطاقة ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود". واتفق الطرفان السعودي والفرنسي على "العمل مع لبنان لضمان تطبيق هذه التدابير". وأكدا "ضرورة حصر السلاح على مؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لتجارة المخدرات"، كما شددا على "أهمية تعزيز دور الجيش اللبناني في الحفاظ على أمن واستقرار لبنان، واتفقا على استمرار التشاور بين البلدين في جميع تلك القضايا، كما اتفقا على إنشاء آلية سعودية - فرنسية للمساعدة الإنسانية في إطار يكفل الشفافية التامة، وعزمهما إيجاد الآليات المناسبة بالتعاون مع الدول الصديقة والحليفة للتخفيف من معاناة الشعب اللبناني"، كما أكدا "أهمية الحفاظ على استقرار لبنان واحترام سيادته ووحدته بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن (1559) و(1701) و(1680) والقرارات الدولية ذات الصلة". ولم يكشف ماكرون تماماً عما دار في المكالمة الهاتفية المشتركة مع ميقاتي، بيد أنه كتب في تغريدة على "تويتر"، "مع السعودية، قطعنا التزامات تجاه لبنان: العمل معاً، ودعم الإصلاحات، وتمكين البلد من الخروج من الأزمة والحفاظ على سيادته".
على هامش القمة العربية - الصينية
وفي أوائل شهر ديسمبر الماضي، وخلال انعقاد القمة العربية - الصينية في الرياض، افتتح الرئيس ميقاتي زيارته إلى السعودية، تلبية لدعوة وجهت إليه للمشاركة، وهي الزيارة الأولى لميقاتي إلى السعودية منذ توليه رئاسة حكومته الثالثة، أما في حكومته الثانية عام 2011، والتي تشكلت بنتيجة "انقلاب" على اتفاقية "سين سين"، فلم يجر ميقاتي خلال توليه إياها أي زيارة إلى السعودية. وتعد هذه الزيارة الأولى لمسؤول لبناني بهذا المستوى إلى السعودية منذ عام 2018. ومن ثم عاد الأمير محمد بن سلمان واستقبل ميقاتي في قصر عرقة في الرياض، حيث عقد معه لقاءً ثنائياً، بحث خلاله في مختلف شؤون الوضع في لبنان. وبحسب مصادر ميقاتي فإنه أراد من هذه الزيارة أن تكون فاتحة لتحسين علاقاته مع المسؤولين السعوديين، وكانت له لقاءات على هامش القمة مع رؤساء ومسؤولين عرب. وحضر الملف اللبناني في القمة السعودية - الصينية، وفي القمة الصينية مع دول مجلس التعاون الخليجي. وأكد البيان الختامي للقمة السعودية - الصينية "الحرص على الإجراءات اللازمة لحفظ أمن واستقرار لبنان". وشدد على "أهمية إجراء الإصلاحات اللازمة والحوار والتشاور بما يضمن تجاوز لبنان لأزمته، تفادياً لأن يكون منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنة للتنظيمات والجماعات الإرهابية التي تزعزع أمن واستقرار المنطقة، أو مصدراً أو معبراً لتهريب المخدرات". من جانبه، عبر ميقاتي عن الشكر والتقدير الدائم لمواقف السعودية التاريخية تجاه لبنان والدور الأساسي للسعودية في إرساء المصالحة اللبنانية وتكريس مرحلة السلام بعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني في مؤتمر الطائف. وأكد التزام الحكومة اللبنانية اتخاذ كل الخطوات التي تمنع الإساءة إلى السعودية وكل الدول العربية، لا سيما منها دول مجلس التعاون الخليجي. وتم التأكيد خلال الاستقبال على أهمية انتخاب رئيس للبنان وتنفيذ الإصلاحات التي يتطلع إليها الشعب اللبناني والمجتمع الدولي.
بدوره، شدد ولي العهد على حرص السعودية على أمن لبنان واستقراره، وعلى استمرار الدعم الإنساني الذي تقدمه السعودية وفرنسا للشعب اللبناني الشقيق، وذلك وفق تغريدة لوزارة الخارجية السعودية على "تويتر"، والتي تضمنت البيان الخاص بلقاء قصر عرقة في العاصمة الرياض. قبل ذلك، سربت وسائل إعلام لبنانية عن لقاء حصل بين الأمير محمد بن سلمان ونجيب ميقاتي في شرم الشيخ على هامش قمة المناخ في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، بينما تحدثت وسائل أخرى عن لقاء قصير حصل على هامش افتتاح بطولة كأس العالم في قطر شهر نوفمبر أيضاً، لقاءً لم يدم طويلاً.
هل من تغيير في مواقف السعودية تجاه لبنان؟
من الواضح، ومن خلال جميع البيانات التي صدرت عقب كل قمة، أن مواقف السعودية تجاه لبنان لم تتغير، وما زال جوهر الأزمة وعمقها على مستوى العلاقات العربية بلبنان، هو نفسه. وما نقله ميقاتي عن لسان ولي العهد هو لب الموضوع، "هناك فريق في لبنان يتآمر على السعودية، ولن نقدم أي مساعدة للدولة اللبنانية، طالما أن (حزب الله) يتآمر علينا، ويقدم مساعدات عسكرية لمن يقاتلنا في اليمن"، والتأكيد مجدداً على الاستمرار في مساعدة اللبنانيين عبر الصندوق الفرنسي - السعودي "حصراً" في المرحلة الراهنة. وبحسب البيان الصادر عن وزارة الخارجية السعودية، لا تزال شروط الرياض هي نفسها بالنسبة إلى لبنان، أي التمسك باتفاق الطائف الضامن للاستقرار، وعدم الإساءة إلى دول الخليج والدول العربية، وانتخاب رئيس موثوق، وإنجاز الإصلاحات المطلوبة. كل هذه المواقف تندرج في سياق دفتر الشروط الثابت، ويبقى على اللبنانيين التزامها، والبحث عن القدرة على تطبيقها. وفي شهر سبتمبر (أيلول) 2021، وعقب تشكيل الحكومة اللبنانية الحالية، سرب قصر الإليزيه وقائع اتصال هاتفي جرى بين الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي، حيث عبر ولي العهد السعودي عن أن مشكلة السعودية مع لبنان ليست في الأشخاص ولا في الحكومة، بل في السياسات اللبنانية المتبعة، ولا سيما السياسة الخارجية والأداء المستمر وتغطية ممارسات "حزب الله" في المنطقة العربية. وفي اتصالهما شدد الأمير محمد بن سلمان، لماكرون، على أن المشكلة السعودية الأوضح مع لبنان هي "حزب الله"، وقدرته على فرض سياسته الخارجية على الحكومة الرسمية. لذا، لا يمكن لأي مسؤول سعودي أن يوافق على مسايرة الفرنسيين وتقديم الدعم للبنان، فيما "حزب الله" يستمر في مواجهة السعودية في اليمن والعراق وسوريا. كل ذلك يتلخص فيما قاله وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، خلال مؤتمر صحافي مع أمين عام جامعة الدول العربية وأمين عام مجلس التعاون الخليجي، خلال فترة انعقاد القمة العربية – الصينية في ديسمبر الماضي، "يعود إلى اللبنانيين أن يقرروا ما هو الأفضل لهم"، مضيفاً أن السعودية وكل الدول العربية ستدعم اللبنانيين في ما يقررون، متمنياً للبنان كل الخير. وهذا ما يتوافق مع شروط المجتمع الدولي تجاه لبنان، "ساعدوا أنفسكم لنساعدكم". طبقوا الإصلاحات البنيوية الشاملة المطلوبة منكم حتى نقدم للدولة مساعدات مالية ضرورية لإعادة النهوض الاقتصادي.