06-01-2023
محليات
|
النهار
مع ان قتامة الوضع السياسي لا تحتمل أي تخل عن الحذر والتشكيك حيال أي تطور قد يظهر على المشهد الداخلي، فانه لا يمكن تجاهل الجانب الإيجابي الذي برز امس، في ملامح عودة القضاء الى الانتظام بعد فك اضراب القضاة متزامنة مع اجراء اول للقضاء العسكري في شأن حادث الاعتداء على الوحدة الايرلندية في قوة اليونيفيل، وكذلك استتباعا في بت المجلس الدستوري الطعن في قانون الموازنة. ثلاثية احداث تتصل بمصدر ومصب واحد وبسلطة واحدة هي السلطة القضائية تعاقبت في يوم واحد وفي الأسبوع الأول من السنة الجديدة شكلت، بطبيعتها القضائية الصرفة، وبتزامن حصولها، تطورا يؤمل ان يكون واعدا على صعيد إعادة احياء الثقة بالسلطة القضائية التي أصيبت بجروح واضرار عميقة وخطيرة في السنوات الأخيرة، وخصوصا في السنة الراحلة التي شهدت شللا بالغ الأذى في العمل القضائي جراء انعكاس الازمة المالية على الجسم القضائي الذي نفذ معظم أعضائه اضرابا منذ اب الماضي، فضلا عن استفحال التسلط السياسي على القضاء الذي كانت تداعياته شديدة الأذى لا سيما لجهة شل عمل المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار حتى الان.
ومع ذلك فان بعض “الخيط الأبيض” الذي ظهر على معالم تحريك قضائي لم يحجب القتامة الاخذة في الاشتداد في المشهد السياسي سواء على صعيد الغموض والجمود اللذين يكتنفان الاستحقاق الرئاسي ويرشحان ازمة الفراغ لان تطول الى امد غير محدد ويستحيل التكهن حيال موعد نهايته، او لجهة استفحال الازمة الحكومية التي لا تبدو مقبلة على اي حلحلة للخلاف المستحكم بين رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي و”التيار الوطني الحر”. وإذ تنتظر الأوساط السياسية عودة ميقاتي من الاجازة التي يمضيها في الخارج الى بيروت لمعرفة المسار الذي سيعتمد لحل ازمة الخلاف حول سلفة استيراد الفيول، كما لحل مشكلة اصدار المراسيم، تخوفت مصادر وزارية معنية من عدم التوصل الى تسوية سريعة لهذين الملفين اذ سينتج عن ذلك وضع حكومي بالغ التعقيد والصعوبة بما يترك مزيدا من التداعيات السلبية على مجمل الأوضاع المعيشية والخدماتية والاجتماعية في البلاد. وقالت ان جهات سياسية تنوي التدخل في هذا الاشتباك لفضه بأسرع وقت من خلال الضغط على الفرقاء المعنيين به وتحميلهم تبعة المضي في هذا الترف السياسي الخطير على حساب حقوق الناس ومصالحهم فيما تنذر الأوضاع بمزيد من التفكك والاهتراء على كل المستويات بما فيها الواقع الأمني الذي تتنامى المخاوف الجدية من اهتزازات قد تبدأ طلائعها بالظهور تباعا.
وسط هذه الاجواء، شكلت الدعوة التي اطلقها مجلس القضاء الأعلى امس للقضاة للعودة إلى ممارسة مهماتهم فاتحة عملية لانهاء اضراب القضاة المستمر منذ اب الماضي . وأكد المجلس مواصلة السعي لتحقيق مطالب القضاة، مشددًا على “ضرورة صون التضامن القضائي الذي كان وسيبقى العامل الجوهري الأساسي، لقيام القضاء بدوره ومهماته في تطبيق القانون وتحقيق العدالة، ولو في ظل حد أدنى من المقومات الضرورية واللازمة في هذه الأوضاع الصعبة والإستثنائية”.
وتزامن ذلك على الصعيد الامني باصدار القضاء العسكري ادعاءه على سبعة أشخاص، من بينهم موقوف واحد سلّمه “حزب الله” إلى الجيش، في قضية إطلاق الرصاص على دورية للكتيبة الإيرلندية العاملة في قوة الأمم المتحدة الموقتة في الجنوب (يونيفيل)، مما أدى إلى مقتل أحد جنودها. وقد ادعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي على الموقوف محمّد عياد بجرم قتل الجندي الإيرلندي ومحاولة قتل رفاقه الثلاثة بإطلاق النار عليهم من رشاش حربي. كما ادعى على أربعة أشخاص معروفي الهوية ومتوارين عن الأنظار وعلى اثنين آخرين مجهولي الهوية بجرائم إطلاق النار تهديداً من سلاح حربي غير مرخص وتحطيم الآلية العسكرية وترهيب عناصرها، وأحال الملف مع الموقوف على قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوّان لإجراء التحقيقات وإصدار المذكرات القضائية اللازمة.
الدستوري والموازنة
اما في المجال القضائي الرقابي فاصدر المجلس الدستوري امس قراره النهائي في الطعن المقدم من عدد من النواب التغييريين بقانون موازنة 2022 وقضى برد طلب الطعن بالقانون كلا ولكن بقبول الطعن في بعض بنود القانون ورد بنود عديدة أخرى.
ورد المجلس طلب إبطال قانون الموازنة لمخالفته المواد 32 ،83 ,84,87 من الدستور، كما رد طلب إبطال سبع مواد من القانون نفسه مع تحصين أحد هذه المواد 111 بالتفسير الإلزامي الوارد في القرار، فيما أبطل خمس مواد مطعون فيها. وخالف قرار المجلس الدستوري، الذي صدر بالأكثرية، عضوا المجلس القاضيان الياس مشرقاني وميراي نجم .
وركز مشرقاني في مخالفته على حصرية صلاحية إصدار القوانين الموافق عليها نهائيا من مجلس النواب ، مشيرا الى ان موقع رئيس الجمهورية شاغر حاليا، والحكومة معتبرة مستقيلة عند بدء ولاية مجلس النواب ما يحجب عنها صلاحية إصدار القوانين وكالة عن رئيس الجمهورية. وعلل انه في هذا الوضع لا يفقد قانون الموازنة كيانه، ويبقى مجمداً الى حين عودة مهلة الإصدار الدستورية الى السريان ما يقتضي إعلان عدم امكانية المجلس الدستوري النظر في الطعن المقدم لعدم نفاذ القانون المطعون فيه. واوردت القاضية نجم في مخالفتها ” ان الدستور اناط بمجلس النواب المهمة الفائقة الأهمية المتجسدة بالحفاظ على إنتظام المالية العامة، فيقوم برقابة لاحقة على تنفيذ الموازنة للسنة المنصرمة من خلال إطلاعه على قطع الحساب، ويوافق عليها بعد ان يكون ديوان الموازنة دققها، وذلك قبل إقرار قانون موازنة العام المقبل، والذي يجيز للحكومة بموجبه الجباية والإنفاق مجدداً، معتبرة انه من ابسط قواعد الموازنة الوضوح والعدالة في الجباية والإنفاق بالإستناد الى بيانات حسابية دقيقة، صادقة وصريحة يتضمنها قطع الحساب، خصوصاً في زمن يعاني فيه الإقتصاد الوطني من إنكماش حاد وركود ، وتتعرض المالية العامة لأزمة بنيوية، ما يحتم ان يتم وضع قانون الموازنة العامة وإقراره وفقاً لقواعد الصدقية والشفافية وأن ينطلق من حسابات مدققة وسليمة”. وإنتقدت بدورها إقرار قانون الموازنة العامة من دون الإستناد الى البيانات المالية الواردة في قطع الحساب للسنة الماضية.
… وبيان رقم واحد
واما في المواقف من الازمة الرئاسية فاعتبر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط امس ان “القوى والمرجعيات السيادية العظمى تتذرع بحجج دستورية واهية لتعطيل اي اجتماع وزاري لتسيير امور الناس وحتى ان البعض طعن في الموازنة وصولا الى العبث المطلق وكلهم ينتظر كلمة السر الخارجية التي لم تأت بعد وفي هذه الاثناء ونتيجة تعطيل المجلس العسكري تبرز الخلافات الى العلن ”.
وبعدما تداعت نقابات المهن الحرة والاتحاد العمالي العام وروابط التعليم ونقابة المعلمين الى اجتماع طارئ امس تم خلاله البحث في الخطوات المقبلة والعاجلة من أجل الضغط لانتخاب رئيس للجمهورية وإعادة إحياء المؤسسات الدستورية أصدرت “البيان رقم واحد” الذي حذرت فيه من “ان لبنان لم يشهد قط، لا في تاريخه الحديث ولا القديم، هذا الدرك من الفقر المدقع والانهيار الكامل للقطاعات الاساسية في البلاد، من المؤسسات الصحيّة والتعليميّة والاقتصاديّة والمصرفيّة، اضف اليها الفلتان والانحلال الكامل لمعالم الدولة والكيان”. وأضاف “كل ذلك مع لامبالاة المعنيين وتعامل بخفّة غير مسبوقة مع أوجاع المواطنين وعبث بالاستحقاقات الدستوريّة وفي مقدمها انتخاب رئيس للبلاد، استحقاقٌ اساسي، هو مدخل الزامي لاعادة انتظام الحياة الدستوريّة ومعبر حتمي لاي خطة انقاذية، تعيد للمواطن اللبناني شيئاً من حقّه من تعليمٍ واستشفاءٍ ودواء وودائع مصرفيّة وسواها”. وتابع “امام كل هذا، وتحسّساً بالمسؤوليّة الملقا تداعت القوى النقابيّة والاتحاد العمالي العام والروابط التعليميّة الى هذا الاجتماع التأسيسي الجامع وتطلب من المعنيين انتخاب رئيس للجمهوريّة دونما تأخير او تسويف” وأكد أن “هذا النداء يشكّل البيان رقم 1 للقوى المجتمعة والتي لن نقبل ان يموت شعبنا من دون ان نحرّك ساكناً وعليه، ان كل الخطوات والتحركات التي كفلها الدستور ستكون متاحة في حال التقاعس عن قيام المعنيين سريعاً بواجباتهم الدستورية والوطنيّة تجاه المواطنين والوطن والتاريخ”.
أخبار ذات صلة