18-02-2023
صحة
|
INDEPENDENT عربية
كارين اليان الضاهر
.
أرقام مقلقة عن السمنة والسكري
تشير تقديرات الاتحاد العالمي للسمنة إلى أن 224 مليون طفل في المدرسة يعانون السمنة، وقد يرتفع هذا العدد إلى 267 مليوناً بحلول عام 2025. وهناك ملياران من البالغين يعانون زيادة الوزن ومنهم 670 مليوناً يعانون السمنة. هذا وتسجل في الكويت أعلى نسبة سمنة في العالم، كما ترتفع معدلات الإصابة بالسكري في دول الخليج عامة لتصل إلى 25 في المئة في مقابل نسبة 11 إلى 13 في المئة في لبنان. بحسب عميدة كلية العلوم الغذائية والزراعية في الجامعة الأميركية في بيروت، رئيسة الأكاديمية اللبنانية للتغذية وعلم الغذاء، الدكتورة نهلة حويلا، الأرقام تدعو إلى القلق وتستدعي نشر ثقافة التغذية التي لها دور جوهري في الوقاية من الأمراض. لا تنكر أنه في لبنان في ظل الأزمة قد لا يشكل هذا الموضوع أولوية على رغم أهميته، لكن هناك تنسيقاً بين نقابة اختصاصيي التغذية ووزير الصحة العامة في إطار تطبيق الاستراتيجية الصحية ومن ضمنها الاستراتيجية الغذائية. "تنقص المعرفة في لبنان وتتعدد الجهات غير المسؤولة التي توجه الناس من خلال معلومات مغلوطة. التنظيم حاجة ملحة ليكون التثقيف الغذائي في إطاره الصحيح وللوقاية من أمراض عدة في السنوات المقبلة. فكلفة الوقاية أقل بكثير من المعالجة على الأنظمة الصحية وذلك مهم اليوم أكثر من أي وقت مضى".
أطلقت إرشادات في التغذية من 15 سنة للمدارس، لكن هناك حاجة إلى تعديلها بحسب المشكلات الحالية في البلاد. فخلال الأزمة يركز الناس على النشويات في غذائهم الأقل كلفة. يهدد ذلك بزيادة معدلات السكري والبدانة لدى الأطفال والراشدين. وتتأسف حويلا لأن الوكالات التابعة للأمم المتحدة تركز على الدراسات بدل التدخل بجدية في المجتمع. وتوزع أحياناً المكملات الغذائية في المجتمع خدمة لمصالح شركات بدلاً من إرشاد الناس نحو السلوكيات الغذائية السليمة المستدامة. ولعل نقص المعرفة والثقافة يزيد من احتمال وقوع المواطن في الخطأ.
هذا ما تؤكده مختصة التغذية نيفين بشير، معتبرة أن ثقافة التغذية لا تزال متواضعة في لبنان، والتركيز في البلاد وفي العالم على الصدمات معالجة والصحة النفسية، مع إهمال للتثقيف الغذائي "هناك حاجة ملحة إلى العودة إلى توجيه الأطفال من سن مبكرة. هناك مدارس تركز على نوعية الطعام وتقدم الطهو الصحي، وهذا جزء مهم من التثقيف الغذائي ويوجه الطفل نحو السلوكيات الغذائية السليمة، كما تمتنع بعض المدارس عن تقديم الأطعمة غير الصحية والمشروبات الغنية بالسكر، لكن هناك تفاوتاً واضحاً بين المدارس في هذا المجال في لبنان". بالنسبة إلى المراهقين والشباب تبدو المعرفة معدومة. هناك تركيز على الأطعمة السريعة التحضير التي تشكل خطراً على صحتهم وما من وعي في هذا المجال، كما أن الهم الأساسي خفض الوزن استناداً إلى ما هو متداول على وسائل التواصل الاجتماعي وبغض النظر عما إذا كان النظام الغذائي سليماً.
وتعتبر التوعية ضرورية بين الأهل أيضاً لأنهم المسؤولون الأساسيون عن تغذية أطفالهم ويشرفون عليها، ويشكلون ركناً أساسياً في عملية التثقيف الغذائي للأطفال.
في المقابل، أدركت دول أخرى في الخليج والعالم خطورة الوضع الصحي وأهمية التوعية في مجال التغذية وتحرص على نشر الوعي من دون عوائق، بتوافر الإمكانات لذلك. وهي تعتمد إلى حد كبير على النشاط الجسدي الذي يشكل جزءاً مهماً من الحياة اليومية. أما في لبنان، فبدلاً من الاستفادة من تجارب هذه الدول إيجاباً، تعتمد السلوكيات السيئة التي في نمط حياتهم، والأزمات المتكررة زادت الوضع سوءاً. قد يكون الوعي موجوداً، لكن التطبيق يظهر عكس ذلك، وهناك تراجع على مستوى النشاط الجسدي بشكل خاص. قد تكون فكرة الحفاظ على الرشاقة موجودة وقد تشكل هاجساً، لكن ليس على أساس نظام صحي متوازن، فتشكل تهديداً صحياً.
الطفل أكثر تأثراً بالتوجيهات
يعتبر تعليم الأطفال السلوكيات الصحيحة أكثر فاعلية كونهم أكثر مرونة ويسهل نقل المعلومات إليهم. وفق اختصاصية علوم التربية وعلم النفس العيادي الدكتورة سمر الزغبي، يتلقى الطفل المعلومات بشكل أمثل بين عمر أربع و20 سنة. عندها من الممكن التدخل لتكوين عادات صحية وتوجيهه ليفكر أكثر بالسلوك المعتمد ويصحح سلوكه الخاطئ بوعي عبر التنظيم الذاتي. لذلك تبرز أهمية العمل في هذه المرحلة على تعزيز ثقافة التغذية للطفل سواء من خلال المناهج التربوية أو من خلال ورش عمل ومشاريع. "ما من وعي في هذا المجال في لبنان لأن العلاقة مع الأكل لا توضع في إطارها الصحيح سواء في المدارس أو خارجها. في المدارس لا يوضع الغذاء في الإطار المكاني والزماني الصحيح، إلا في بعض المدارس التي تحدد نوعية الغذاء والمواعيد، كما أنه ما من إدارة صحيحة لهذه الأمور من قبل المعنيين وتحقيق الأرباح عبر التسويق للأطعمة السريعة التحضير الجذابة يطغى على ثقافة الغذاء على حساب صحة المواطن".
التربية الغذائية موجودة من حيث المبدأ في المناهج التربوية من عام 1997 بحسب رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء الدكتورة هيام إسحق، لكن ضمن دروس العلوم الطبيعية، فتحدد سلوكيات غذائية معينة يمكن اتباعها مع آثار التغذية على الصحة. في المقابل التطبيق هو بدرجات متفاوتة بحسب الأساتذة والمدارس. أما القانون الذي وضع من سنوات عدة لتحديد الأطعمة الصحية التي تباع في المدارس، فلا التزام به.
قد نجد تعمقاً في هذه الدروس في فترات معينة أكثر من أخرى. على سبيل المثال في فترة انتشار الوباء ركزت المدارس على أهمية الغذاء في تعزيز جهاز المناعة. وقد تعتمد أحياناً الأعمال التطبيقية. إنما في ظل الأزمة، هناك تهاون في هذا المجال بسبب تقليص المناهج لإنهائها في الوقت المناسب. لذلك لا تدرس التربية الغذائية بشكل معمق ويبقى التفاوت واضحاً بين المدارس. فموضوع ثقافة التغذية تحول إلى رفاهية على صعيد المدارس وعلى صعيد الدول. فحين تكون الإمكانات متوافرة تصبح من الأساسات، وإن كان الكل يدرك أهميتها. على الأرض هناك صعوبات دائماً في التطبيق "نعمل حالياً على وضع إطار وطني جديد نركز فيه على التربية الصحية والجسدية والغذائية من خلال أسس المناهج الجديدة. ستترجم في المواد وفي مشاريع تطبيقية للحد من انتشار أمراض عدة، لكن ليس من المتوقع أن تبصر هذه المناهج الجديدة النور قبل عام ونصف العام في الأقل".
في السنوات الأخيرة، زادت معدلات الوعي في هذا المجال إلى حد ما، وهناك وعي لأهمية التثقيف الغذائي في المجتمع. هناك تركيز عليه في كلية التربية من خلال دروس تعطى في هذا المجال، وفي المدارس هناك معايير معينة وضعت للمدارس الرسمية والخاصة لتحديد أنواع الأطعمة التي تباع للأطفال فيها، لكن لا تزال هناك حاجة إلى وضع سياسات أكثر شمولية واستراتيجيات واضحة وتفعيلها عبر أنشطة تطبيقية وحملات لتترك أثراً أكبر بين الأطفال وفي المجتمع عامة ولنشر ثقافة التغذية على نطاق واسع. حالياً، ليس هناك إلا مبادرات فردية محدودة ولا يزال الطريق طويلاً في هذا المجال.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار