31-01-2023
مقالات مختارة
|
نداء الوطن
تترقّب السّاحة السياسية المنحى الذي ستسلكه الأحداث بعد «العصفورية» القضائية والتعطيل المتمادي للاستحقاق الرئاسي في ظلّ الكلام الذي أطلقه رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع ودرس الخطوات العملية المنويّ اتّباعها في حال استمرّ «حزب الله» وحلفاؤه بتعطيل جلسات الإنتخاب، أو تمكّنوا من انتخاب رئيس من صفوفهم. هي المرّة الأولى التي يُسجّل فيها جعجع منذ خروجه من المعتقل في تموز 2005، كلاماً على هذا المستوى، إذ أكّد إعادة النظر بالتركيبة في حال نجح «حزب الله» في فرض الرئيس الذي يريده أو استمرّت سيطرته على مفاصل الدولة.
يحتاج كلام جعجع إلى مزيد من التدقيق والغوص في تفاصيله ورسائله، لكن اللافت هو صدور الردّ من الحليف لا الخصم، أي رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط، الذي سبق «الحزب» في رفض كلام جعجع وتساءل: «ماذا يقصد جعجع بإعادة النظر في التركيبة اللبنانية؟ وهل هذا وقت مناسب ليخوض في مسألة تعديل التركيبة بينما البلد ينهار؟ فالمطلوب استكمال تطبيق اتفاق الطائف قبل أن يدعو السيّد جعجع أو غيره إلى أيّ طرح من هذا النوع». وبعد كلام جنبلاط، شدّدت كتلة «اللقاء الديموقراطي» الأسبوع الماضي على ضرورة تطبيق اللامركزية الإدارية التي أقرّها اتفاق «الطائف»، رافضةً «طروحات كالفيدرالية واللامركزية المالية الموسّعة لأنّها تأخذنا الى مكان آخر وتعيدنا إلى زمن الإنقسام الحاد فيما المطلوب الإسراع بانتخاب الرئيس وتطبيق ما اتفق عليه باتفاق الطائف بكل مندرجاته».
قد يكون خوف الزعيم الدّرزي من أي طرح تغييري في هذا الوقت الصعب مبرّراً، لكن السؤال: «هل يستطيع جنبلاط الحفاظ على دور الطائفة في ظلّ السلطة التي يسيطر «حزب الله» على مفاصلها؟».
لا شكّ أنّ جنبلاط شكّل أحد أهم أعمدة «إتفاق الطائف» ويجهد للحفاظ على هذا الإتفاق، لكن ما يُطبّق حالياً يُعتبر تطبيقاً لمنطق فائض القوة الذي يشكو منه جنبلاط دائماً، لذلك سيكون ثمن الإستمرار بمسايرة «الحزب» إلى ما لا نهاية، كبيراً على الموارنة والدروز وبقيّة المكوّنات اللبنانية.
وفي السياق، تؤكد أوساط مسيحية أن المسألة ليست بطرح التقسيم أو الفيدرالية أو أي شكل حكم آخر، وإنّما بوجود «حزب» مدعوم من إيران يسيطر على القرار الإستراتيجي للدولة ويضرب بقيّة المكوّنات اللبنانية، وقد مارس سلطته وقمع المكوّنات الشيعية التي لا تتّفق معه في الرأي. وتدعو المصادر جنبلاط إلى النظر بما حلّ بالطائفة السنّية، وتقول: المكوّن السنّي هو من ضمن أكبر المكوّنات في البلد، وعند تأليف الحكومة يتمّ توزيع الوزراء مناصفة بين المسيحيين والمسلمين ومثالثة ضمن المناصفة بين السنّة والشيعة والموارنة، وعلى رغم هذه المكاسب السنّية والإرتباطات الإقليمية، نجح «حزب الله» في ضرب العصب السنّي منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وقد اتّهمت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان عناصر من «حزب الله» بالقيام بالعملية، وصولاً إلى إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري عام 2011 وإحلال حكومة «القمصان السود» مكانها، ودعم «الحزب» لـ»التيار الوطني الحرّ» والعهد لتسديد ضربات لـ»الحريرية السياسية».
وأمام كل هذه المؤشرات، تشدّد المصادر على تآكل دور جنبلاط في ظلّ سلطة «حزب الله»، بينما الخوف على الوجود ليس مبرّراً، فكل المكوّنات تعاني ومصيرها على المحكّ، وسياسات السلطة أوصلت البلاد إلى الحضيض، لذلك فلا أسف على نظام أوصل الكيان إلى الإنهيار. يُراود الخوف على المصير جنبلاط، لذلك ظلّ يتابع الأمور السياسية بأدق تفاصيلها ولم يترك الساحة لنجله رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب تيمور جنبلاط، لكن جنبلاط يصرّ على السير بين النقاط وتجنُّب أي مواجهة.
من وجهة النظر الجنبلاطية، «حزب الله» لا يزال أكبر قوة في لبنان وتحوّل إلى قوة إقليمية مدعومة من إيران، بينما المحور الذي كان يدعم قوى 14 آذار منذ عام 2005 تركها وحيدة في مواجهة إجتياح «الحزب» بيروت والجبل في 7 أيار 2008، من هنا فإذا كان الخوف الجنبلاطي مبرّراً، إلّا أنّه لا يستدعي، بحسب الكثيرين، الإستسلام لسلطة «حزب الله» وتركه يقوم بكل ما يريده وكأنه الحاكم الأوحد والآمر الناهي في لبنان.
يُحاول «حزب الله» التحرّك في كل الإتجاهات، فقد إلتقى جنبلاط ورئيس «التيار الوطني الحرّ» النائب جبران، والحصيلة كانت عدم إعلان جنبلاط تخليه رسمياً عن مرشحه النائب ميشال معوّض حتى لو طرح أسماء بديلة، وعدم قبول باسيل بمرشّح «الحزب» أي رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية. يرى «الإشتراكي» فرصة للحفاظ على «الستاتيكو» القائم من خلال انتخاب رئيس وسطي وسيبادر في هذا الإتجاه، لذلك لا يرغب في الذهاب خطوات إلى الأمام بل يبحث عن التوافق، وهو الذي يتمايز عن المعارضة، لكن الأساس جهوزيته لأي تسوية تُطرح وتحفظ الحدّ الأدنى من المطالب بعكس بقيّة القوى المعارضة التي ترفض التنازل والمساومة.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار