12-11-2022
مقالات مختارة
|
الأخبار
غسان سعود
غسان سعود
بين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية حساسية شمالية سيتجنّب المعنيون ذكرها، بعضهم لعدم فهمها، والبعض الآخر لمعرفته بأنها عصيّة على المعالجة. كما لن يؤتى على ذكر الحسابات العونية التي ترى أن أي رئيس سيكون أقل ضرراً على التيار من فرنجية، خصوصاً إذا كان من بين المرشحين الذين لا يملكون أصولاً في «الدولة العميقة»، وليس له شركاء أساسيون ينتظرونه على أحرّ من الجمر، وبيوتات سياسية متأهبة لملاقاته في منتصف الطريق. وهناك، أيضاً، المشكلة القائمة داخل الفريق الواحد منذ عام 2009، والتي لم يأبه أحد بها حين كان عهد الرئيس ميشال عون يدفع الثمن باهظاً على مذبح مناكفاتها.
وهناك، طبعاً، ما يحبّ خصوم باسيل وصفه بأنه «مشكلة شخصية»، في بلد تُعد المشاكل الشخصية عاملاً أساسيّاً في تكوينه ومساراته، قبل فرنجية وباسيل وبعدهما. علماً أن «المشكلة الشخصية» الأهم هي بين فرنجية والرأي العام العوني الذي انتقل من الحب الشديد لفرنجية عام 2005 إلى خصومة شديدة، بعد خروجه من التكتل واندفاعه صوب الرئاسة (قبل أن يفرمله حزب الله) وبعد اعتماده السلبية المطلقة طوال سنوات العهد، وعدم حرصه على «الخط» حين كان العهد يتعرض لنيران صديقة ومعادية. والخصومة بين العونيين والمردة تجاوزت المنطق، فلم يعد ميشال معوض وسامي الجميل وفارس سعيد معاً يشكلون سوى جزء صغير من الاستفزاز الذي يمثله فرنجية للعونيين، حتى إن قبول باسيل بانتخاب معوض، على سبيل الافتراض، قد يمر مرور الكرام لدى جمهور التيار، فيما يتعامل هذا الجمهور مع احتمال وصول فرنجية إلى الرئاسة كخسارة جسيمة له.
في كل اللقاءات والاتصالات، العبارة الحاسمة التي يطرحها باسيل هي أن سليمان فرنجية هو مرشح نبيه بري أولاً وأخيراً، وليس لدى رئيس التيار الوطني الحر أي نية لـ«إهداء» رئيس المجلس الرئاسة الأولى ليضمها تحت جناحه إلى الرئاستين الثانية والثالثة، طالما أن استبدال ميقاتي غير وارد في الأمد المنظور. وهو ما تبني عليه البطريركية المارونية خشيتها المستجدّة من «عودة الترويكا».
برفضه الحاسم، يوصد باسيل أي باب للبحث، مؤكداً أنه لا يناور ولا يحاول تحسين شروطه. وهو حين تصالح مع فرنجية، من دون قيد أو شرط قبل بضعة أشهر، كان يقطع الطريق على الحديث عن «مشكلة شخصية». وبالتالي، هو اليوم متصالح مع فرنجية، ويرى فيه «ابن أصل». لكنه، بكل بساطة، لا يرى فيه المرشح الأنسب لرئاسة الجمهورية حتى يتبنّى دعمه. أما مصلحة قوى 8 آذار و«الخط»، وغيرها فكان يفترض أن يُسأل بري وفرنجية عنها عندما كان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ينبّه من أن استهداف العهد والرئيس عون وباسيل لا يفيد أحداً غير خصوم الحزب.
عليه، يبدو باسيل حاسماً في عدم الدخول في أي نقاش حول «تطمينات» و«تعهدات» و«التزامات» و«ضمانات» يمكن أن تُقدم إليه. هذا يمكن أن يحصل في حال كان وارداً أن يسير في ترشيح فرنجية. أمّا وإن الأمر «غير وارد أبداً» بالنسبة إليه، فإن أي نقاش كهذا لن يكون سوى مضيعة للوقت. أما التسريبات غير الصحيحة حول «طلبات باسيلية» لـ «تطمينات» بشأن التعيينات والحصص الوزارية والوقوف في وجه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وغيرها، فلا تؤدي سوى إلى توسيع الهوّة بين الرجلين وإفشال أي محاولة لإعادة بناء الثقة بينهما وإساءة إلى كليهما، خصوصاً فرنجية المعروف بجرأته في الابتعاد عن أي تملّق مصطنع لباسيل. وهو، على أي حال، واضح في تعويله على حزب الله لإقناع باسيل أو الضغط عليه، ويتصرف بوضوح بأنه لا يريد الرئاسة إذا كان شرط الفوز بها استرضاء رئيس التيار الوطني الحر. حتى إن موقف المردة من مقاطعة جلسات مجلس الوزراء انسجاماً مع الموقف العوني لم يُظهّر علناً، وحين سُرّب خبر عن نية فرنجية زيارة الرئيس عون ضمن جولة ينوي القيام بها على عدد من المرجعيات، وُضع الأمر في سياق الزيارات البروتوكولية، رغم عدم وجود أي بروتوكول لجولات كهذه.
في ظل حسم باسيل لقراره، يمكن لبعض المواقف العونية أن تبدو تصعيدية كما في إشارة النائب جيمي جبور أخيراً إلى أن من واجب حلفاء التيار الوقوف على خاطره في استحقاق الرئاسة والأخذ برأيه لأنه لا يقول لهم إن لديه مرشحه إلى رئاسة مجلس النواب ويأمل منهم تبنيه كما يفعلون هم في استحقاق رئاسة الجمهورية. لكن ليس هذا موقف باسيل فعلاً، بل هو أقل حدة. لكنه يقول، بشكل غير مباشر، إنه غير مؤمن بمبدأ مرشح «الخط»، بسبب تصرف هذا «الخط» مع عهد العماد ميشال عون. وهو يتطلع إلى الانفتاح على كل الاحتمالات لاختيار الأنسب، بدل التقوقع في زاوية ضيقة، إذ لا يمكن تجاوز الثقة السياسية بالمرشح حين يتعلق الأمر برئاسة السلطة التنفيذية، والعودة إلى «المرشح المجرب الموثوق» حين يتعلق الأمر برئاسة الجمهورية. المطلوب، بحسب باسيل، مرشح مجرّب موثوق به اقتصادياً واجتماعياً ومؤسساتياً وقضائياً، ثم تأتي علاقاته السياسية وأخيراً موقفه السياسي. وهو إذ يتطلع إلى اقتناع الحزب بنهائية موقفه من فرنجية للمضي قدماً في الأسماء والمواصفات، يفترض أن الاتفاق مع البطريركية المارونية معبر أساسي لتعزيز شرعية التمثيل المسيحي لهذا الرئيس بما يضمن عدم العودة إلى الوراء، ويمنحه الزخم اللازم لانطلاقة قوية في الحكم مع الثقة المطلوبة بالنفس.
أخبار ذات صلة
أبرز الأخبار