24-12-2022
مقالات مختارة
|
نداء الوطن
خرقت مسألة بيع أراضي المسيحيين مجدّداً الإستعدادات للإحتفال بعيد الميلاد، إذ عاد هذا الهاجس ليتفاقم وسط اشتداد الأزمة الإقتصادية والمالية. لا شكّ أنّ التراجع الديموغرافي للمسيحيين يبدو واضحاً، لكن التحكّم بالإنتشار الجغرافي هو في متناول اليد، واللافت أنّ من يبيعون أراضيهم ليسوا مسيحيي الأطراف بل أبناء العاصمة بيروت والضواحي المحيطة بها.
وبدأت تتجلّى خلفيات تدمير القطاع المصرفي وشطب ودائع الناس تحت ضغط الأمر الواقع الاقتصادي والمالي الذي فُرض على اللبنانيين الملتزمين بالنظام المالي الرسمي.
هذا الإفلاس الجماعي للمؤسسات التجارية والمصرفية والصحية والدينية التي اعتمدت على العمل بانتظام من خلال القطاع المصرفي، يحصل لصالح الجهات التي اعتمدت على التعاطي بالنقد من خارج النظام وتبييض أموالها في الخارج والداخل من خلال شراء العقارات.
فالحدث الجديد في سلسلة البيوعات يأتي من أحد المصارف الذي ينوي بيع عقار مهمّ بالقرب من ساحة ساسين في الأشرفية. ليس من المستغرب أن يلجأ مصرف لحماية أصوله من التجميد ضمن إعادة الهيكلة وتحويلها إلى سيولة لتفادي الإفلاس لكنّ المستغرب هو الجهات التي تشتري أصولاً من هذا النوع ولديها السيولة المؤمّنة من الخارج، وتحصل هذه البيوعات من قبل أفراد ومؤسسات متعثّرة كما حصل منذ مدة قصيرة من بيوعات من قبل الرهبنة الأنطونية لشقق في منطقة الحدث وكذلك بيع مستشفى السان جورج في الحدث لمستشفى الرسول الأعظم.
وأمام خطورة تدهور الوضع أكثر، اجتمع نواب بيروت الأولى للتشاور حول الخطوات الممكنة لإنقاذ العقار في ساسين من الاستغلال الحاصل للوضع المالي والاقتصادي من قبل جهات تتمدّد في مناطق لم تكن عقاراتها معروضة للبيع بهذا الشكل في السابق، وعكس النواب هواجس الأهالي حيال تغيير في هوية وديموغرافية المنطقة. وإضافةً إلى نواب بيروت الأولى فإنّ المطارنة يرفعون الصوت عالياً خصوصاً أنّ هجمة مماثلة حصلت بعد إنفجار مرفأ بيروت وتمّ صدّها حينها.
واللافت أنّ ما يحصل حالياً يشبه ما حصل في فلسطين بعد الحرب العالمية حيث وضع المواطنون في مواجهة المصارف بعد أزمة اقتصادية حادة، فدخلت المؤسسات المالية اليهودية على الخط واشترت العقارات من أصحابها المتعثرين مادياً. وتشير دراسة نشرتها جامعة «كامبريدج» البريطانية إلى أنّ فقدان حسّ التعاون بين المواطنين الفلسطينيين والمصارف والتعثر الذي حصل، أتاحت لليهود شراء كميات كبيرة من العقارات وطرد أهلها منها. والجدير ذكره أنّ المؤسسات المالية اليهودية استغلت الوضع الاقتصادي آنذاك لتشتري حوالي 30 في المئة من المساحات ومن ثم تمّ الاستحواذ بالقوة على ما تبقّى.
قد لا يصلح التشبيه الطائفي والتمدّدي لما حصل في فلسطين، لكن التشبيه المالي والاقتصادي وطريقة استحداث أزمة مالية ثم الاستفادة منها هو في محله حسب أكثر من متابع للوضع.
وإذا لم تكن الأزمة مفتعلة فما يحصل هو استغلال واضح لها من قبل متموّلين من الطائفة الشيعية يشترون من أموال حوّلت من أفريقيا أو وجدت نقداً في لبنان. وإذا كانت الأزمة مفتعلة، فبتنا اليوم أمام مرحلة متقدّمة من مخطط ممنهج لقضم أملاك المسيحيين، وفي الحالتين، فإنّ المناطق المسيحية تشهد مدّاً شيعياً غير مسبوق. ويطرح المسيحيون سؤالاً جوهرياً وهو أين المتموّلون المسيحيون المغتربون؟ ولماذا لا يتدخّلون للحفاظ على التوازن والهوية والجذور؟ أم أنهم يحذون حذو العرب الفلسطينيين وهم مستعدّون لفقدان مسقط رأسهم؟
لو كان ما يحدث هو ضمن السياق التجاري الطبيعي، لما خلق حساسية طائفية، لكن الطريقة الممنهجة وحصر غالبية العمليات الشرائية بمتموّلين من طائفة معينة، يثير الشكوك حول النوايا. واللافت أنّه من ضمن خطة الحكومة لإعادة هيكلة المصارف هي الإتاحة للمودعين بالاستعاضة عن ودائعهم بأسهم في المصارف. فهل ستصبح أيضاً الودائع الشيعية الكبرى وسيلة للاستحواذ على المؤسسات المالية ذات الملكية المسيحية والسنية بغالبيتها؟
والثابت أيضاً أنه لو لم يكن لسلاح «حزب الله» والفساد المستشري في القطاع العام الدور الأساسي في الأزمة، لما كانت هذه الشكوك ظهرت، لكن لا بدّ للمراقب أن يرى رابطاً بين مسببات الأزمة وما يحصل اليوم من تدمير لثروات البعض وكيف يتم استغلال هذا التدمير ومن جانب أي فريق. فلم يبقَ لإنقاذ التراجع المسيحي إلّا تدخّل المتموّلين المغتربين المسيحيين، للحفاظ على التوازن، وإلّا فهوية لبنان قد تتغيّر.
أخبار ذات صلة
محليات
جريمة تهز الاشرفية
أبرز الأخبار