18-02-2023
مقالات مختارة
|
الجمهورية
عبّر أحد أعضاء مجموعة السفراء الخمسة في لقاء جمعه بشخصيات لبنانية، عن جملة مخاوف تطاول جهوده وزملائه الاربعة، مما يمكن ان تؤدي اليه التطورات المتلاحقة على الساحة اللبنانية، ولا سيما منها تلك التي يمكن ان تقود إلى أي شكل من اشكال الهزّات الأمنية والسياسية، قياساً على هامش الحركة الذي تتمتع به قوى امتهنت بقدرة قادر منذ فترة طويلة، العمل من داخل وخارج السلطة ومؤسساتها معاً. فألغت بذلك عدداً من العوائق والفوارق الطبيعية بينها. فقد أثبتوا قدرتهم على استدراج بعض أركان السلطة الى التماهي معهم، إلى درجة استظلوا فيها مواقع شرعية ودستورية منحتهم قوة فائضة طوال السنوات الأخيرة، إلى ان بلغت مرحلة من السطوة على المقدّرات، بطريقة عطّلوا فيها قطاعات حيوية خرجت عن الخدمة الفعلية، بحيث بات من الصعب إقناعهم بأولويات الحل المطلوب للخروج التدريجي من مجموعة المآزق التي تعيشها البلاد، ووقف مسلسل المآسي الذي يعيشه اللبنانيون.
لم تستدرج ملاحظات الديبلوماسي العربي اياً من سامعيه إلى أي اعتراض، فقد أصاب في قراءته السوداوية للواقع اللبناني، إلى درجة عبّر فيها عمّا يختلج صدور كثر من ملاحظات لا يمكن البوح بمعظمها. ليس لسبب سوى الإقرار العلني وغير العلني، بعجز السلطات الدستورية والمؤسسات عن القيام بالحدّ الأدنى من واجباتها، او بأي خطوة اصلاحية لأكثر من سبب مبرّر وغير مبرّر. وهو ما حدّ من القدرة على وضع حدّ لتجاوزات أدّت وما زالت إلى مزيد من الانهيارات على اكثر من مستوى. وخصوصاً بوجود من فضّل غضّ النظر عن كثير من مثل هذه الممارسات التي تهدّد مكسباً مؤقتاً كان يتمتع به، أو الاحتفاظ بموقع متقدّم ولو كان شكلياً.
عند هذه الملاحظات والمؤشرات السلبية، توسعت المصادر السياسية والديبلوماسية في قراءتها للتطورات الأخيرة، وخصوصاً تلك التي أعقبت لقاء باريس، وإلى جانب سقوط كثير من الرهانات على إمكان الإفادة من مبادرة خارجية، يمكن ان تسهّل المساعي المبذولة للعبور بالاستحقاق الرئاسي إلى برّ الأمان، بالاستناد إلى اقتناع شبه شامل بأنّ هذه المحطة تفتح الطريق واسعاً في اتجاه ما يليها من استحقاقات دستورية، تؤدي بالدرجة الاولى إلى اعادة تكوين السلطة بكل مواصفاتها الدستورية والسياسية، وإعطاء إشارة لا بدّ منها، ولو بدائية، إلى قدرة اللبنانيين على إدارة شؤونهم الداخلية في أفضل الظروف، تمهيداً لطلب العون الدولي الذي ينتظر أصحابه من حكومات ومؤسسات مانحة ومقرضة تلك اللحظة المهمّة التي طال انتظارها.
وعليه، فقد توقفت المصادر عينها أمام اللوحة الفسيفسائية التي رسمتها المواقف الاخيرة، ليس من لقاء باريس الخماسي وما انتهى إليه فحسب، انما من مجموعة الأفكار والمبادرات التي سبقته. فأطراف اللقاء كانت لهم أكثر من مبادرة، تمّ وأد بعضها في المهد، ومنها من عبرت بعض الحواجز الصغيرة قبل ان تصطدم بالكبيرة منها، فتبخّرت الآمال التي عُقدت عليها. وإن توغّل البعض في بعض التفاصيل، يمكنه العودة إلى مسلسل المبادرات التي قادها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد جريمة تفجير مرفأ بيروت التي امتدت على مدى عامين، قبل ان يستنجد بحلفائه وأصدقائه الأربعة الذين التقوا في العاصمة الفرنسية. علماً انّهم هم انفسهم كانوا من بين الذين باركوا «المبادرة الكويتية» التي انطلقت قبل عام، ورسمت خريطة الطريق إلى إمكانية إحياء الثقه بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي وطي تداعيات العقوبات السعودية التي صدرت قبل عام ونصف عام، واستدرجت معظم جاراتها الخليجية إلى مثيلات لها ولو بدرجات متفاوتة.
كان يأمل أصحاب هذه الخطوات المنفردة أن يؤدي لقاء باريس إلى جمع القوى التي انخرطت في مساعٍ لإقناع اللبنانيين بحجم المسؤوليات الملقاة على عاتقهم بالسرعة المطلوبة، مع استعدادهم الكبير لموافاة أي خطوة ايجابية بأكبر منها، قبل ان يكتشفوا انّ شيئاً لم يتغيّر وأنّ العجز اللبناني ما زال متمادياً، وانّ الفشل في مواجهة اي إستحقاق طارئ ومستدام ما زال قائماً. ولذلك، فقد انصبّت الجهود لقراءة ردات الفعل وحجم تأثيرها على ما انتهى اليه اللقاء، بما حملته من صدمات متتالية.
وفيما كان معظم القادة اللبنانيين يترقبون البيان الختامي للقاء، والآمال التي عقدت على مجموعة من الخبراء المكلّفين معالجة الأزمة اللبنانية من جوانبها المختلفة، بدأوا بإحصاء المواقف السلبية قبل الإيجابية، فجاءتهم أولى الضربات من الأشرفية، قبل ان يغادر ممثلو الأطراف العاصمة الفرنسية وتحديداً في الثامن من شباط، على لسان رئيس المجلس السياسي في «حزب الله» السيد ابراهيم أمين السيد بعد لقائه كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك روفائيل بيدروس الحادي والعشرين ميناسيان، عندما ردّ على سؤال عن رأي الحزب في اللقاء، بما حرفيته «لا أعرف قراءة كتب من هذا النوع»، مشيراً إلى «أنّ الخيار الوحيد أمام اللبنانيين هو أن يجلسوا ويتحاوروا لإنجاز الاستحقاق الرئاسي».
وقبل ان تنجلي نتائج الجولة التي قام بها السفراء الخمسة ومن يمثلهم على كل من رئيسي مجلس النواب والحكومة ووزير الخارجية، جاءتهم الضربة الثانية من الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، الذي رفع من سقف المواجهة مع الاميركيين ـ وهم من أبرز اعضاء اللقاء الخماسي ـ محمّلاً إيّاهم مسؤولية «ما يحصل في لبنان»، بعدما اعتبر انّ السبب الرئيس لما نعيشه يكمن في «الضغوط الأميركية وسياسة سحب الأموال والودائع بطريقة مدبّرة»، قبل ان يرفع من لهجته بالقول: «انّ عليهم أن يعلموا أنّه إذا دفعوا لبنان نحو الفوضى وتألّم الشعب اللبناني، فهذا يعني أننا لن نتفرّج بل سنمدّ يدنا إلى من يؤلمكم، حتى لو أدّى ذلك إلى خيار الحرب مع ربيبتكم إسرائيل».
ولم يكن ما قاله نصرالله صعباً على الفهم، فربطه بين التهديد بتعطيل العمل في «حقل كاريش» بعوائق تؤخّر العمل في البلوكات اللبنانية، لم يكن مقنعاً البتة، بعدما تسارعت الخطى اللوجستية والاستعدادات التقنية لبدء الحفر في اسرع وقت ممكن في البلوك الرقم 9، بشهادة أحد وزرائه وزير الأشغال العامة والنقل على حميه. لكن ربطه بعدم وجود أي جديد في الملف الرئاسي اللبناني ردّه الى استهداف المسعى الخماسي وضربه، قبل ان يستكمل السفراء الخمسة جولتهم على بعض القيادات المعنية بالاستحقاق. فأكّد انّ الاستحقاق «داخلي ولا أحد يمكنه فرض رئيس على البلد، ويجب مواصلة الجهود من أجل البحث عن آفاق واتفاق وتفاهم».
وما زاد في الطين بلّة، انّ مثل هذا السقف العالي للسيد نصرالله لم يكن متوقعاً من احد، بعد عملية ترسيم الحدود البحرية وما انتهت إليه مجموعة الوثائق التي أنهت بتوافق جميع الأطراف، إمكان اللجوء الى أي عمل عسكري في المنطقة. ولذلك فقد تمّ الربط المنطقي بين هذه التهديدات وما انتهى اليه «اللقاء الخماسي» الباريسي، قبل ان يصل اعضاؤه إلى البحث في ما يمكن القيام به في المرحلة المقبلة. وعليه، ما على اللبنانيين سوى ان يكونوا شهوداً على مزيد من الانهيارات المتوقعة على اكثر من مستوى.
أخبار ذات صلة