أربعة أشهر من المفاوضات بين الأطباء وشركات التأمين للتوصل إلى اتفاق حول التعرفات الطبية للمرضى المؤمّنين، لم تفض إلى اتفاق. لكن تكمن المفاجأة بأن البند الذي وقع حوله الخلاف لا يرتبط بالتعرفات، إنما بآلية ضبط مخالفات الأطباء، ما يطرح علامات استفهام حول عدد المخالفات وماهيتها.
لم تختلف نقابة الأطباء مع جمعية شركات الضمات في لبنان على التعرفات الطبية التي يتقاضاها الطبيب من المريض المؤمن لدى شركات التأمين، فقد سرت المفاوضات بين الطرفين بشكل إيجابي منذ أشهر، واتفقا على زيادة التعرفة على مراحل بدءاً من 75 في المئة في العام 2023 ووصولاً إلى 100 في المئة لاحقاً، ذلك بعد إقرار جمعية شركات الضمان زيادة أتعاب الطبيب بنسبة 50 في المئة بالدولار fresh عن السنة الماضية.
وقد أكد نقيب الأطباء يوسف بخاش في حديث إلى "المدن" ان السبب الذي أدى إلى خلاف مع جمعية شركات الضمان لا يرتبط بالتعرفة، على الرغم من التأخيرات التي تحصل بالدفع، ورغم أن التعرفة تقل عما كانت عليه في العام 2019، إلا أن الخلاف يعود لكون جمعية شركات الضمان نصّبت نفسها الحاكم على الأطباء الذين يتقاضون ما يزيد عن التعرفة المحددة.
رئيس جمعية شركات الضمان في لبنان ACAL أسعد ميرزا من جهته نقل عن لسان نقيب الاطباء قوله إن النقابة عاجزة عن ملاحقة الأطباء المخالفين، حسب قانون النقابة. ما دفع بجمعية شركات الضمان إلى اتخاذ مسألة المحاسبة على عاتقها "فقررنا كشركات تأمين ضبط الأمر من خلال فسخ العقود مع الأطباء الذين يتقاضون زيادات على التعرفات من المرضى" على ما يقول ميرزا في حديث إلى "المدن".
خلاف على مساءلة الأطباء
بعد أن اقترب الطرفان من إبرام وثيقة مشتركة، وقع الخلاف حول البند المتعلّق بعدم تلقي أي مبلغ إضافي مباشرة من المريض، تحت أي عذر كان. وفي حال قيام الطبيب المعالج بذلك، فإن شركة التأمين سوف تحمّل الطبيب المخالف كلفة المبلغ الإضافي المستوفى.
هذا البند تمسّكت به شركات التأمين، إلا أنه استنفر الأطباء. فتم تعليق المفاوضات، ورفضت نقابة الأطباء شرط شركات التأمين الذي يسمح لها بمساءلة الأطباء عن أي أتعاب إضافية قد يتقاضونها، وإنزال العقوبات بحقهم، أو وقف التعاون معهم، والامتناع عن تسديد كافة مستحقات الطبيب المتوجبة لدى الشركة، واعتبارها بحكم المسددة مسبقاً، ووصفته بـ"السابقة". وهو مخالف للقوانين المرعية الإجراء ولقانون الآداب الطبية اللذين حددا كل من نقابة الاطباء والقضاء المختص كمرجعين وحيدين لمساءلة الأطباء.
وحسب بخاش، فإن مراقبة ومحاسبة الأطباء ليس من صلاحية شركات التأمين، إنما عليها توقيع الاتفاق فقط، على أن تعود إلى نقابة الأطباء في حال أي مخالفة، والنقابة هي من يحاسب الطبيب.
دور شركات التأمين ينتهي عند سداد أتعاب الطبيب فقط، أما مراقبة الطبيب ومحاسبته فتعود إلى نقابة الأطباء، يقول بخاش، و"لا أسمح لأي كان أن يتعامل بطريقة مباشرة مع الأطباء".
مخالفات الأطباء
تعدد المخالفات وتكرارها من قبل الأطباء هو ما دفع بشركات التأمين إلى وضع بند المحاسبة بفسخ العقود. وفي حين يؤكد ميرزا أن غالبية الأطباء يتقاضون إضافات على الأتعاب من المرضى مباشرة وبالدولار الفريش، يصر بخاش على أن المخالفات طفيفة جداً، وأن العام الماضي سجّل 3 مخالفات فقط بين 13000 طبيب يمارسون عملهم اليوم في لبنان. وقد عالجت النقابة المخالفات مباشرة. وبرأي بخاش، فإن جميع الأطباء ملتزمون بالتعرفات ولا يطلبون أي زيادات على التعرفات.
وبعيداً عن تناقض مواقف ميرزا وبخاش من مسألة نزاهة الأطباء وشفافية شركات التأمين، المشكوك بهما، لا بد من الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من الأطباء، وبشهادة العديد من المرضى، يفرضون بدل أتعاب خارج الفاتورة، وآخر تلك الحالات حسب مصدر لـ"المدن"، تمثلت بأن أحد الأطباء في مستشفى جامعي طلب زيادة بقيمة 3000 دولار بدل أتعاب على عملية جراحية تبلغ كافة تكاليفها 17 ألف دولار، بما فيها أتعاب الطبيب. ما ينفي ادعاء نقيب الأطباء بان عدد المخالفات لا يتعدى 3 فقط.
السداد كاش
وكما كافة الخلافات بين القطاعات الاستشفائية والطبية، فإن المرضى وقعوا ضحية الخلاف بين شركات التأمين ونقابة الأطباء. فقد استندت نقابة الأطباء إلى قانون الآداب الطبية، في الفقرة الرابعة من المادة الثامنة، التي نصت على ما حرفيته "على المريض أو وكيله أو من يمثله بالتعاقد مع الطبيب أن يسدد الأتعاب المتوجبه للطبيب مباشرة". وطلبت النقابة من الأطباء استيفاء أتعابهم كاملة مباشرة من المريض ابتداء من 10 آذار المقبل، بمعايير توازي كامل ما حددته تعرفة عام 2019، تاركين للمريض تحصيل ما سدده من شركات التأمين".
ما يعني أنه ابتداء من 10 آذار المقبل، أي مع انتهاء مفعول الوثيقة التي يتربط بموجبها الطرفين حالياً، سيعمد الأطباء إلى تقاضي التعرفات الطبية من المرضى مباشرة ونقداً، بنسبة 100 في المئة وليس 75 في المئة، وبالدولار الفريش، على أن يستوفي المريض لاحقاً مستحقاته من شركة التأمين.
هذه النتيجة تضع المرضى ضحية الخلاف بين الأطباء وشركات التأمين، في ظل عدم اكتراث الطرفين. وقد اعترف كل من بخاش وميرزا بأن المريض هو ضحية هذا الخلاف. وفي حين قال بخاش "فلتتحمل الشركات المسؤولية وتسدد للمريض بدل أتعاب العمليات الجراحية والكشفيات وغيرها مباشرة وبالدولار نقداً" قال ميرزا "فلتتحمل نقابة الأطباء المسؤولية" متساءلاً عما إذا كانت المستشفيات سترضى بتقاضي فواتير نقدية من المرضى مباشرة.
بالمحصلة يرمي كل من الأطباء وشركات التأمين المسؤولية على الآخر، ويمارسان الضغوط على المرضى في سبيل حماية مصالح كل منهما، من دون الاكتراث بمصلحة المرضى المتروكين لمصيرهم على مرأى من وزارتي الصحة والاقتصاد.