11-02-2023
صحف
|
الراي
وعلى هذا المنوال، أسئلة بالجملة يطرحها اللبنانيون، عن سقف إرتفاع الدولار، وأسعار السلع والخدمات، والدولار الجمركي والزيادات الضريبية ومنصة صيرفة والـ «لولار» والسياسات الإقتصادية وإحتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية والذهب وما ستؤول إليه الأمور مع صندوق النقد الدولي وغيرها الكثير من الأمور، ولا إجابة واحدة واضحة وصريحة يحصلون عليها من القادة الذين يتولون إدارة البلاد.
الحقيقة هي أن لبنان بلد «إستثنائي» في تركيبته والتحولات فيه غالباً ما تكون وليدة اللحظة والمفاجأة. والثابت الوحيد اليوم، أن الواقع مأزوم وتَفاقُمه سيكون له تداعيات هائلة على المستوى الإقتصادي والإجتماعي، وسيواجه اللبنانيون أكثر فأكثر جنون غلاء الأسعار والإستشفاء والدواء وفاتورة الإتصالات والكهرباء والمواصلات وغيرها الكثير.
وفي هذا السياق، يتفق غالبية خبراء المال على أن الوضع المالي مرشح للتفاقم بسبب إعتماد السلطات السياسية والنقدية سياسات مالية خاطئة ولا تتناسب مع الواقع المعاش. لذا تحاول «الراي» من خلال هذا التقرير الإجابة عن "أيّ سيناريو مالي - نقدي – إقتصادي ينتظر اللبنانيون في 2023؟"
تشرح الخبيرة في الإقتصاد النقدي الدكتورة ليال منصور في حديث مع «الراي» أنواع الأزمات الإقتصادية وتقول: «توجد عدة أنواع، مثل أزمة العقارات والبورصة، لكن لبنان يعاني أزمتين، واحدة مصرفية وثانية في سعر الصرف. وهذا ما يُعرف بالإنكليزية بـ»Twin Crises.
وتضيف: «هناك ثلاثة سيناريوات أساسية. الأول: إستمرار تعاطي أصحاب القرار من سياسيين وإقتصاديين بلا مبالاة تجاه الأزمة الراهنة، وعدم معالجتها من خلال تغيير النظام النقدي، وتالياً إستمرار الإنهيار لثلاثة أو أربعة عقود مقبلة».
إذ إن أزمة سعر الصرف في رأي منصور «لا تنتهي بمرور الزمن وتأقلم المواطن، بعكس كل الأزمات الأخرى. ومعالجة المرض الخبيث، لا يكون إلا إذا تمّ الإستغناء عن الليرة اللبنانية»، مشيرة الى أن "لبنان كان قد أعلن منذ بداية الأزمة في 2019 وفاة العملة المحلية ولو في شكل غير صريح، بعدما كانت على مدى الأربعين عاماً الماضية في غيبوبة".
السيناريو الثاني، بحسب منصور، هو الإعتراف بالأزمة وبأنه «لا يمكن إستعادة الثقة بالليرة اللبنانية ودوْلرة النقد للحدّ من الإنهيار، في حين يحاول البعض تصوير الأزمة على أنها أزمتيْ مصارف وفساد وليس نقد، لكن في الحقيقة الدولرة هي أعلى مستوى فساد».
أما السيناريو الثالث، وهو ما ترجّحه منصور، فيقوم على «تغيير سعر الصرف وتحريره، وهذا أمر يُعد من الناحية الإقتصادية التطبيقية أمراً مستحيل النجاح وخيار فاشل في بلد مدولَر مثل لبنان، ومن ثمّ إن تحرير العملة من دون تدخل المركزي يعني نقل لبنان إلى مستوى ثاني من الإنهيار الكارثي، حيث سيترحم معظم اللبنانيين على ما عاشوه خلال سنوات الإنهيار الثلاث».
وتلفت منصور إلى أن «توحيد سعر الصرف يضمّ، تقنياً، تحرير العملة، أو تثبيت العملة أو الدولرة الشاملة. وعملياً أثبتت التجارب أن تثبيت العملة مرتين يكون غير ناجح، ويحتاج لإصلاحات شاملة ومساعدات دولية، وهو لا يستمر سوى لعام أو أكثر بقليل في حال تَكَرَّرَ. وتالياً ليس أمام لبنان سوى خيار الدولرة الشاملة».
وفي تفصيل بعض النقاط، ترى منصور أن «سعر الصرف سيستمر بالإرتفاع ولكن سرعته ستكون مرتبطة بمدى تدخّل مصرف لبنان. أما أسعار السلع والخدمات فهي أيضاً إلى إرتفاع لأنه عادة ما يكون التصحيح فيها صعودياً وليس نزولياً، وتالياً إنخفاض الأسعار هو أمر صعب ويحتاج إلى إنخفاض مستمر في سعر صرف الدولار لفترة طويلة».
وعن دولار الـ15 ألف ليرة، تقول منصور «هو رقم غير ثابت وقابل للتبدّل بحسب تعاميم المصرف المركزي». كما تلفت إلى أن «أي مساعدات تُمنح يتم تمويلها من خلال طباعة العملة، ومنها بدَل المساعدات الإجتماعية التي أقرت للموظفين والتي ستزيد من الكتلة النقدية. وكل حديث عن أن زيادة الضرائب والدولار الجمركي حتى ولو إرتفعت عشر مرات سيزيد من قدرة الدولة على الإنفاق هو أمر غير صحيح».
خاطر... الأزمة جذرها سياسي ومتحوراتها أشد وطأة على لبنان
يقول الكاتب والباحث في الشؤون الماليّة والإقتصاديّة البروفسور مارون خاطر في حديث إلى «الراي»: "يستمرّ الإنسداد في الأفق السياسي رئاسياً وحكومياً، كذلك تبقى الحلول الإقتصاديَّة المرتبطة بالأزمة السياسيَّة غائبة ما يجعل من 2023 أشبه بإمتداد غير معلَن للعام 2022«، مشيراً إلى»إن ما ينتظر اللبنانيين هذا السنة لن يكون مختلفاً في الشكل والمضمون عن سابقتها إن إستمرت المراوحة وعدم الجِديّة في مقاربة الأزمة والحلول".
ويضيف خاطر: «عملياً، وفي ظل هذا الواقع، لن تَشهد الملفّات الاقتصاديَّة حَلحلةً أو تقدُّماً. فالأزمة وإن كانت تبدو وكأنَّها إقتصاديَّة، إلا أنها مرتبطة سببياً بالأداء السياسي. وفي ظلّ الفراغ المُستمر، لن يتمكَّن لبنان من إقرار الإصلاحات في إطار خطَّة شاملة ومنطقيَّة وتنفيذها، ما يجعل التفاوض مع صندوق النَّقد الدولي ممراً مستحيلاً إلى الحلّ المنشود».
ويرى خاطر أن «معاناة الناس ستستمر بسبب التضخم وإرتفاع الأسعار وغياب الرَّقابة. كما يُساهم إقرار الموازنة، فارغة المضمون والمُتخمة ضرائباً ورسوماً، في زيادة الضغط المعيشي والإقتصادي على المواطنين الذين يتقاسمون خبزَهم وأعمالهم وبنيتهم التحتية المهترئة مع اللاجئين السوريين».
أما بالنسبة إلى الدولار، ففي رأيه «أن التدهور الحاصل سيدفع بالدولار إلى الإرتفاع بوتيرة مستمرة ومتسارعة بفعل إجراءات المصرف المركزي الذي يتدخل في سوق القطع شارياً للدولار من أجل إعادة إطلاق صيرفة، والتحوّط (أيّ صدّ مخاطر) للتغير في سعر الصرف الرسمي وتمويل الكهرباء»، ملاحظاً ان «المركزي يُحاوِل عبر تدخله المحدود وتدوير الكتلة النَّقدية تلافي إستعمال إحتياطاته بالعملات الأجنبية في الوقت الذي يَمنع قانون النقد والتسليف أي مساس بالذهب لأي غاية».
ويلفت إلى ان «الشعب سيكون غارقاً أكثر في همومه وموزَّعاً بين شبابيك المَصارف وأبواب المستشفيات ومحيط قصر العدل، أو باحثاً عن عمل يُمكِّنه من الصمود أمام اللا مبالاة والنكد والنرجسية والحقد والغباء المُتعمَّد».
في المحصلة، يقول البروفسور خاطر «يعيش اللبنانيون هذه السنة تداعيات الإنهيار الذي يبدأ من السياسة ليصل إلى الإقتصاد والنَّقد. إلا أنَّ الأخطر في المشهد اللبناني هو المراوحة القاتلة التي تُترجم تفاقماً للأزمة على جميع المستويات. يزيد ذلك من خطر»تحوُّرِها«وتمددها لتصبح أكبر من قدرة شعب على تحملها ومن قدرة بلدٍ على الخروج منها».
ويعول اللبنانيون على تسوية الخلافات بين المكوّنات السياسية في البلاد من أجل إنتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة تؤسس لمرحلة الإتفاق مع صندوق النقد التي ما زالت في مرحلة الأخذ والرد. علماً أن لدى غالبية الناس إقتناع بأن تَشَكُّل الإرادة الخارجية هو ما يساهم بحل أزمة الرئاسة في لبنان.
ويعتقد كثر أن الأموال التي سيُدْخِلها الصندوق إلى لبنان، في حال التوصل إلى إتفاق، والتي تراوح بين 4 و5 مليارات دولار ليست كافية، لكنها بمثابة تأشيرة لا بد منها لحضّ الدول المانحة على دعم لبنان متى أنجز الإصلاحات الشَرْطية، السياسية والمالية.
وتعاني غالبية العائلات اللبنانية تهديداً حياتياً أمنياً وغذائياً وإستشفائياً ودوائياً وتعليمياً وحتى سكنياً. فمنذ بداية الأزمة في 2019، فقدت العملة المحلية أكثر من 95 في المئة من قيمتها، وإرتفعت أسعار السلع والخدمات وفُقدت سلع كثيرة وتمّ رفع الدعم عن المواد الأساسية من دقيق ودواء ومحروقات، وفقدت الرواتب بالليرة قدرتها الشرائية، ولجأ لبنانيون إلى الهجرة هرباً وبحثاً عن مقومات حياة بسيطة وآمنة.
ووفق البنك الدولي، تُصنَّف الأزمة اللبنانية ضمن أسوأ 3 أزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.
أخبار ذات صلة